شملت العقوبات الغربية على روسيا استبعاد كبرى البنوك الروسية من أنظمة الدفع الغربية. وإزاء ذلك، باتت طرق دفع الهند لواردتها من النفط الخام الروسي تحديا خاصة مع رفض موسكو قبول الروبية لتسوية تجارتها مع نيودلهي. أدى إقبال الهند على شراء النفط الروسي إلى زيادة العجز التجاري الكبير بين البلدين أضحت الهند خلال العام الماضي أحد أهم مشترٍ للنفط الخام الروسي بعد أن دفعت العقوبات الغربية موسكو إلى بيع النفط الخام بأسعار مخفضة. وقد ذكرت شركة تحليلات النفط "فورتيكس" أن الهند استوردت في أبريل / نيسان الماضي نفطا روسيا بمعدلات غير مسبوقة لتحتل روسيا المرتبة الأولى خلال الشهر الماضي كأكبر مورد للنفط الخام إلى الهند في معدلات فاقت السعودية والعراق معا. ويأتي ذلك على نقيض من معدلات واردات الهند من النفط الروسي قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير / شباط العام الماضي حيث كانت الهند تشتري كميات قليلة جدا من النفط الروسي . بيد أنه مع تشديد العقوبات الغربية على روسيا بما في ذلك استعباد المصارف الروسية الكبرى من أنظمة الدفع الغربية، أصبح إيجاد طرق لدفع ثمن الخام الروسي تحديا كبيرا أمام الهند وروسيا . فعلى مدار العام الماضي، كان المستوردون في الهند يدفعون في الغالب بالروبية الهندية مقابل النفط الروسي والسلع الأخرى، لكن القيود المفروضة على العملة الروسية جعلت من الصعب على المؤسسات الروسية تحويل عمليات الدفع بالروبية الهندية إلى الروبل الروسي . حجم المشكلة؟ وقد أدى إقبال الهند على شراء النفط الروسي إلى زيادة العجز التجاري الكبير بين البلدين إذ خلال الأشهر الإحدى عشر الأولى من السنة المالية 2022 و2023، بلغت قيمة الواردات الهندية من روسيا ما يقرب من 41.5 مليار دولار (38 مليار يورو) في حين بلغت الصادرات 2.8 مليار دولار فقط. وقد نجم عن ذلك تراكما نقديا بلغ مليارات الروبيات تمتلكه شركات النفط والبنوك الروسية في حساباتها المصرفية الهندية وقد نجم عن ذلك حجما نقديا كبيرا يشكل تحديا للمؤسسات الروسية في استخدامه. وفي مقابلة مع DW، قال ناندان أونيكريشنان، الخبير في الشأن الروسي بمؤسسة "أوبزرفر ريسيرتش" للبحوث ومقرها في نيودلهي، "لا أعتقد أن هذا الوضع يمكن أن يستمر طويلا. اذا فشل الجانبان في حل المشكلة فإن ذلك لن يؤثر فقط على مشتريات النفط وإنما على كل شيء." يشار إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد تطرق إلى هذه المشكلة خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون في ولاية غوا الهندية. وقال لافروف "بالنسبة للروبية، فهذه مشكلة لأن هناك مليارات الروبيات المتراكمة في حسابات في البنوك الهندية ونحن بحاجة إلى استخدام هذه الأموال. لذلك، يجب تحويل الروبيات إلى عملات أخرى. وتجري مناقشة هذا الأمر". قال وزير الخارجية الروسي إن بلاده في حاجة لتحويل مليارات الروبيات الهندية إلى عملات أخرى العلاقات القوية بين الهند وروسيا وقد ذكرت وكالة بلومبرغ أن الشكوك حول آليات الدفع قد تلقي بظلالها على الواردات العسكرية والدفاعية في ضوء أن كلا البلدين يشتركان في روابط سياسية وأمنية طويلة الأمد إذ تعد الهند أكبر مشترٍ للأسلحة الروسية رغم مساعيها لتنويع مصادرها حيث اتجهت خلال السنوات الأخيرة إلى استيراد حاجتها من الأسلحة من دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا. وقد أفاد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بأن الهند أنفقت أكثر من 18 مليار دولار على واردات الأسلحة منذ عام 2017 فيما استحوذت روسيا على 8.5 مليار دولار من هذا المبلغ. تزامن ذلك مع عزم البلدين إجراء مباحثات بشأن التوصل إلى اتفاق تجارة حرة. وسياسيا، لم تُقدم الحكومة الهندية حتى الآن على انتقاد الحرب الروسية في أوكرانيا بشكل علني صراحة فيما امتنعت عدة مرات عن التصويت على قرارات الأمم المتحدة التي تدين الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنها في المقابل دعت إلى حل سلمي للصراع عبر التفاوض. وأثار التقارب السياسي والتجاري بين الهند وروسيا قلق الدول الغربية وسط مخاوف من أن يؤدي تعميق العلاقات التجارية بين البلدين إلى تقويض منظومة العقوبات الغربية على روسيا. حل أزمة الروبية؟ ويرى مراقبون روس أن الدرهم الإماراتي واليوان الصيني يمكن أن يكونا خيارين محتملين لتسوية التجارة بين الهند وروسيا. وفي ذلك، قال أونيكريشنان "تريد روسيا الحصول على عملة يمكن استخدامها لشراء السلع التي يحتاجها اقتصادها، لكن السؤال الهام مفاده ما هي هذه العملة؟". وأضاف "الروس سيكونون سعداء باستخدام اليوان" وذلك في ضوء أن حجم التجارة الثنائية يٌقدر بمئات المليارات من الدولارات إذ تجاوز حجم التبادل التجاري بين موسكو وبكين العام الماضي حاجز الـ 190 مليار دولار. لكن الخبير الاقتصادي أشار إلى أن الهند لن تقبل هذا الأمر بصدر رحب على خلفية التوتر المتصاعد مع الصين بسبب النزاع الحدودي بين البلدين. وقد نقلت وكالة رويترز للأنباء عن مسؤولين في الهند قولهم إن الحكومة الهندية أصدرت تعليمات للبنوك والتجار المحليين بتجنب استخدام اليوان الصيني لدفع ثمن السلع الروسية. وإزاء ذلك، اقترح خبراء استخدام الدرهم الإماراتي لدفع ثمن واردات الهند من روسيا، لكن الخبراء أشاروا إلى أن هذا الخيار لن يكون حلا قابلا للتطبيق على المدى الطويل بسبب حساسية عملة الإمارات للعقوبات الغربية وارتباطها بالدولار. بدوره، قال أونيكريشنان إن الهند وروسيا يمكن أن تتوصلا إلى حلول بديلة مثل إيجاد طريقة لاستثمار الروبية على سبيل المثال في إنشاء مشاريع مشتركة تنتج سلعا تستخدمها روسيا سواء للاستهلاك المحلي أو التصدير، مضيفا "هناك طرق متعددة لاستخدام هذه الأموال، لكن يتعين في بادئ الأمر وجود إرادة سياسية للتوصل إلى اتفاق". سرينيفاس مازومدارو / م. ع
مشاركة :