يعد «حجي جابر» أحد الأسماء المهمة التي لمعت مؤخرا في سماء الرواية العربية، صدر له مؤخراً رواية «لعبة المغزل» عن المركز الثقافي العربي في بيروت، والتي اعتبرها المؤلف رسالة عن الوضع في موطنه «إريتريا» المنزوية بعيداً عن العالم رغم قربها المكاني، حيث اعتمد فيها على ثنائيات القبح والجمال، الصدق والزيف، النضال والانتهازية، ليترك مساحة كبيرة للقارئ للإثبات والنفي فيما يعيشه من أحداث.. «ثقافة اليوم» التقت الروائي، وكان لها معه الحوار التالي: وقود الديكتاتورية * لماذا كانت شخصيات "لعبة المغزل" دون أسماء؟ ما المقصود بهذا؟ - هذه التقنية السردية هدفت إلى أمرين، الأول لإعلاء قيمة الحكاية وليس أصحابها، فالمهم هنا ما قيل، وليس من قاله، وكما رأيت فحيّز الحكايات كبير في لعبة المغزل، الأمر الآخر متعلّق بما أرادت الرواية قوله عن الوضع في "إريتريا"، فنحن هناك كائنات جماعية، نذهب للموت، والقتل، والدمار، بشكل جماعي، دون أن يكون مهما أسماؤنا وحياتنا وبقية التفاصيل التي تميّز الواحد عن الآخر، نحن وقود الديكتاتورية وحسب. مساحة الصمت * استخدمت في الرواية تقنية الأشرطة المسجلة، لكن هذه الأشرطة كانت تتفاوت في حجمها.. ما رأيك؟ - من الصعب قياس عدد الصفحات ومطابقته على الحديث المسجّل على الأشرطة، حين نتحدث فثمة مساحة أكبر تستوعب طريقة نطقنا، ومساحة الصمت، ومطّ الأحرف، وربما التأتأة، وجميع ذلك يزول حين الكتابة؛ لذا برأيي ليس إشكالاً كبيراً أن تتفاوت أحجام الفصول في "لعبة المغزل". البداية من النهاية * تبدو الرواية لقارئها متقنة ومصممة قبل كتابتها.. هل هذا صحيح؟ هل تؤيد هذه الطريقة في الكتابة دائماً؟ - هذه طريقتي في الكتابة، فأنا أقضي الوقت الأكبر من كل عمل في بنائه داخل عقلي، الحكاية، الشخصيات، الأحداث الكبرى، ولا أبدأ الكتابة إلاّ حين أصل إلى (95%) من الرواية فأنثره على الورق حينها، وأشد أوتارها، وأشذب أطرافها، قبل بعثها للناشر، ولك أن تتخيّل أني بدأت كتابة "لعبة المغزل" من النهاية، لفرط ما كانت الأمور مكتملة في رأسي! هناك بالطبع من يكتب أفكاره بشكل مباشر، وهذا فن لا أحسنه، وأحسد أصحابه القادرين على هذه المجازفة الكبيرة. إضافة شكلية * استخدمت في الرواية بعض الرموز ذات الدلالات العميقة مثل "المغزل" و"مقونان" و"النحات" و"المرمر".. حدثنا عن هذه الرموز، وكيف جاءت فكرتها؟ وكيف تناولتها؟ - ليس سرّاً القول إنّ جميع هذه الرموز جاءت في نهاية كتابتي للنص، فهي كما أسميها أكسسوارات العمل، حيث أقوم بمجرد الانتهاء من كتابة المتن وجسد الرواية الرئيسي إلى حقنه بالمحسنات، والتي للطرافة قد يأتي منها عنوان العمل وعتبته، أو تكون هي الأبقى في أذهان القرّاء، لكن في المقابل هي ليست نشازاً، أو إضافة شكلية مقحمة، إذ أكون حريصاً أن تكون في الخطّ نفسه، الذي تسير فيه أفكار الرواية، وإلا شوّهت الصورة العامة للنص. شريط النهاية * ما قصة "الشريط الأخير" ولماذا جاء في المقدمة؟ ولم يكن في مقدمة الأوراق التي أعطيت للضابط؟ - هذه إحدى حيل النص، فقد عمدت إلى البدء بما أسميته "الشريط الأخير" حتى يظن القارئ أنّه إزاء لعبة دائرية تعتمد على تقنية "الفلاش باك"، لكنه في نهاية النص يفاجئ أنّ ما قرأه في البداية لم يكن نهاية الدائرة، وأن الدوائر تتعدد أو لنقل النهايات أيضاً. ثنائية القبح والجمال * اعتمدت كثيراً في الرواية على "ثنائية القبح والجمال".. لماذا؟ هل تعتقد أنك كتبت رواية ذات بعد فلسفي؟ - هذه احد مستويات النص، فكما لاحظت ثنائية القبح والجمال، الصدق والزيف، النضال والانتهازية، إلى آخر تلك الثنائيات التي دار كل منها في دائرة خاصة تقاطعت بشكل أو بآخر مع بقية الدوائر في "لعبة المغزل"، ولعلك لاحظت مسارات عدة قائمة بذاتها، لكنها أيضاً تسير بعموم الحكاية في مسار كبير آخر. رقبة الرئيس * "التاريخ يكتبه الأقوى" هل كنت ترمز إلى هذا من خلال اختيارك لشخصية "السيد الرئيس"؟ لماذا اخترت شخصية "رئيس"؟ - حين نتحدث عن الأقوى في دولة ما، فبالضرورة نحن بحاجة لاستدعاء رأس الهرم، وإلا سنكون مجافين للحقيقة، في "إريتريا" كل الخطايا معلّقة برقبة الرئيس وأعوانه، وهذا ما أعتقده يقيناً، وأحمد الله أنني كنت قادراً على قول ذلك بالوضوح الكافي، دون أن أقدح في جمالية الفن، أو هذا ما أردته في آخر المطاف. نسج الأكاذيب * هل يتقاطع ما ورد في حكاية الفتاة مع تاريخ "أريتريا"؟ - لم أشأ أن يستحوذ ما حدث على الحكاية، لم أشأ أن ينشغل الناس بمدى صحة حادثة ما من عدمها، كان الأهم برأيي رؤية الصورة الكبيرة حيث المغزل الممعن في التضليل ونسج الأكاذيب، ومع هذا فلا أستطيع إنكار أي شيء مما ورد قد حدث بالفعل، لكني لن أخبرك، وإلاّ لأصبت الرواية في مقتل، وهي التي تسعى لهز يقينك في كل ما قيل لنا من قبل، حتى تبدأ باختبار كل شيء من البداية. نهاية مريرة * كانت نهاية بطلة الرواية مريرة.. هل يحدث لنا حين نشقى بالحكايات ونلاحقها؟ - أنا لست على يقين من أي نهاية في الرواية، قد تكون الفتاة صادقة أو كاذبة، والأمر ينسحب على الرئيس، والطبيب، والجدة، وهنا لعبة النص المخاتلة، ثمة مساحة كبير للنفي والإثبات، هذه الهزة رأيت أنها مفيدة لتمرير الفكرة الكبيرة المتعلقة بالزيف في عالمنا؛ لذا لا أستطيع الاتفاق معك، ولا الاختلاف ما إذا كانت الفتاة قد شقيت في النهاية أم لا.
مشاركة :