ضمن فعاليات منتدى، الثلاثاء، نظم بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة أمسية شعرية جرت وقائعها في أجواء شعرية خالصة وأحياها الشعراء د. عبدالله أبوشميس من الأردن وأحمد الأمين السالم من موريتانيا ود. عبدالرحمن بوعلى من المغرب، بحضور الشاعر محمد البريكي مدير بيت الشعر وجمهور اكتظت به ساحة البيت، وقدمها حمادة عبداللطيف الذي أشاد بدور الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة في دعمه للشعر والثقافة، وبمتابعة دائرة الثقافة في الشارقة لفعاليات بيت الشعر. بدأت الأمسية بقراءة وافية للشاعر الأردني الدكتور عبدالله أبوشميس الذي تجلى في سرد تاريخي مفعم بالوصف والثناء، فألقى قصيدة تفيض بالكثير من الشجن اختار لها عنوان "ما لم تَقُلْهُ الـحُمَيْراء" التي يحاول فيها الشاعر أن يبرز نوعا من كتاباته الشعرية التي يستجمع فيها معجمه الشعري الثري في تجسيد مواقف تعبر عن براعته في نسج حواراته الشعرية بمهارة وإتقان: "تَعِبْتُ.. لو يعرفُ الأَهلونَ عن تَعَبِي ولو أُعاتبُ.. هل يَدرونَ ما عَتَبي؟ أنا الْـحُمَيْراءُ، قلبي دُميةٌ كُسِرتْ فمَنْ سيُصلحُ قلبَ البِنْتِ واللُّعَبِ؟ ومَنْ يُطبّبُ جرحاً سالَ مُنسكِباً ومَنْ يُطبّبُ جرحاً غيرَ مُنسكبِ؟ اليومَ قد وُئِدَتْ أُنثى، وما عَرَفَتْ بأيِّ ذنبٍ، ولَـمْ تُسْأَلْ ولَـمْ تُـجِبِ عَيْنايَ لـمْ تَنْظُرا يوماً لِمعصيةٍ فَهَلْ مِنَ العدلِ هذا الدَّمْعُ في هُدُبي؟ وقِيلَ: إنْ كُنتِ قد أَذنبْتِ فاعْتَرِفي بالذّنبِ، وَابْتَهِلي للهِ وَاقْتَرِبـي!" ثم استدعى أبوشميس أحزان زوجة ابن زريق البغدادي، وصوّر مجمع همومها في مخاطبة شعرية تفيض بالحزن والأسى، وقد وفق الشاعر في طرح رؤى من منظور عصر زوجة الشاعر، وانهمر في بدائع التصوير متمثلا جماليات الشعر في تلك المرحلة، وهو ما جعل القصيدة تتلبس حالة هذه المرأة التي فقدت زوجها وآلت حياتها إلى نهايات مرة يقول في قصيدته: "في ذمة الله روضٌ غاب حارسُهُ في ذمة الله نهرٌ جفّ منبعهُ لم يبق بعدكَ عندي ما أضِنُّ بهِ على الزمان، وما يُخشى تصدّعُهُ رحلتَ والصمتُ فيما بيننا صخِبٌ وما يفيد كلامٌ لستَ تسمعُهُ؟ تركتَ بغدادَ تمضي نحو أندلسٍ، والسّهمُ أبعَدُهُ في الرمي أوجَعُهُ! لو أنّ أندلساً تدري بلوعتنا كانت لبغدادَ دون الناس ترجعُهُ". أما ثاني شعراء الأمسية فكان الشاعر الموريتاني أحمد الأمين السالم الذي ألقى قصيدة حملت عنوان "مجد الشهيد" التي أحسن الشاعر فيها الاستهلال، حيث بدأ بسؤال مباغت بهدف استقطاب المتلقين ومن ثم التفاعل مع إيقاعاته الصوتية وجسارته في القول وهو ما مهد للإنصات الواعي، فقد عبرت لغته الشعرية عن براعته في تضفير حبكته الشعرية بصورة موحية تستعرض النتائج وتفيض بالحزن والأسى في آن وتساءل قائلا: "ماذا سيكتب بعديَ الشعراءُ كل الذي قد يكتبون هباءُ سيسطرون بكاءهم بحروفهم هل تدمع الأفعال والأسماءُ وسيخطفون الضوء لكن برهةً فمن الشهيد ستشرق الأضواءُ الأرض أرض للشهيد وروحه في كل أرجاء السماء سماء". ومن قصيدة "ذكرى" قرأ السالم أبياتاً مؤثرة عبر فيها بأسلوب شفيف عن معاناة ذاتية من قصيدته نختار: "ان خلف أفق الذكريات يلوح طيفا يضيق عن احتواه اللُّوحُ أوَ هكذا الذكرى تلملم بعضنا تغدو فتخنق نبضنا وتروح الروح واحدة ونحن شتاتنا متفرق، هل تصطفيه الروح". وقدم الشاعر المغربي د. عبدالرحمن بوعلى ثالث شعراء الأمسية عددا من القصائد التي اتسمت بروح التجديد والتلوينات الشعرية، سابحا بخيالاته في سماوات الجمال، وقرأ منها قصيدة "تحولات يوسف المغربي" التي عبر فيها عن جماليات رمزية أبرزت عالمه الشعري الذي يسبح ويبرهن على أسلوبه المتدفق الغني بالمفردات والصور والتشكيلات البلاغية البديعة ومن قصيدة نقتطف هذا المقطع: في مملكة الوقتِ/ تأخذني الريحُ/ على كتفيها... وتتوجني ملكا/ يحلم بالكلمات/ في مملكة الوقتِ/ تحملني الريحُ على كتفيها/ فأرى مدنا فارغةً/ وأرى صورا/ وقرى ضائعة ولغات/ وأرى وطني يهجره الأحباب ويسكنه البؤساء/ وأرى كفني وعليه تصاوير وعظام ورفات/ وأرى لغتي تعبرني لاهبةً: - أأنا المفتون بوقتي والمرميُّ على قارعة الأحبار؟. ثم قرأ قصيدة "من تغير؟" التي احتشدت بأسئلة الذات للآخر، في نص تفعيلي تفاعل معه الجمهور الحاضر، ونقرأ منها: "من تغير؟ أنت التي..أم أنا؟ من تناثر فوق السحاب، وباعد بين القلوب، وأصبح ليلا كئيبا، وأصبح نجما ثقيلا، ترى أنت.. أم... أنا؟" وفي الختام كرم الشاعر محمد عبدالله البريكي شعراء الأمسية ومقدمها.
مشاركة :