عندما تزور طبيبا نفسيا، هذا لا يعني أنك مجنون، أو لديك انفصاما في الشخصية، بل يعني أنك إنسان تهتم بصحتك النفسية، وحريص على تطوير نفسك، وأنك تعالج عيوبها. الطبيب النفسي ليس للمجانين صدقوني، بل الأصحاء يحتاجون إليه أكثر من أي شخص آخر. كل إنسان يتعرض في حياته للصدمات والأزمات والضغوطات النفسية، ومع تسارع الحياة وتسارع إيقاعها، أصبح الناس أكثر عرضة للإصابة بالمشكلات والأزمات النفسية، هذه المشكلات النفسية ربما تتطور وتتحول إلى أمراض مزمنة تحتاج حينها إلى رحلة علاج طويلة. والحمد لله، أننا نعيش في زمن تقدم فيه الطب النفسي، لدرجة أن الطبيب النفسي ربما يقنعك بالمشي على الجمر دون أن تحترق. لذلك، أعتقد من وجهة نظري، بأننا كما نزور طبيب الأسنان بين الحين والآخر، علينا أن نزور أيضا الطبيب النفسي بشكل دوري. لكن الناس تشعر بحرج داخلي كبير، عندما يزورن العيادة النفسية، وكأن أحدنا دخل إلى مركز شرطة أو عند وكيل نيابة وليس عند طبيب، بسبب الصورة النمطية في المجتمع عن الذين يزورون الأطباء النفسيين، أو الذين يأخذون أدوية نفسية، ولذلك عندما يكون أحدنا متعبا ويعاني ضغوطات ولديه شعور بعدم الاستقرار النفسي يقولون له: "خل الشيخ يقرا عليك". والنعم بكتاب الله نعم "خله يقرا" عليك ويدعو لك، لكن يجب أيضا أن تأخذ بالأسباب، لا تقل هذه ربما حسد وعين، والقراءة تكفي!، فقد تعبنا ومرضنا نفسيا ونحن نقلق من العين في كل صغيرة وكبيرة، وجعلنا من العين هاجسا لا يفارقنا. ربما يكون ما بك يحتاج إلى طبيب نفسي متخصص، حتى لا تتطور مشكلتك وتصبح صعبة العلاج. بين الجسد والحالة النفسية علاقة ترابط، ففي إحدى الدراسات على مرضى قلب حضروا جلسات جماعية للعلاج النفسي على مدى عامين، وجدوا أن مضاعفات مرضهم صارت أقل مقارنة بالمرضى الذين لم يحضروا جلسات، وأيضا اكتشف الأخصائيون أن الناس الذين لديهم خوف وقلق دائم، يصابون بنوبات قلبية وجلطات أكثر من غيرهم. واكتشف أيضا، أن كثيرا من مرضى السرطان لديهم مشكلات نفسية وقهر داخلي، تزيد من نشأة الخلايا السرطانية داخل الجسم، وتبدأ في تدميره من الداخل. وبحسب إحصائية منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من نصف مليار إنسان حول العالم يعانون أمراضا نفسية، منهم 150 مليونا يعانون الاكتئاب، و38 مليونا يعانون مرض انفصام الشخصية، و90 مليونا يعانون تعاطي المخدرات، وأكثر من 8 % من الذين يعانون أمراضا نفسية أدت أمراضهم إلى الوفاة! وينتحر سنويا 8 ملايين إنسان، تراوح أعمارهم بين 15 و44 عاما. نحن في حاجة إلى أن نتنبه إلى أنفسنا عندما نتوتر أو نشعر بالضيق، أو يكون مزاجنا معكرا، إذ إن الرعاية الصحية النفسية مهمة جدا، مثلها مثل الرعاية الفيسيولوجية، بل وربما أكثر. ولأننا غير ملمين كثيرا حول الصحة النفسية، فنحن في حاجة إلى نصيحة طبيب نفسي أو مختص، فكل إنسان في حاجة إلى أحد أن يسمعه، فما بالكم إذا كان هذا الشخص لديه القدرة ليس فقط على الإنصات، بل أيضا على إعطائك حلولا ربما تغير حياتك إلى الأفضل. زيارة الطبيب النفسي لا تعني أنك مجنون، بل تعني أنك تريد حياة أفضل مليئة بالطمأنينة والسعادة.