تكتسب القمة العربية بدورتها الـ32 التي ستعقد اليوم (الجمعة) بمدينة جدة السعودية أهمية خاصة، بعد عودة سوريا للجامعة العربية بعد غياب 12 عاما أنعش الآمال بإيجاد حلول لمشاكل المنطقة. وستناقش القمة قضايا مهمة كالقضية الفلسطينية والتصعيد الإسرائيلي الأخير، والأزمة السودانية سعيا لإيجاد حل سلمي دائم، والأزمة الليبية ومحاولة الوصول لحل لها، وبحث الوصول لحل سياسي وإنساني للأزمة باليمن، وبحث الوضع بالصومال وتحديات الأمن، وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على المشهد العربي والتنسيق بين الدول العربية لمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن العربي، وإيجابيات الاتفاق السعودي الإيراني على مجمل قضايا المنطقة. وقال مضر الكروي النائب بالبرلمان العراقي لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن قمة جدة مهمة للعديد من الأطراف العربية لأنها تأتي بوضع حساس خاصة الأحداث بالسودان وفلسطين وسوريا كونها تسهم بإيجاد أطر حلول لبعض الخلافات خاصة الأوضاع الحالية بالسودان وفلسطين المحتلة التي تستوجب إيجاد موقف عربي موحد لايقاف نزيف الدماء". وأكد أن السعودية بلد إقليمي محوري بالعالم العربي ولها ثقل مثل مصر والعراق، كما أن سياساتها بالانفتاح على الدول واحتضانها للعديد من المؤتمرات جعلها قوة في البعد الدبلوماسي لحل العديد من القضايا العربية، مضيفا "نعتقد بأن قياداتها لديها مسارات موضوعية مع الأحداث الإقليمية والعالمية، بالاضافة لمكانتها بالعالم الإسلامي يجعلها محورية بقضايا عدة، لذا فهي تتجه بالفعل لاستقلالية أكبر بالشرق الاوسط بعيدا عن الصراعات الدولية". ووصف الكروي نجاح الصين بإجراء تصالح بين إيران والسعودية بـ"الحدث ليس العابر بل هو أهم حدث منذ سنوات لأنه سيؤدي لاستقرار وهدوء منطقة تمول العالم بنحو نصف حاجته من الطاقة وهي ذات حساسية عالية"، قائلا "إن قمة جدة مهمة بالشرق الأوسط ونتوقع أن تخرج بقرارات مهمة، كما أنها ستوثق منهاج مهم في الجيوسياسية عبر الحيادية حيال الصراعات الدولية". وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين بمنطقة الشرق الأوسط، أجاب الكروي "الصين دولة مهمة اقتصاديا على مستوى العالم ولديها مصالح كبيرة مع أغلب دول العالم العربي والإسلامي ونجاحها في ردم الخلافات بين السعودية وإيران، موقف إيجابي عزز من ثقة الأطراف العربية والإقليمية بها كونها طرفا موثوقا بالتعاطي مع المتغيرات بما يخدم مصالح كل الشعوب". وعن فشل الضغط الأمريكي باستئناف عضوية سوريا بالجامعة العربية، قال الكروي "إن أمريكا بدأت تفقد بريقها بالشرق الأوسط والعالم وربما خلال سنوات تفقد مكانتها الاقتصادية رقم واحد، وواشنطن خلفت مشاكل كثيرة واخفاقات خاصة بالعراق لذا فان تغير سياسات أمريكا بين رئيس وآخر أي جمهوري وديمقراطي جعل الكثير يتردد بالاستماع لها وهي بالفعل تبتعد عن الشرق الأوسط". وأضاف "أن الدول العربية تدرك بالفعل مع الوقت بأن الحليف الأمريكي لم يبق دائما بالمنطقة في ظل المتغيرات العالمية وإن قرب واشنطن لتل أبيب ودعمها لها يجعلها طرف غير محايد بقضية فلسطين على سبيل المثال لذا فإن العرب يلجؤون لتوحيد الآراء وحل المشاكل بأنفسهم قدر الإمكان ولعل إعادة سوريا للقمة العربية صورة واضحة". ويرى الدكتور محمد الجبوري أستاذ الإعلام بالجامعة العراقية بأن قمة جدة تمثل منعطفا تاريخيا واختبارا للقادة العرب لحساسية القضايا المطروحة أمامهم، داعيا القادة العرب لاتخاذ قرارات حاسمة توقف نزيف الدم العربي وتضع حدا للتدخلات الأجنبية بشؤون الدول العربية. وقال الجبوري لـ ((شينخوا)) "هذه القمة انعشت الآمال بالخروج بموقف عربي جديد، خاصة بعد عودة سوريا لمقعدها بالجامعة العربية، خصوصا وأن قرار عودة سوريا شكل ضربة لواشنطن التي حاولت منعه لكن إصرار مصر والسعودية عليه شكل نجاحا عربيا باتخاذ مواقف تخدم مصالح العرب وليس المصالح الغربية". وأضاف "إن الصين التي نجحت بكسر الجمود بين إيران والسعودية وانهت حقبة من الخلافات والصراعات بينهما قادرة على لعب دور أكثر فاعلية بقضايا الشرق الأوسط، لأنها دولة ليس لها مطامع استعمارية وتبحث عن المنفعة المتبادلة والاستقرار والسلام، ومواقفها العادلة تجاه القضايا الدولية أكسبها احترام الجميع وجعلها محل ثقة للعديد من الدول ومنها الدول العربية. وأعرب الجبوري عن تفاؤله بنتائج القمة العربية لأن الدول العربية بدأت تكتشف زيف الأكاذيب الأمريكية وعدم اتخاذها مواقف عادلة خاصة بقضية فلسطين وانحيازها لإسرائيل على حساب العرب. وأكد أن الدور السعودي دور مهم وكبير ليس على المستوى العربي بل على المستوى الإقليمي والدولي وتقاربها مع الصين يؤكد انتهاجها سياسة جديدة تؤهلها أكثر للعب دور إيجابي حيال القضايا العربية والإقليمية. واختتم "العرب فقدوا ثقتهم بالسياسة الأمريكية تجاه المنطقة التي لم تخلف سوى الدمار والخراب على مدى أكثر من 50 سنة، وعليهم أن يبتعدوا عن أمريكا ويحلوا قضاياهم بأنفسهم لأن المثل يقول ما حك جلدك مثل ظفرك". بدوره أكد المحلل السياسي ناظم علي عبدالله أن قمة جدة تعقد وسط تحديات ومتغيرات على الساحة الإقليمية والدولية وأمامها أهم موضوع وهو لملمة الشمل العربي بعد الانقسامات التي واجهتها الدول العربية منذ احتلال العراق عام 2003. وقال لـ ((شينخوا)) "هذه القمة تواجه الكثير من التحديات في ظل الظروف المعقدة، ولكن هناك تطورات بالعلاقات بين الدول العربية أفضل من السابق، وستكون الفرصة أكبر بكثير بحلحلة الوضع خاصة بعد عودة العلاقات الإيرانية- السعودية وهي أكبر عائق بالعلاقات العربية وتمثل مرحلة انتقالية لجلب الاستقرار للمنطقة، وحسب الرؤية الصينية في تقريب وجهات النظر والعمل لإعادة بناء الثقة بين الدول الإقليمية والعمل على استقرارها لتوفير بيئة استثمارية جيدة يمكن أن تحقق لهذه الدول الاستقرار السياسي والاقتصادي". وأضاف " أن السعودية أخذت على عاتقها مهمة تطوير العلاقات العربية من خلال التعاون مع الدول العظمى ومن أهمها الصين بإعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية واستخدمت نفوذها وإمكانياتها الاقتصادية ودورها الديني لتكون الدولة الرائدة بالمنطقة ورقم واحد على المستوى الإقليمي بعد تراجع الدورين التركي والإيرانى بسبب الظروف الاقتصادية والدولية، كما استطاعت السعودية بجمع المتصارعين بالسودان وتوقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار والبدء بمفاوضات سلام". وتابع "تسعى السعودية للعب دور أكبر على مستوى الشرق الأوسط من خلال إعادة تقييم التوازنات الدولية وبالتعاون مع الحليف الصيني ومحاولة العمل على استقرار المنطقة والبدء بمرحلة الشراكة الاقتصادية وإبعاد شبح الحروب التي لم تجلب لهذه المنطقة إلا الخراب والدمار". وأشاد بالدور الصيني بإعادة بناء الثقة بين الرياض وطهران والذي سيجلب الاستقرار للمنطقة بدل التناحر والتنافس العسكري الذي أشعل المنطقة بحروب لأكثر من أربعة عقود، قائلا "منذ توسط الصين لإنهاء الأزمة بين إيران والسعودية بدأت ملامح الانفراج والمصالحة بين دول المنطقة أقرب من الحروب والاقتتال، وهذا بالتأكيد سينعكس بشكلٍ إيجابي على القمة وسينعكس بشكل عام على أوضاع الشرق الأوسط وقد يؤثر ذلك مستقبلا بإعادة التوازنات الدولية وتقهقر مشروع الانفراد الأمريكي وعلى الأقل بمنطقة الشرق الأوسط". واستطرد "أن الدور الذي لعبته الصين انعكس بشكل إيجابي على استقرار المنطقة وإنهاء التوترات وتهيئة المنطقة لإطلاق مشروع التنمية وإعادة الأعمار بالتعاون مع الشريك الصيني وتحويل المنافسة لمنافسة اقتصادية وليست عسكرية ولأول مرة تشهد المنطقة بوادر استقرار تلوح بالأفق والأمل يحدو بالشراكة الجديدة مع الصين". واختتم "لن تكون هذه القمة مجرد بيانات وشعارات ولكنها ستتحول لعمل حقيقي بين دولها ويبقى الدور الصيني متميزا بهذه القمة وما ينتج عنها".
مشاركة :