إن قراءة متمعنة لاستراتيجية التمكين هذه توحي للقارئ بأن يضع المجلس الأعلى للمرأة أمام أربعة فضاءات دائرية متداخلة ومتكاملة في آن: الفضاء الأول، وهو الفضاء الذاتي الداخلي للمجلس. ربما يبدو للوهلة الأولى أن مساحته هي الأضيق، مقارنة بالفضاءات الأخرى، إلا أنه في حقيقة الأمر الأكثر قربا من دوائر صنع القرار داخل المجلس، وبالتالي فهو الأسرع في تلقي تلك القرارات، ومن ثم ضمان تنفيذها على النحو الأفضل وفي الوقت الأقصر. يغطي هذا الفضاء كل الأنشطة والفعاليات، من توعية، وتدريب، وتأهيل ومشاركة، مع الجهات ذات العلاقة من أفراد ومؤسسات، التي وضعها البرنامج على عاتق المجلس الأعلى للمرأة. في هذا الفضاء يمتلك المجلس تجربة غنية راكمها عبر برامج موازية كثيرة، وضعها ونفذها على امتداد فترة تتجاوز العقد من الزمان، يمكن أن نذكر البعض منها على سبيل المثال وليس الحصر، تلك العلاقات المباشرة التي نسجها المجلس بشكل مباشر، وعلى أعلى المستويات مع المرأة البحرينية، والمقصود بها تلك الزيارات التي قامت بها صاحبة السمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة للحسينيات في بداية تأسيس المجلس، وكانت من باكورة أنشطته على طريق تمكين المرأة سياسيا واجتماعيا. يشكل ذلك الاحتكاك المباشر مع المرأة البحرينية، وفي نطاق مؤسسة لها نفوذ عميق في قطاع نسائي واسع تشكل الطبقة الوسطى نسبة عالية منه، تجربة رائدة حملت في أحشائها جنين مشروع طموح، تتطلب الظروف الراهنة العودة لها، وقراءتها من زاوية جديدة، لا تغفل ما راكمته التجربة السابقة، لكنها لا تتقيد حرفيا بها. في الفضاء الذاتي بعينه، هناك البرامج التي وضعها المجلس ونفذها مع مجموعة مختارة من المترشحات للمجلس النيابي والمجالس البلدية، سوية مع تلك الأسماء التي رشحها لمجلس الشورى، ولقي البعض منها حظا من النجاح، ولم يحالف البعض الآخر منها الفوز الذي كان يتوخاه. هذه الخطوة تشكل تجربة غنية من الخطأ الاستهانة بها، أو التقليل من فوائدها، متى ما تمت مراجعتها على نحو موضوعي، بعيدا عن الانفعالات المسبقة، أو التصنيفات المقولبة. ولا بد هنا من التوقف عند محطة في غاية الأهمية، وهي أن القراءة الموضوعية الشاملة المطلوبة هنا، لا تتوقف عند ظهور نتائج صندوق الاقتراع، بل يتسع نطاقها كي يشمل متابعة من انخرطن في التجربة، سواء أولئك الذي حالفهن الحظ، أو من لم يكن لهن نصيب في الفوز. مثل تلك القراءة ستزود المجلس بالدروس المستفادة التي تعزز من إمكانية نجاح برنامج التمكين من خلال ترسيخ مقومات النجاح، وتحاشي عناصر الفشل. الفضاء الثاني هو ذلك الذي جمع المجلس، في نطاق مشاريع تمكين المرأة سياسيا، مع منظمات المجتمع المدني الأخرى، وعلى وجه التحديد النسائية منها، وهي المنخرطة مباشرة في تعزيز دور المرأة السياسي من أجل الوصول معها إلى مساهمة حقيقة نوعية في صنع القرار السياسي في البحرين. والحديث هنا يتناول علاقة بين مؤسستين، ربما تبدو تلك العلاقة في مظهرها الخارجي أنها تنافسية، في حين يؤكد جوهرها على أنها تكاملية. منذ تأسيسه، شرع المجلس في بناء تلك العلاقة، ولم تكن مقتصرة على النشاط السياسي للمرأة فحسب، بل تجاوزت العلاقة ذلك إلى مجالات أرحب، هي الاجتماعية والاقتصادية. تفتح هذه العلاقة، بغض النظر عن الشوائب التي علقت بها خلال التجربة الماضية، أبوابا واسعة أمام المجلس كي يدشن مرحلة جديدة من التنسيق والتعاون تتضافر فيها إمكانات الجميع من أجل تمكين المرأة سياسيا. وفي هذا الاتجاه، لا بد من إزالة كل السلبيات والحساسيات التي رافقت التجربة الماضية، ووضع معادلة جديدة تضمن تكامل جهود الجمعيات النسائية كافة، بما يضمن الوصول إلى أعلى درجات التمكين السياسي للمرأة، كي يتسنى لهذه الأخيرة ممارسة دورها على الوجه الأكمل. الفضاء الثالث، هو منظمات المجتمع المدني التي يندرج تحت مسؤولياتها مؤازرة المرأة، لكن في نطاق دائرة أوسع، وأكثر شمولية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ومركز البحرين للتنمية السياسية. كلتا المؤسستين، وبشكل متفاوت يدخل تعزيز دور المرأة السياسي في صلب الأهداف التي تصبوان لها، ومن ثم في البرامج التي يضعانها. في وسع المجلس الأعلى للمرأة، وكما جاء في برنامج التمكين، أن يبادر إلى طرح مقترحات برامج وفعاليات تصب جميعها في المشروع الاستراتيجي الأكبر وهو تمكين المرأة السياسي. ولو تمعنا قليلا في اسم البرنامج وهو التمكين السياسي للمرأة البحرينية للفترة 2016 2018، واسم معهد البحرين للتنمية السياسية، فسوف نكتشف، ومن مجرد التسميات فقط، ان هناك هوامش واسعة للتعاون والتنسيق بين المؤسستين، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من الجلوس على طاولة واحدة من أجل الخروج بشيء مشترك يحدد مسؤوليات وصلاحيات ومشاركات كل طرف. الفضاء الرابع، وهو الأكثر استراتيجية، ويتمحور حول التهيئة المستقبلية لتمكين المرأة البحرينية سياسيا، والمقصود هنا هو التعليم وفي المراحل المبكرة منه. فتطوير جيل نسائي طموح، ومسيس، ويتمتع بالكفاءات المطلوبة لممارسة أدوار سياسية مؤثرة، والمهارات الكفيلة بدخول حلبة المنافسة بالندية المتفوقة، يقتضي مخاطبة المرأة على كراسي الدراسة في المراحل المبكرة التي تسبق المرحلة الابتدائية. هذا الولوج لا يحصر نفسه في مدارس الدولة فحسب، بل يتجاوزها كي يصل إلى المدارس الخاصة، ولا يبدأ في المراحل المبكرة وحدها، بل يسير بشكل متواز مع برامج تخاطب الفتاة البحرينية فوق مقاعد الصفوف الجامعية. هذا الفضاء يتطلب نظرة استراتيجية، تعتمد على نفس طويل، ومثابرة دؤوبة، لا يتأثران بالمطبات التي ربما تعترض طريقهما. وفي نهاية المطاف، ينبغي الاعتراف بأن المجلس، بهذا البرنامج، سوية مع برامج أخرى يملكها بين يديه، قد وضع أقدامه على الطريق الصحيح، وليس هناك من مجال آخر سوى أن يخطو خطواته الأولى، تملأه الثقة بالنفس، وأكثر من ذلك الثقة بالمرأة البحرينية، ورغبتها في العطاء، وقدرتها على الإنجاز.
مشاركة :