عد الباحث والمفكر الموريتاني الدكتور عبدالله السيد ولد أباه تدريس الفلسفة من لوازم المعرفة الضرورية لبناء مجتمع متوازن ومعتدل ويحتكم إلى النسبية عند إصداره للأحكام، وأبدى ولد أباه تحفظه على المعترضين والممانعين دراسة وتدريس الفلسفة ظنا منهم أنها طريق الإلحاد والزندقة. مشيرا إلى أن الغرب أفاد من نظريات ابن رشد في جوانب عدة من مدنيته الحديثة وتعامل مع خطابه الفلسفي بوعي وإدراك شأنه شأن بقية الفلاسفة المسلمين الذين أسسوا لمشروع فلسلفي لم يكتب له الاستمرار. وعزا ولد أباه إلى الفلسفة الفضل في تجديد الوعي وتنشيط القوى المجتمعية من خلال ممارسة نقدية فكرية تقوم على المنطق والممارسة البرهانية ما أسهم في تقوية المنتج الثقافي ووطد الممارسة الإبداعية والمعرفية المؤسسة لنظرية جديدة ومتجددة في تقييم الأوضاع والأحوال وبث الروح في القوى الساكنة ودفع عربة الحراك المجتمعي نحو المستقبل بكثير من التفاؤل والانفتاح. موضحا لـ «عكاظ» أن الفلسفة حوربت في فترات معينة ومنعت واتهم مؤسسيها بالإلحاد والزندقة إلا أن رافدين مهمين استمرا عبر سبعة قرون تقريبا متمثلين في المنطق الذي هو جزء صلب ومكون تربوي وخادم للعلوم بما فيها العلوم الشرعية، ونجده في علم أصول الفقه من خلال المقدمات والنتائج، إضافة إلى علم الكلام الذي لامس الكثير من الإشكالات وعزز النشاط الفلسفي. مشيدا بدور الفلسفة الأوروبية الحديثة ودورها في خلق فضاءات فلسفية في المغرب العربي وشمال أفريقيا خصوصا أن فرنسا تدرس الفلسفة في المرحلة الثانوية. ووصف الأطروحات الفلسفية بالرافد الكبير للفكر الإنساني المعاصر. ولفت ولد أباه إلى أن التجارب الفلسفية لا يمكن استنساخها كما هي وإنما يبدأ الاهتمام والفلسفة في إطار الشروط المطلوبة محليا، إذ لكل مجتمع خياراته وإمكاناته التي ينبغي مراعاتها. مؤكدا أن الفلسفة حاضرة في المملكة من خلال النقد الأدبي وعلم الاجتماع وعلوم السياسة وكل ما ينقص الباحثين السعوديين والمؤسسات المعنية من جامعات ومراكز بحث العودة إلى المنبع والمعين بدء من تاريخ الفلسفة ضمن الشروط والسياقات الممكنة، مشيرا إلى دور الفلسفة في تعليم الاعتدال والنظرة المتوازنة للأمور والنسبية والانفتاح والتسامح وتقبل الآخر واحترام وجهة النظر المخالفة. داعيا إلى تعزيز الفلسفة في المجتمعات العربية والإسلامية وتطبيق تدريسها كونه قل ما نجد من خضع لتكوين فلسفي ميالا للعنف أو التطرف أو الغلو ما يوجب علينا إعادة النظر في تقييمنا للفسلفة والنظر إليها كعلم شأن سائر العلوم دون تخوف ولا استرابة.
مشاركة :