بيروت - أثارت مذكرة التوقيف الدولية التي أصدرها القضاء الفرنسي بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد مماطلته في حضور جلسة تحقيق في باريس وبعض الجلسات الأخرى السابقة في بيروت مع محققين أوروبيين، لغطا وحيرة وانقسامات في الأوساط السياسية ابتداء من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أجرى محادثات مع الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) حول كيفية التعامل مع بطاقة الاعتقال الدولية، بينما طالب نواب بعزل سلامة وهددوا بملاحقة أي طرف حكومي أو جهة إنفاذ تتقاعس في تنفيذ مذكرة الاعتقال. ومنذ صدر قرار قاضية فرنسية بحق سلامة الثلاثاء الماضي، لم تهدأ المشاورات ولا الجدل في لبنان خاصة مع وجود خلافات حول صلاحيات حكومة ميقاتي التي لا تملك سلطة قرار باعتبارها سلطة تصريف أعمال. وحتى قبل صدور مذكرة توقيف الاعتقال بحق سلامة كانت هناك خلافات حول من سيخلف حاكم مصرف لبنان الذي تنتهي ولايته قريبا وسبق له أن أعلن أنه لن يقبل بالتمديد. كما يرفض الثنائي الشيعي تعيين الحكومة بديلا له سواء تنحى طوعا أو انتهت ولايته من جهة كما يرفض تعيين أيضا تسليم مهامه لنائبه الأول وسيم منصورين وفق مقتضيات قانون النقد والتسليف. وقالت صحيفة 'الأخبار' اللبنانية، إن ميقاتي بدأ منذ صدور مذكرة الاعتقال الفرنسية بحق سلامة، إجراء اتصالات مع حزب الله وحركة أمل لاستكشاف الخيارات المتاحة للتعامل مع القضية. ومن بين الخيارات أو المقترحات الدعوة لعقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء لبحث الأمر واتخاذ القرار المناسب، بينما وجد رئيس حكومة تصريف الأعمال نفسه في ورطة اذ لا يمكنه تجاهل القرار الفرنسي. وذكرت الصحيفة المحلية أن ميقاتي أبلغ نبيه بري رئيس البرلمان ورئيس حركة أمل بأنه إذا لم يبادر الحاكم إلى طلب تنحيته، فإن على الحكومة البحث في صيغة بديلة. وقال للثنائي الشيعي "إنكم أعلنتم أنكم ترفضون أن تعيّن الحكومة بديلا عن الحاكم سواء تنحّى أو عند انتهاء ولايته، لذلك فإن الحل هو أن يُطلب منه التوقف عن القيام بمهامه ريثما ينتهي التحقيق وتسليم الأمر إلى النائب الأول وسيم منصوري بحسب قانون النقد والتسليف". ورد الثنائي بأن أبلغ ميقاتي بأن الأمر يحتاج إلى المزيد من المشاورات، بينما يرفض في الوقت ذاته تعيين الحكومة لحاكم جديد للمركزي اللبناني بدعوى عدم الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية في حين يعاني لبنان من شغور في منصب الرئاسة. كما يتحفظ الثنائي الشيعي على تعيين الشيعي وسيم منصوري نائب حاكم المصرف في المنصب ولو مؤقتا لعدم استفزاز المسيحيين بتولي مسلم المنصب المسيحي الثاني في الدولة بعد منصب رئاسة الدولة. كما يخشى حزب الله وأمل من أن تلقى على عاتق وسيم منصوري كل تراكمات المرحلة السابقة من مشاكل وسط مخاوف أيضا من أن يترك رياض سلامة وراءه ألغاما في مصرف لبنان. ولم يتلق لبنان بعد طلبا رسميا باعتقال سلامة فيما يعتزم محاموه الطعن في قرار التوقيف وهو أمر قد يستغرق شهورا. وعلى ضوء هذا يبقى لبنان في حالة انتظار إلى أن تنتهي ولاية الحاكم في الأشهر القليلة القادمة. ونقلت 'الأخبار' عن مصادر قالت إنها مطلعة قولها "إنه في ضوء المشاورات، بات من المرجح ترك الأمر إلى حين تلقي لبنان رسميا نص مذكرة التوقيف، لا انتظار النظر في طعن وكلاء سلامة في القرار الفرنسي والذي يتوقع أن يستغرق شهورا. وبحسب المصادر، فإن ميقاتي لن يدلي بأي موقف قبل وصول طلب فرنسا توقيف سلامة عبر القنوات الرسمية". ويأتي ذلك بينما يواصل رياض سلامة عمله كأن شيئا لم يكن وداوم أمس الأربعاء في مكتبه دون أي تعديل على برامجه وأصدر قرارات من بينها منح تراخيص عمل لشركات مالية رقمية. كما ترأس الاجتماع الأسبوعي للمجلس المركزي وحرص على ابلاغ الحاضرين أن مذكرة التوقيف الدولية الصادرة عن القضاء الفرنسي "لا أساس قانوني لها"، وفق المصدر ذاته. ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن رياض سلامة يحافظ على هدوئه خلافا للتوتر السائد في أوساط المدراء بمكتبه، خاصة مدير العمليات الخارجية نعمان ندور ومدير التطوير والتنظيم رجا أبو عسلي والمدير التنفيذي لوحدة التمويل وائل حمدان. وقالت إن هؤلاء يتخوفون من تداعيات التحقيقات أو القرارات الصادرة عنهم وهم الذين شكلوا فريق عمله لسنوات طويلة. وأصدر نواب 'التغيير' في البرلمان اللبناني بيانا اعتبروا فيه أن مذكرة الاعتقال بحق سلامة تتوج "مسارا طويلا من الملاحقات القضائية التي كشفت الطريقة التي كان يُدار بها المصرف المركزي طوال العقود الثلاثة الماضية والتي أفضت إلى أحد أكبر الانهيارات المصرفية التي شهدها التاريخ الحديث". وطالبوا في بيانهم "بعزل المدعى عليه رياض سلامة من موقعه بالسرعة القصوى وتطبيق مندرجات قانون النقد والتسليف في ما يخصّ مآل الحاكمية، حرصا على أداء مصرف لبنان في ظلّ الانهيار الراهن". ودعوا في بيانهم السلطة التنفيذية إلى "إزالة جميع العراقيل القائمة التي تؤخّر ادّعاء الدولة رسميا على الحاكم وخصوصا تلك التي يتفنّن في وضعها وزير المال ومرجعيته السياسية ورئيس الحكومة"ن مطالبين القضاء اللبناني بتحمل مسؤوليته على مستوى الملاحقات ومنع تكريس سياسة الافلات من العقاب. وتوعد نواب التغيير بملاحقة "أيّ محاولة من قبل السلطات اللبنانية ممثلة برئيس الحكومة ووزير الداخلية ومدّعي عام التمييز، للتقاعس عن تنفيذ مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة". وتابعوا "سنعمل على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية لتحديد المسؤوليات القانونية المترتبة عن ما ارتكبه سلامة (من مخالفات) وتحديد المسؤوليات القانونية لكلّ من يغطّي عنه ويدعمه من المسؤولين الرسميين".
مشاركة :