بيّنتُ في الحلقة الماضية أولي الأرحام وتقسيم أهل التنزيل لهم، أمّا أهل القرابة يُقسِّمونهم أصنافًا، ويُقدِّمون بعضهم على بعض، ويجعلون قُرب الدرجة أول مراتب الترجيح بين أحاد الصنف الواحد، ثم بقوة القرابة، وأن للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا عول عندهم في مسائل ذوي الأرحام. هذا ورغم ورود آيتيْن تؤكدان على أنّ لفظ أولي الأرحام عام يشمل جميع الأقارب (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِين).. (الأحزاب:6)، (وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنفال: 75). ورغم أنّ آيات المواريث (النساء: 11، 12، 176) ليس فيها إشارة أو تخصيص للعصبات الذكورية، وتقديمها على الأقارب من جهة الإناث، هذا الشرط الذي وضعه الفقهاء كأحد شرطي توريثهم، إلّا أنّنا نجد منهم مَن قال بعدم توريث أولي الأرحام، وأنّ الأولى إعطاء مال المتوفى الذي لا وارث له بطريق الفرض التعصيب؛ إلى بيت المال، وهو مذهب الإمام الشافعي ومالك، والظاهرية، واستدلوا بأدلة، هي: 1. أنّ المواريث لا تثبت إلّا بنص قاطع من كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلـم-؛ وحيث لا نص، فلا ثبوت لتوريثهم مع عدم وجود النص وإلاّ كان توريثًا بغير دليل، وإعطاء للمال بغير حق، وهو باطل. 2. ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال لما سئل عن ميراث العمة والخالة: «أخبرني جبريل ألا شيء لهما». 3. أنّ آيات المواريث قد بيّنت نصيب الأقارب الوارثين، ولو كان لذوي الأرحام نصيب في التركة لجاءت النصوص ببيانه. 4. أن دفع المال لبيت مال المسلمين تتحقق منه منافع كثيرة يشترك فيها جميع المسلمين، بخلاف ما إذا أعطيناه لأولي الأرحام، فإن النفع يكون مقصورا عليهم فقط. وهذه مبررات مردودة: أولًا: لوجود آيتيْن في القرآن تؤكدان حقهم في الميراِث (الأنفال:75، والأحزاب:6)، وهما تدحضان الروايات المنسوبة إلى بعض الصحابة القائلة بعدم توريث أولي الأرحام. ثانيًا: استدلالهم بحديث «العمة والخالة لا شيء لهما»، رواه أبوداود والنسائي في المراسيل؛ لذا لم يأخذ به عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-؛ لأنّ المراسيل لا يُعتد بها في الأحكام الفقهية. ثالثًا: قولهم إنّ آيات المواريث قد بيّنت نصيب الأقارب الوارثين، ولو كان لذوي الأرحام نصيب في التركة لجاءت النصوص ببيانه، متجاهلين أنّ تلك الآيات لم تشر إلى العصبات، فلماذا ورّثوهم؟ ومتجاهلين أيضًا آيتي 6 من الأحزاب، و75 من الأنفال. رابعًا: إن كان أولو الأرحام ليسوا من الأقارب، فمن هم الأقارب إذن، ألكونهم فروع الميت الذين يدلون إليه بواسطة الأنثى، فيصبحون ليسوا بأقارب، كأولاد البنات، وأولاد بنات الابن وإن نزلوا ذكورا وإناثا.. وأصول الميت الذين يتصلون به بواسطة الأنثى، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، مثل أب أم الميت، وأب أب الأم. وأم أب الأم.. إلخ؟. للحديث صلة. suhaila_hammad@hotmail.com
مشاركة :