قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي -في خطبة الجمعة-: إنه من المعلوم أن الناس منذ خلقوا وهم مختلفو الطبائع والرغبات والميول، كما أنهم ليسوا سواء في أخلاقهم وصفاتهم وأحوالهم، فمنهم الهين اللين، اللطيف الرفيق، ومنهم الفظ الغليظ الجافي الشديد، ومنهم مَن هو بَيـْن ذلك، وحيث أنه لا غنى للمرء عن مخالطة الناس والتواصل معهم؛ فمن الفقه والحكمة أن يكون المسلم على بصيرة، كيف يتعامل مع أصناف الناس المختلفة بما يليق ويناسب الحال. وأضاف أن هناك قواعد ثابتة وأصولاً متبعة وتجارِب نافعة في معاشرة الناس ومخالطتهم ومعاملتهم ينبغي أن يعيها المرء ويراعيها، وأننا نتعامل مع أناس مثلنا ليسوا بمعصومين، يصيبون ويخطئون، ويحصل لهم من السهو والنسيان والضعف مالا ينفك منه البشر. وأشار إلى جملة من القواعد التي يجب أن يعامل به الناس وهي أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، كذلك وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أي: بكل قول حسن وفعل جميل، وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة. وذكر أن من القواعد المتبعة في التعامل أن نقول في مخاطباتنا ومحاوراتنا الكلام الْأَحْسَنَ وَالْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ؛ فَإِنَّنا إِذْ لَمْ نفعل ذَلِكَ، نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَنا، وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ إِلَى الْفِعَالِ، وَوَقَعَ الشَّرُّ وَالْمُخَاصَمَةُ وَالمُقَاتَلَةُ، والناس تنتابهم أعراضٌ مختلفة وتمرُّ بهم أحوال متباينة من الشغل والضعف والنسيان والمرض والكبر وغيرها، مما قد يؤثر على سلوكهم وطباعهم؛ فأحسن الظن بهم واحذر من الحكم على أقوالهم وأفعالهم دون تثبُّت ومعرفة للأسباب، لاسيما أن الشيطان حريص على إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس. وأفاد أن من تلك القواعد معاملة الناس بمكارم الْأَخْلَاقِ ومحاسن الصفات وجميل الخِلال، وألا يأتي منك لأخيك إلاّ ما تحب أن يؤتى إليك، وما كرهت لنفسك فلا تأته إلى غيرك، ومما يدخل في هذا الباب أن تحرص على نفع الناس وإدخالِ السرور عليهم، والفرح لفرحهم والتألم لألمهم، ومواساتهم، والوقوف بجوارهم في السراء والضراء، وبذلِ المعروف لهم، وعدم المنّ عليهم بالعطاء، وأن تزهد فيما في أيديهم ولا تحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، ولا تنتظر منهم شكرًا ولا ثناءً على صنيعك ولا مكافأةً على إحسانك. وقال: إن الشريعة الإسلامية الغراء قصدت إلى الاجتماع والائتلاف ونبذ التفرق والاختلاف قال تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا"، وإننا بمناسبة انعقاد القمة العربية في رحاب هذه البلاد المباركة لنسأل الله أن يحقق من هذا الاجتماع ثماراً مباركة وآثاراً خيرة في تحقيق مصالح البلاد والعباد.
مشاركة :