يوم الأربعاء 10 مايو، شارك الرئيسُ الأميركي السابق دونالد ترامب في لقاء تلفزيوني كان محل دعاية مسبقة مكثفة بولاية نيوهامبشر، واستضافته شبكة «سي إن إن» التلفزيونية. اللقاء كان صاخباً وجامحاً وظهر فيه ترامب كمرشح قوي لإدارة البيت الأبيض مرةً أخرى. وبسبب استضافتها لهذا اللقاء، تعرّضت «سي إن إن» لانتقادات شديدة من قبل منافساتها ومن معظم «الديمقراطيين»، بل وحتى من بعض العاملين في القناة نفسها. ويبدو رئيس «سي إن إن» الجديد، كريس ليكت، عاقداً العزمَ على جعل القناة أكثر «حياداً» في تغطيتها للسياسة الأميركية، وعلى جذب المشاهدين الذين كانوا متابعين أوفياءَ لقناة «فوكس نيوز» المملوكة لروبرت مردوخ، والغاضبين منذ أن تمت إقالة نجمهم اليميني تاكر كارلسون بشكل مفاجئ لعدد من الأسباب، ليس أقلها إغضابه لمردوخ، الذي ما يزال، وهو في سن الثانية والتسعين، الآمرَ الناهي في القناة. ومن أجل إقناع ترامب بالمشاركة في لقاء تنظمه القناة التي كانت تهاجمه بشكل ممنهج على مدى سنوات، وافقت «سي إن إن» على عدد من الشروط، وهو ما تبيّن لاحقاً أنه كان خطأً كبيراً. ذلك أن الجمهورَ الذي حضر اللقاءَ اختير مِن قبل مديري حملة ترامب الذين حرصوا على أن يكون معظم الحضور مؤلفاً من أشد أنصار ترامب ولاءً. كما أن صيغة الحوار صبّت في صالح ترامب وأبرزت نقاطَ قوته كونه شخصية معتادة على الظهور أمام الكاميرا. ومنذ اللحظة التي مشى فيها على المنصة وجلس بالقرب من مقدمة البرامج بالقناة، كايتلين كولينز، هيمن ترامب على الحوار. والحق أنه مما يحسب لكولينز كونها حاولت مراراً وتكراراً انتزاع إجابة منه على السؤال البسيط المتمثل في ما إن كان جو بايدن قاد فاز في انتخابات 2020، وما إن كان ترامب قد تقبل الواقع أخيراً. فكان في كل مرة يسخر من سؤالها، مشدداً على أن الانتخابات زُورت، وبالتالي فإن بايدن ليس خَلفاً شرعياً. وعلى الرغم من أن سعي كولينز إلى الإشارة إلى أن أعضاءَ رفيعين في إدارته مثل وزير العدل ويليام بار ونائب الرئيس مايك بانس يوافقون جميعاً على أن الانتخابات لم تزوَّر، فإن ترامب ظل متمسكاً بادعائه بتعرض الانتخابات للتزوير. وهو ما استُقبل بالهتافات وعبارات التشجيع من قبل أنصاره. وواصل ترامب وراح يطلق ادعاءاتٍ جامحةً أخرى، ومن ذلك قوله إنه سينهي حرب أوكرانيا في ظرف 24 ساعةً، وسواه من التصريحات غير الواقعية. تداعيات هذا اللقاء التلفزيوني كانت سلبية بشكل كبير جداً، ما عدا بالنسبة لأنصار ترامب الأكثر تأييداً له. وفي هذا الإطار، وصف أحدُ العاملين في قناة «سي إن إن» اللقاءَ بـ«تشرينوبل سي إن إن»، أي أنه كارثة من صنع يديها وقد تسببت فيها بنفسها. وفي غضون بضعة أيام، اعترف ليكت بأنه لئن كان لا يقدّم أي اعتذار عن الموافقة على إجراء هذا اللقاء، فإنه كان يحبذ انتهاج «طرق إنتاج مختلفة» من أجل ضمان برنامج أكثر توازناً. والحقيقة أن اللقاء تم في وقت مبكر جداً من الموسم الانتخابي الحالي، وهو ما يمثِّل نعمةً بالنسبة للديمقراطيين ومنافسي ترامب الجمهوريين المحتملين. غير أنه من المستبعد أن توافق أي شبكة تلفزيونية كبيرة أخرى على صيغة اللقاء التلفزيوني التي استُخدمت في نيوهامبشر. وسيتم توفير دعمٍ أفضل لمقدِّمي اللقاءات المقبلة من أجل تحدي المرشحين مثل ترامب الذين يتجاهلون الحقيقةَ بكل بساطة ويلحّون على تكرار كلامهم. وفي الأثناء، ما زالت حملة إعادة انتخاب بايدن تأمل أن يتم اختيار ترامب مرشحاً للانتخابات الرئاسية باسم الحزب الجمهوري لأنهم يعتقدون أن سلوكه على منصة اللقاء غير مستساغ من قبل كثير من المستقلين والجمهوريين المعتدلين الذين ضاقوا ذرعاً بتركيزه على «الانتخابات المسروقة»، ورفضه إبداء أي قدر من الكياسة حينما يواجه منافسيه، وتباهيه وتفاخره اللامتناهي بما فعله كرئيس وبما سيفعله للبلاد في حال أُعيد انتخابه. والواقع أن الديمقراطيين سيكونون أكثر قلقاً في حال اختار الجمهوريون مرشحاً صارماً ومركزاً وعملياً في تقديم وتوضيح رؤية جديدة لأميركا. ولا شك في أن مثل هؤلاء المرشحين موجودون ومتوفرون، لكن تحديهم سيكون هو التغلب على ترامب في الانتخابات التمهيدية التي ستنطلق بشكل قوي في وقت لاحق من هذا العام. *نقلاً عن "الاتحاد"
مشاركة :