منذ بداية الثورة الصناعية، كان هناك شعور بالخوف والتهديد، بأن الآلات الميكانيكية سوف تقضي على الوظائف، والآن أصبح القلق متزايداً بشأن قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على إحداث فوضى في أسواق العمل العالمية بسبب قدراته في سرد القصص وكتابة النصوص، وتقديم إجابات أشبه بالبشر، ولكن لحسن الحظ، ليست كل الأخبار سيئة. حيث أكد عدد من رؤساء الجامعات وأكاديميين لـ«البيان» أنه لا تزال هناك أعمال لا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بها، فالمهام التي تنطوي على صفات بشرية مميزة، مثل الذكاء العاطفي والتفكير خارج الصندوق لن يتم المساس بها، لذلك فإن انتقال الأفراد إلى وظائف تعتمد على تلك المهارات سيساعد في تقليل استخدام الروبوتات بدلاً من البشر، بالإضافة إلى أنه في المقابل ستظهر وظائف أخرى جديدة. وقالوا إن هناك 20 مهنة لا يمكن الذكاء الاصطناعي أن يعوض الإنسان، حيث يمكن أن يكون عاملاً مساعداً فقط، ما يجعل الممتهنين لها أقل توتراً، وهي: القاضي، والمحامي، والطبيب، ومدير الموارد البشرية، والرؤساء التنفيذيون، والأدوار القيادية والاستراتيجية، والتمريض، والرعاية الصحية، والمصمم، والمهندس، والمهن الحرفية الماهرة مثل: السباكة وأعمال الصيانة الكهربائية، والنجارة، وبعض الأعمال المنزلية، والمهن الإبداعية، العمل الاجتماعي، والاستشارات الاجتماعية والنفسية، والبحث والاستكشاف العلمي، المهن الديناميكية التوقعية، بالإضافة إلى تلك المتعلقة بالذكاء العميق، وكل عمل معقد فكرياً وعقلياً وغيرها من المهن والوظائف. مرحلة نضوج ويقول الدكتور عيسى البستكي رئيس جامعة دبي إن الثورة الصناعية الرابعة وصلت إلى مرحلة النضوج عندما تطورت عناصرها الفعالة. وكذلك عمودها الفقري من البنية التحتية في تقنية المعلومات والاتصالات، وتمثل هذه العناصر على سبيل المثال: إنترنت الأشياء، والبلوك تشين، والسحابة الحاسوبية، والروبوتات والطائرات بدون طيار، والبيانات الضخمة، والواقع الافتراضي، والواقع المعزز، والميتافيرس، والتكنولوجيا النانوية، والحيوية، والـ IPv6، واتصالات الجيل الخامس، والأمن السيبراني، والطباعة ثلاثية الأبعاد. ويضيف: كل هذه العناصر تثبت أن الذكاء الاصطناعي، القلب النابض للثورة الصناعية الرابعة، ما يعني أن تطبيقه أصبح واسع النطاق ويطال كل مناحي الحياة ومجالات العمل، لذا بات من الضروري فهم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته. ويوضح الدكتور البستكي أن الذكاء الاصطناعي هو قدرة وحدة العمل على أداء العمليات التي ترتبط بصفة عامة بالذكاء البشري مثل التعلم والاستنتاج، وهنا ذكرنا الارتباط ولم نذكر المعادلة والمساواة، فالذكاء الاصطناعي يساعد البشر على حل المسائل وتقديم الخدمات بدقة وبسرعة فائقة. ولكنه لن يحل محل البشر في كل القطاعات والمجالات. ويبين أن هناك مهناً ووظائف سيكون للذكاء الاصطناعي دور مركزي فيها منها ما يتعلق بالأعمال الروتينية، بالإضافة إلى الصناعات المختلفة التي تحتاج إلى تفكير منطقي ومتسلسل. ويشير إلى أن الوظائف التي يكون للذكاء الاصطناعي دور محدود هي تلك المتعلقة بالذكاء العميق، وكل عمل معقد فكرياً وعقلياً، لافتاً إلى أن التفكير البشري لا حدود له سواء في السعة أو العشوائية المقننة ما يجعله يتفوق على الآلة والذكاء الاصطناعي مهما وصل من تطور. 3 أقسام ويرى الدكتور يوسف العساف رئيس جامعة روشستر للتكنولوجيا أن الذكاء الاصطناعي يحل تدريجياً محل الكثير من المهن والوظائف، لا سيما الأعمال الروتينية المعتمدة على البيانات الضخمة وتحليلها، وأضاف أن بعض الوظائف المرتبطة باتخاذ القرارات أو التفكير يمكن أن يحل محلها الروبوت مستقبلاً. ويوضح أن الوظائف التي لن يتمكن الذكاء الاصطناعي من منافسة البشر فيها تنقسم إلى 3 أقسام هي: الأعمال التي تحتاج إلى إبداع وابتكار، وتلك التي تحتاج إلى البعد الإنساني والتي سيكون أي محاولات لاستبدالها بالروبوت فاشلة لغياب التفاعل البشري، بالإضافة إلى الأعمال التي تحتاج إلى حركة ديناميكية متغيرة وبراعة ذهنية وحركية وتناغم بين حركة اليد والعين والتفكير. دور داعم ويؤكد الدكتور شريف موسى عميد كلية الهندسة بالجامعة الكندية في دبي، أن مجموعة الوظائف والمهن المرتبطة بالإنسان ارتباطاً كلياً لا يمكن أن يحل محلها الذكاء الاصطناعي منها: القاضي والمحامي والطبيب ومدير الموارد البشرية، والرؤساء التنفيذيون، والسياسيون وغيرها. ويشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دوراً داعماً داخل أروقة المحاكم. إلا أنه لن يتمكن من استجوابنا، موضحاً أن هناك حاجة إلى العنصر البشري لوضع الحجج، وإقامة العلاقات الاجتماعية في مرحلة التفاوض، وإيجاد الفروق الدقيقة في البيانات، بدلاً من الاعتماد على البيانات والخوارزميات بشكل مباشر. ويضيف أن الأتمتة والذكاء الاصطناعي يمكنهما العمل بشكل مستقل جنباً إلى جنب البشر في المجال الطبي. حيث يمكن تقديم العلاجات للمرضى ومع ذلك يظل العنصر البشري الأساس في التشخيص والعلاج. ويتابع قائلاً: إن الذكاء الاصطناعي يمكنه المساعدة في اختيار المرشحين للوظيفة بمطابقة مهارتهم وخبراتهم مع متطلبات وظيفة معينة. ولكن في بعض الحالات قد يبدو طالب الوظيفة مناسباً «على الورق فقط» إلا أن فعلياً غير مناسب، لذلك يجب أن يتمتع مديرو الموارد البشرية بمهارات جيدة في التعامل مع الآخرين ومهارات التفكير لفهم زملائهم البشر بشكل أفضل. والتفكير خارج الصندوق، وهي مهارات لا يمكن برمجتها في الروبوتات. وأردف الدكتور موسى قائلاً: إن البشر سيكونون دائماً مرتاحين للاستثمار في الشركات التي يديرها الإنسان وليس الروبوت، ويكاد يكون من المستحيل أتمتة القيادة، نظراً لأن القيادة ذاتية، ومن الصعب تعليمها للآلات. مجالات عديدة من ناحيته، يقول الدكتور سعيد الظاهري، مدير مركز الدراسات المستقبلية في جامعة دبي، ورئيس جمعية الروبوتات والأتمتة في الإمارات: في ظل التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي وصناعة الروبوتات، ودخولها قطاعات ومجالات عديدة أصبحت الآلة اليوم تقوم بأعمال كثيرة على غرار التأليف وكتابة القصص والروايات وتوليد الأفكار والرسم والفنون وتأليف الموسيقى والأفلام والحوار مع الإنسان. ويستطرد قائلاً: هذه الأتمتة باتت تهدد الكثير من الوظائف التي يقوم بها الإنسان اليوم. وأضحت أحد التحديات التي تواجه الحكومات ويتطلب التعامل معها بحكمه والتدخل لوضع السياسات والتشريعات لضمان عدم رفع معدلات البطالة وضمان توظيف الذكاء الاصطناعي والروبوتات لتعزيز قدرات الإنسان وتحسين الكفاءة والإنتاجية وليس استبداله بالذكاء الاصطناعي آو الآلة. ويذكر الدكتور الظاهري مثالاً للمهن التي لن يتمكن الذكاء الاصطناعي من منافسة البشر فيها وهي: مهنة التمريض، والمهن الحرفية مثل السباكة وأعمال الصيانة الكهربائية، والنجارة، وبعض الأعمال المنزلية، والمهن الاحترافية الأخرى مثل المهندسين والمصممين والمحامين وغيرها من المهن التي بحاجه للتخيل والإبداع والمشاعر الإنسانية، ووجود العقل البشري لتأديتها. ويشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم بشكل كبير في تحسين وتأدية بعض المهام في هذه المهن بصورة أفضل من الإنسان ولكن لن يكون بديلاً عنه، لأنها تحتاج لذكاء عاطفي ومشاعر إنسانية، إلا أن أصحاب هذه المهن يتعين عليهم معرفة كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتأدية مهامهم بشكل أفضل وأدق وأسرع لتحسين كفاءتهم وزيادة إنتاجيتهم. ويوضح الدكتور الظاهري بأن هناك وظائف جديدة ظهرت بعد ظهور تشات جي بي تي، مثل مدرب تشات جي بي تي، ومهندس الاستفسار، والتي أصبحت من أعلى الوظائف دخلاً، حيث وصل راتبها في الولايات المتحدة ما يقارب 355 ألف دولار سنوياً، كما أثبتت العديد من الدراسات والتقارير إلى أن عدد الوظائف الجديدة في المستقبل سيفوق الحالية والتي سيستحوذ عليها الذكاء الاصطناعي والروبوتات. أما الدكتور سالم حجاج رئيس قسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة الأمريكية بدبي فيقول إنه خلال السنوات الأخيرة، حققت أنظمة الذكاء الاصطناعي تطورات وطفرات كبيرة في مختلف المجالات، وهي تعتمد على نظام التعلم الآلي، ويتيح لها القدرة على تحسين أدائها باستمرار وتحديث أنظمتها وفقاً للبيانات الجديدة. ويضيف أن الذكاء الاصطناعي يفيد في تحليل البيانات الكبيرة واستخلاص الأنماط والتنبؤات، واستخدامها في مجالات مثل التسويق، والتمويل، والتجارة الإلكترونية، وتحليل السلوكيات الاجتماعية، وتحسين عمليات الأتمتة في الصناعة وتحسين الإنتاجية الصناعية وتوفير منتجات صناعية ذات جودة عالية. ويوضح أن هناك وظائف لن يتم استبدالها بالكامل بالذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب أو البعيد، لاسيما تلك التي تتطلب تفاعلاً بشرياً معقداً أو إبداعاً أو حرفية عالية أو ذكاء عاطفياً أو مهارة بدنية، حيث للإنسان الكثير من المهارات التي قد يكون من المستحيل أو من المستبعد على أنظمة الذكاء الاصطناعي اكتسابها. ويرى الدكتور حجاج أن الذكاء الاصطناعي لن يمكنه أن يحل محل العلماء الذين ساهمت اكتشافاتهم الإبداعية في تأسيس علم الكيمياء وعلم الجبر والمعارف العلمية بشكل عام. ويلخص الدكتور حجاج المهن والوظائف التي من غير المرجح أن يتم استبدالها بالذكاء الاصطناعي في: المهن الإبداعية، والأدوار القيادية، والاستراتيجية، مهن الرعاية الصحية، العمل الاجتماعي والاستشارات الاجتماعية والنفسية، المهن الحرفية الماهرة، البحث والاستكشاف العلمي، المهن الديناميكية التوقعية. موضحاً أن التعاون بين الذكاء الاصطناعي والبشر طريق نحو مستقبل أفضل للبشرية، يخلو إلى حد كبير من المعوقات. قدرات مذهلة بدوره، يقول الدكتور محمد المصلح أستاذ مساعد في كلية الهندسة والعلوم الفيزيائية وعضو لجنة الذكاء الاصطناعي للتعليم والتعلم بجامعة هيريوت وات دبى، أن الذكاء الاصطناعي يواصل التقدم وإظهار قدرات مذهلة في شتى المجالات حيث يمكنه أتمتة المهام المتكررة، مما يمكن البشر من التركيز على المهام الأكثر تعقيداً وإبداعاً. ويضيف: من خلال أتمتة العمليات، يمكن للذكاء الاصطناعي زيادة الكفاءة وتقليل الأخطاء، إلا أن المهارات البشرية لها القدرة الأكبر في بعض المهن التي يمتلك فيها البشر صفات ومهارات فريدة يصعب على الذكاء الاصطناعي مواكبتها، مثل الفنون الإبداعية، والتدريس والتوجيه، تعتمد أساليب التدريس الفعالة على أساليب التعلم الفردية، وتعزيز التفكير النقدي، وإلهام الطلاب وتحفيزهم. ويؤكد أن ريادة الأعمال والمهارات القيادية تتطلب مزيجاً من الإبداع والرؤية والقدرة على التكيف والمخاطرة واتخاذ القرارات الاستراتيجية، تتضمن الأدوار القيادية إدارة الديناميكيات الشخصية المعقدة وإيجاد حلول للمواقف الصعبة، فالقدرة البشرية على الحدس والتعاطف والرؤية طويلة المدى تجعل رواد الأعمال والقادة لا غنى عنهم ولا يمكن استبدالهم بتقنيات الذكاء الاصطناعي. تابعوا أخبار الإمارات من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :