كشفت دراسة استكشافية حديثة، ارتباط الآثار التاريخية في العلا وحضاراتها القديمة بالفضاء، حيث مثل اتساع أرضها وسمائها المرصعة بالنجوم مسرحا متناغما للترابط بين الإنسان عبر مختلف الحضارات وحتى اليوم مع النجوم والفلك. وتتيح المواقع الأثرية في العلا فرصا للتعرف على أهمية علم الفلك في شمال غرب الجزيرة العربية من خلال قصص وحكايات الحضارات القديمة مع الفضاء الرّحب التي يرويها المرشدون، كذلك استخدام الرحالة والقوافل التجارية، النجوم والكواكب لتحديد الاتجاهات والسفر في الصحراء على مر السنين، وأجرى فريق من الخبراء والمتخصصين بمشروع علم الفلك الأثري دراسة ميدانية في واحة العلا، بهدف تجربة طرق جديدة ومناهج مختلفة لتفسير المواقع الأثرية بالمحافظة، ومحاولة معرفة أسباب اختيار الحضارات القديمة لها، وفهم تصور مجتمعاتها عن السماء، وأثر ذلك على ثقافتهم ونظرتهم للعالم. وأوضحت الدكتورة منيرة المشوح مديرة المسوحات الأثرية بالهيئة الملكية للعلا، أن المشروع يمثل نقطة البداية للشراكات العلمية المنهجية لدراسة مدينة الحجر الأثرية، وكذلك دادان من منظور علم الفلك الأثري، مضيفة أنه سيتم تحليل واجهات المقابر، والنقوش التي تشير إلى تواريخ يمكن من خلالها دراسة التقويم القديم، والأنماط الزخرفية للمقابر ودلالات رموزها، ومقارنة ذلك مع المواقع النبطية الأخرى ذات الصلة. وأشار الدكتور خوان بيلمونتي من معهد الفيزياء الفلكية في إسبانيا، إلى وجود علاقة وثيقة بين الأرض والسماء، وفقا للانطباعات الأولى من عينة البيانات المأخوذة من مئة مقبرة نبطية ذات واجهات ضخمة، كما أوضح الدكتور سيزار غونزاليس في معهد علوم التراث الإسباني، أن الواجهات الحجرية في مدينة الحجر، بما في ذلك جبل إثلب، توفر انعكاسا جاذبا للمناظر الطبيعية في أماكن كانت تستخدم للطقوس الدينية والمخصصة للآلهة النبطية الرئيسية وسيجري الباحثون خلال الأشهر المقبلة دراسات تحليلية وإحصائية للبيانات للكشف عن العلاقة القائمة بين الممالك العربية الشمالية القديمة والكون،وتعكس بعض الدراسات التاريخية عن ترابط وثيق بين الأفلاك والنجوم في حضارة الأنباط، وهو ما تجسّد عبر المنحوتات التي تعلو مقابر بناها الأنباط في مواقع تواجدهم وارتبطت بتفاصيل عن الزمن وترابطها مع فترات مختلفة تعزز الترابط المكاني والحاجات البشرية ومن ذلك فترات الزراعة. ويتعزز ارتباط العلا بالفضاء من خلال إعلان الهيئة الملكية للعلا توقيع اتفاقية مطلع مارس الماضي لإطلاق مرصد "منارة العلا" للاكتشافات العلمية والأبحاث المبتكرة، الذي يستهدف أن تكون العلا وجهة عالمية رائدة في علوم الفضاء ومراقبة النجوم التي تلعب دورا كبيرا في تحويل المحافظة إلى أكبر متحف مفتوح في العالم، وكذلك دعم تطوير الاقتصاد المعرفي الذي من شأنه تمكين أهالي المحافظة وجذب الاستثمارات العالمية.
مشاركة :