نجحت المحاولة وحقق البرازيلي فينيسيوس جونيور مهاجم ريال مدريد فوزا بالجولة الأولى في معركته ضد العنصرية، بالعقوبة التي فرضها اتحاد الكرة الإسباني ضد نادي فالنسيا بالغلق الجزئي لمدرجاته لخمس مباريات إلى جانب غرامة قيمتها 45 ألف يورو، وإلغاء البطاقة الحمراء التي حصل عليها الأحد الماضي. وهدد فينيسيوس بمغادرة الملعب خلال الشوط الثاني من مباراة فريقه ريال مدريد ضد فالنسيا على ملعب «ميستايا»، بعدما استهدفته الجماهير بتقليد أصوات القردة، وكان لرد فعله الغاضب أثره في تحريك المياه الراكدة لمواجهة العنصرية وسط دعم دولي. وكان لردود الفعل الشاجبة من مختلف أنحاء العالم أثرها في اتخاذ السلطات الإسبانية قرارات سريعة للحد من موجة السخط الدولي، فتحرك الأمن للقبض على مثيري الشغب في مدرجات ملعب فالنسيا، كما خرج اتحاد الكرة بقراراته الصارمة الأخيرة، بينما فتح مكتب المدعي العام الإسباني أبوابه للتحقيق في المذكرة التي قدمها ريال مدريد دعما للاعبه، والتي وصف فيها الإساءات بأنها تشكل «جريمة كراهية». واستبعدت لجنة التحكيم الإسبانية الحكم إيغناسيو إيغليسياس فيانويفا المسؤول عن تقنية الفيديو «في آيه آر» لنهاية الموسم، لدوره في البطاقة الحمراء التي مُنحت لفينيسيوس في مواجهة فالنسيا لعدم إظهار كافة اللقطات التي أظهرت تعرض اللاعب البرازيلي للضرب والاستفزاز، وهو ما كان دافعا لإلغاء قرار طرد اللاعب وأحقيته في العودة للمشاركة مع فريقه. وما يعد انتصارا لفينيسيوس هو الشعور العام بأن كافة البطولات الأوروبية بدأت تبحث عن سبل لوقف هذا المد الذي سيدمر مسابقات كرة القدم، وبادرت إيطاليا التي تعاني أيضا من مظاهر العنصرية بملاعبها بإصدار تعليمات بعدم التسامح مطلقا مع أي هتافات أو لافتات تحمل أي عبارات مسيئة سواء لأفراد أو أندية. وقال لويغي دي سيرفو الرئيس التنفيذي لرابطة الدوري الإيطالي إن بلاده ستتخذ نهجا يتمثل في «عدم التسامح مطلقا» مع المشجعين العنصريين عبر اللجوء للتكنولوجيا للمساعدة في التعرف عليهم ومنعهم من دخول الملاعب. وقال: «هناك في الاستادات كما في المجتمع نسبة من العنصريين. اليوم مع وجود التكنولوجيا والإذاعات الداخلية في الملاعب نتمكن من سماع هؤلاء ومعاقبتهم. إنها معركة. مثل الورم عليك إزالته بشكل ممنهج حتى لو تكرر». ووسط دعم الاتحاد الدولي (فيفا) ورؤساء دول وحكومات لفينيسيوس، بات النجم البرازيلي رمزا جديدا للصلابة في مواجهة أزمة اعتاد القائمون على كرة القدم رؤيتها والاكتفاء بشجبها دون اتخاذ أي قرارات ناجعة. الجناح البرازيلي الذي فرض نفسه أحد أفضل المهاجمين في العالم، أصبح، رغماً عنه، شخصية أساسية لمكافحة العنصرية في الملاعب. من خلال مراوغاته المتمايلة وسرعته الجسورة، نجح فينيسيوس جوزيه بايشاو دي أوليفيرا جونيور أن يصبح «اللاعب الأكثر نجاعة في العالم»، بحسب مدرّبه الإيطالي كارلو أنشيلوتي، ليكسب قلوب مشجعي ناديه ريال مدريد. لكن تلاعبه السهل بالكرة لا يروق لكثيرين. في كل مباراة، يحاول جمهور الفريق الخصم زعزعة استقراره بشتى الوسائل، وأحياناً يجرؤون على الأسوأ بسبه وإطلاق الإهانات العنصرية. وكانت أحداث ملعب «ميستايا» بمثابة الانفجار الذي سمع دويه في أرجاء العالم، بعدما ارتفعت وتيرة الحالات العنصرية في الملاعب منذ عدة سنوات، دون اتخاذ عقوبات حقيقية بحق الجناة. لقد بزغ نجم فينيسيوس البالغ من العمر 22 عاما باكراً، ليصبح بعمر السادسة عشرة أصغر لاعب يحمل ألوان نادي فلامنغو البرازيلي. وضمّه ريال مدريد في 2018 مقابل 50 مليون دولار، فوصل محاطاً بهالة اللاعبين البرازيليين الباحثين عن المجد في القارة العجوز. بعد ثلاثة مواسم اكتفى فيها بتسجيل 14 هدفاً في 118 ظهوراً، ضرب الجناح السريع والموهوب بقوّة في موسم 2021-2022 مسجّلاً 22 هدفاً، بينها هدف الفوز على ليفربول الإنجليزي الذي منح النادي الملكي لقب دوري أبطال أوروبا للمرة الرابعة عشرة في تاريخه. وفي الموسم الحالي، وصل عدّاد أهدافه إلى الرقم 23. قال زميله الظهير داني كارفاخال في مايو (أيار) الماضي: «عندما وصل، كان يتعرّض لضغوط رهيبة. لكن أن ترتقي إلى أحد أفضل ثلاثة أو أربعة لاعبين في العالم رغم كل تلك الضغوط، فهذا أمر نادر». لقد صَمَّ البرازيلي الشاب أذنيه رغم انتقادات جمهور فريقه أو حتى زميله المهاجم الفرنسي كريم بنزيمة، واستمرّ في العمل بصمت. خلال مرحلة صعوده، تحوّل مسار الانتقادات إلى جماهير خصومه. وتضاعفت لتصل إلى حد الإهانات. قدّمت رابطة الدوري هذا الموسم ثماني شكاوى في أحداث عنصرية تجاه البرازيلي، لم تؤد أي منها إلى عقوبات جزائية. ورفع فينيسيوس الصوت في عدّة مناسبات، مندّداً بتقاعس الجهات المختصة، ما وضعه في مواجهة شرسة مع مسؤولي الكرة الإسبانية، وخصوصاً الرئيس الجدلي لرابطة الدوري خافيير تيباس. ودافع عنه مدربه أنشيلوتي قائلا: «أسمع أحياناً أن فينيسيوس مستفز، وعن سلوكه... كلا. فلتكن الأمور واضحة: فينيسيوس هو الضحية وليس مذنباً». من مقولة «لن ألعب أبداً» التي أطلقها الكاميروني صامويل إيتو في 2006 ووصولاً إلى الموزة التي قضمها البرازيلي داني ألفيش بعد رميها عليه في 2014، تعاني إسبانيا من بلاء العنصرية في ملاعبها دون اتخاذ تدابير حاسمة، لكن اليوم، قد يلعب ردّ فعل فينيسيوس دور الصاعق في تفجير قضية عنصرية أثارت ردود فعل شاجبة في مختلف أنحاء العالم.
مشاركة :