اكتُشف أخيرا مدى أهميتها بالنسبة لحياة البشر، ليس من أجل العسل فقط، بل لأن وجودنا مرتبط بوجودها! يقول أينشتاين ذلك العالم الذي اشتهر بنظرياته وتوقعاته الجريئة السابقة لعصره، التي ثبتت صحة ودقة بعضها وأخفق بعضها وبقي الكثير غير مفسر حتى الآن، في واحدة من أغرب نظرياته التي بدأت ملامحها تتضح: إذا اختفى النحل من الأرض فإنه سيبقى للإنسان أربع سنوات فقط ليعيش على الأرض! وكان كلامه مثار تساؤل وتعجب، فلم يكن أحد يعرف سبب خوفه من موت النحل، ولكننا اليوم نرى أن ما قاله أصبح ظاهرة، فقد لوحظ في السنوات الأخيرة موت النحل المفاجئ بأعداد كبيرة تدعو إلى القلق فيما يعرف بـ اضطراب انهيار المستعمرة، وبموت النحل لا يقل العسل فقط، بل الأهم تأثر الكثير من المحاصيل الزراعية، ومن أهمها الطماطم، التي غلا سعرها بسبب ذلك. النحل يعد أهم ملقح لمحاصيلنا الزراعية من فواكه وخضراوات وزهور، وحتى أعلاف المواشي، فنحو 70 في المائة من الإنتاج الزراعي العالمي يعتمد على تلقيح النحل، لذا فوجوده مرتبط بغذائنا الذي هو لب الحياة! والنحل لا يؤدي هذه المهمة من أجل سواد عيون البشر، بل لأن التلقيح مصدر لغذائه هو، فيأخذ البروتين من اللقاح والكربوهيدرات من الرحيق، لذلك يلجأ المزارعون إلى بناء مستعمرات للنحل عندما يشح وجوده طبيعيا، خصوصا النحل الطنان الذي يلعب دورا كبيرا في تلقيح الطماطم، وتكون حبوب اللقاح خاصته مختبئة داخل الزهرة التي تحتاج إلى هز لتخرج، لذا يقوم النحل بتحريك جناحيه بتردد صوتي موسيقي فيهز الزهرة. وأغرب ما في مستعمرات النحل نظام الرعاية الصحية والاجتماعية، الذي يطبق في المستعمرة التي تتكون من 40 إلى 50 ألف نحلة، كل منها يقوم بعمل محدد من دون وجود سلطة مركزية أو فرد مسؤول، فهو يحافظ على نظافة مستعمرته ويطرد العناصر المريضة، ويجمع من النباتات مواد صمغية راتنجات يستخدمها كوحدة بناء أولية للخلايا، وهو ما يعرف بالعكبر أو شمع العسل، عرف الإنسان مدى أهميته لصحته من مئات السنين، ولكنه لم يعرف أن هذه المادة بخصائصها المطهرة والقاتلة للجراثيم والميكروبات تحافظ على صحة وسلامة المستعمرة وجعلها تعيش لأكثر من 50 مليون سنة! وكان سبب موته في السنوات العشر الأخيرة المبيدات الحشرية المستخدمة للمحافظة على صحة المحاصيل الزراعية، ومنها أنواع خطيرة تقضي على ذاكرة النحلة فتضل طريقها ومن ثم تموت أو تصاب بالأمراض، كما أن القضاء على الأعشاب المزهرة في الحقول وزراعة المحصول الواحد يقلل من أعداد النحل، وفي دراسة للمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا أثبتت أن مكالمات الهاتف الجوال تشوش إشارات الاتصال الحيوية لدى النحل، مما يجعله مرتبكا وغير قادر على القيام بعملية التلقيح. إن موت النحل أخطر من ظاهرة الاحتباس الحراري على البشر، لذا فإن أينشتاين على حق فيما ذهب إليه، وعلينا مهمة المحافظة على النحل وتغذيته بغرس زهرة في كل مكان، لنتعلم منه ونتصرف مثله، فمساهمة كل فرد في الحل توجد عملا جماعيا ضخما يعيد للنحل صحته، ولنا الأمل في حياة أفضل.
مشاركة :