حذر حسين شكري، رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب لـ«بنك الاستثمار الإقليمي»، (إتش سي)، من هروب الأموال والاستثمارات من الأسواق العربية نتيجة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، رغم ما تتميز به المنطقة من جاذبية استثمارية في معظم القطاعات في دول الخليج، الذي قد ينتج عنه نقص في السيولة المالية. وقال شكري في مقابلة لـ«الشرق الأوسط»، بمكتبه بالقاهرة: «الأموال تغادر المنطقة العربية بسبب عدم الاستقرار والاضطرابات الحالية، خاصة الشركات العائلية والخاصة، وتذهب إلى أوروبا، صديق المستثمرين المرن، خاصة لإنجلترا وسويسرا». وأشار إلى أن السياسات التي تنتهجها دول الخليج حاليًا، من إصلاحات اقتصادية ومالية، تأتي على الطريق الصحيح؛ وقد تكون بادرة الانطلاق نحو العالمية خلال الفترة المقبلة، بعد تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط مصدرا وحيدا للإيرادات، في إشارة إلى السعودية؛ ولكن تبقى مشكلة هروب الأموال عائقا أمام معدلات النمو. وكانت الحكومة السعودية قد أعلنت دراستها طرح أسهم في شركة «أرامكو السعودية»، أكبر شركة نفط في العالم، في اكتتاب عام أولي، وهو ما قد يعني أن أصولاً بنحو 3.62 تريليون دولار ستكون في متناول المواطنين والمستثمرين. وعلق شكري الذي عمل في بنك الاستثمار العالمي «مورغان ستانلي»، قبل إنشاء «إتش سي»، على الطرح المزمع من «أرامكو» في الأسواق، بأن ترقب المستثمرين حول العالم لطرح أسهم من شركة «أرامكو» للنفط، يوضح الاستثمار الجيد الذي انتهجته الحكومات السعودية على مدار السنوات الماضية في إدارة هذه الأصول، والذي حقق بالكاد مبالغ طائلة، تم استثمارها في صندوق سيادي يبلغ حجمه حاليًا أكثر من 600 مليار دولار. و«إتش سي» من بين أهم البنوك الاستثمارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتأسس منذ عام 1996. وأشار رئيس مجلس الإدارة إلى أن السعودية لديها «موارد وأصول متناقصة (في إشارة إلى النفط)، وإنفاق ثابت تجب تلبيته، الأمر الذي يدعم خطتها في الموازنة الجديدة كمحاولة لتغطية الفجوة التمويلية». وأثنى شكري على دور البنوك المركزية العربية، التي قال إنها «تدير السياسة النقدية العربية بكفاءة، من خلال الحفاظ على معدلات تضخم آمنة؛ إذ لا يوجد انفلات للتضخم في دول الخليج، فضلاً عن سلامة الجهاز المصرفي، والسياسة الائتمانية منضبطة.. وهناك رقابة جيدة». وتدرس «إتش سي» حاليًا 6 صفقات إقليمية تقدر قيمتها بما بين 5 و6 مليارات جنيه (نحو 767 مليون دولار) في شركات بقطاعات طبية، وأغذية، ومشروبات، وسلع استهلاكية، وتضم هذه الشركات جنسيات عربية (سعودية وإماراتية وكويتية). ورفض شكري الإفصاح عن أسماء الشركات، لكنه أوضح أن شركات خليجية تدرس الاستحواذ على عدة شركات مصرية، على أن يتم الانتهاء منها مع نهاية العام الحالي. وأشار شكري إلى الفرص الاستثمارية الحالية في المنطقة العربية، بقوله: «الانتقال من حالة اقتصادية لأخرى يخلق فرصا ينتهزها من لديه الرؤية والسيولة اللازمة لاقتناصها؛ وعادة الأزمات تولد فرصا استثمارية وتجذب استثمارات أجنبية لأنها رخيصة». وعن وضع الاقتصاد حول العالم، أكد شكري أن جميع المؤشرات الحالية تشير إلى اقتراب الاقتصاد العالمي من مرحلة الركود، قائلاً: «الاحتمال الأكبر أن ندخل في ركود.. لأن هناك بوادر كثيرة من الركود أصابت عددا من الدول الناشئة التي يعتمد اقتصادها على الصين، خاصة في قطاع التجارة.. مثل دول في جنوب شرقي آسيا والبرازيل وأستراليا وكندا.. وحتى بعض الشركات الألمانية تأثرت»، مشيرًا إلى معدلات النمو في منطقة اليورو، التي تفيد بأن «اقتصاد منطقة اليورو كان يحتضر، والآن أصبح يتنفس، وهذا ليس معناه الانتعاش أو العودة إلى المعدلات الطبيعية». * اقتصاد على جهاز «تنفس صناعي» أما الاقتصاد الأميركي، فرأى شكري أنه أكثر الاقتصادات تعافيًا وأفضلها حتى الآن، من حيث معدلات البطالة، التي ساهمت في رفع أسعار الفائدة، «إلا أن توفير الوظائف جاء لذوي الدخل المتوسط، وبالتالي فإن الشركات تحقق أرباحا ولا تحقق نموا.. مما يشير إلى أن الوضع الاقتصادي تحت السطح ليس قويًا»، مؤكدًا أن «الاقتصاد الأميركي ليس ممكنًا أن يجر الاقتصاد العالمي وحده، ولو حدث، فسيغرق الاقتصاد الأميركي والعالمي معًا، مثلما حدث في الأزمة المالية العالمية». وعن تأثير قرار البنك المركزي الأميركي في رفع أسعار الفائدة، قال إن «تحرك البنك المركزي الأميركي نحو رفع الفائدة، كان حتميًا بعد وجود مؤشرات اقتصادية متغيرة للأفضل» مضيفًا: «كان يجب تخليه عن سياسة التحفيز الكمي وبدء سياسة نقدية جديدة، حتى إذا ما وقع الاقتصاد العالمي، وبالتالي الأميركي، تحت ضغط يستطيع وقتها أن يخفض الفائدة من جديد.. لأنه اقتصاد على جهاز تنفس صناعي». وأردف أن البنك المركزي الأميركي لا يحتاج لرفع الفائدة في الأجل القصير، لأن الاقتصاد العالمي في حالة هشة لا يحتمل معها ارتفاعات أخرى، فضلاً عن عدم وجود ضغوط تضخمية على صانع القرار الأميركي حتى يرفع الفائدة مرة أخرى. وتشير بيانات السوق إلى أن صناديق الأسهم شهدت أطول سلسلة تخارج للأموال منذ 2009، في حين اجتذبت صناديق الذهب ثاني أكبر تدفقات في ست سنوات مع استمرار موجة الاضطرابات في الأسواق العالمية. وأشار «بنك أوف أميركا ميريل لينش» يوم الجمعة، إلى ازدياد التشاؤم بين المستثمرين، فضلاً عن ارتفاع الطلب على الأصول الاستثمارية الآمنة. وسحب المستثمرون 8.6 مليار دولار من صناديق الأسهم حول العالم في الأسبوع المنتهي في 10 فبراير (شباط) الحالي؛ وهذا هو سادس تخارج أسبوعي على التوالي، وهو شيء لم يحدث منذ 2009، مما رفع إجمالي حجم الأموال التي غادرت صناديق الأسهم على مدى الأسابيع الستة الماضية إلى 41 مليار دولار. وقال شكري إن الصين تحاول حاليًا إعادة هيكلة اقتصادها من جديد من خلال التوازن بين الاستهلاك المحلي والتصدير، مشيرًا إلى الخطوة التي اتخذها البنك المركزي الصيني بضخ سيولة في السوق، التي قال إنها «محاولة لتقليل آثار إعادة الهيكلة والتباطؤ الاقتصادي الحالي عن طريق الإنفاق الحكومي». وتوقع أن «تأخذ إعادة هيكلة الاقتصاد في الصين، حتى تنتهي مرحلة التباطؤ التي تأخذنا نحو الركود، من 3 إلى 4 سنوات، على أن يتشكل لدينا شكل جديد للاقتصاد العالمي، سيكون أكثر توازنا ما بين الاستهلاك المحلي والتصدير للخارج». اتجاه عرضي لأسعار النفط وتوقع الرئيس التنفيذي لـ«بنك الاستثمار العربي»، (إتش سي)، اتجاها عرضيا لأسعار النفط على المدى القصير والمتوسط، نظرًا لعدم وجود مؤشرات تدفع الأسعار للارتفاع، موضحًا أن المعروض يزيد على الطلب بنحو 2.5 مليون برميل يوميًا، وفي التباطؤ الاقتصادي العالمي قد ترتفع هذه الكمية، الأمر الذي يستلزم تخفيض الإنتاج من عدة دول حتى يتوازن العرض والطلب. وقال إنه «في ضوء اقتصاد طبيعي، من الممكن أن ترتفع أسعار النفط، ولكن حاليًا لن ترتفع»، موضحًا أن الجميع يتحدث عن تخفيض الإنتاج ولا يتحدث أحد عن ارتفاع الطلب، مما يوضح حالة الاقتصاد العالمي المنهك. * نصائح للمستثمرين ونصح شكري المستثمرين، بالاستثمار في سندات العائد الثابت التي لها أجل قصير لا يتعدى 5 سنوات، لأنها أقل تقلبًا من سوق الأسهم وذات عائد ودخل مضمونين.. «هذا ما يحتاج إليه أي مستثمر في حالات التذبذب، و5 سنوات حتى لا تتأثر بتقلبات أسعار الفائدة»، موضحًا أن المستثمر حاليًا يفكر في عودة أصل المال المستثمر وليس العائد من استثمار رأس المال. واجتذبت صناديق السندات الحكومية وأذون الخزانة تدفقات قوية حول العالم، في الأسبوع المنتهي في 10 فبراير الحالي، بلغت 7.2 مليار دولار في سادس أسبوع على التوالي من التدفقات، وضخ المستثمرون 3.24 مليار دولار في صناديق سوق المال، خصوصًا صناديق العملات. ويرى شكري أن هناك مليارات الدولارات غير مستثمرة حاليًا من خلال وضعها في البنوك حول العالم. واجتذبت صناديق الذهب تدفقات صافية بلغت 6.1 مليار دولار، وهي ثاني أكبر تدفقات أسبوعية في ستة أعوام مع صعود أسعار المعدن النفيس إلى أعلى مستوياتها في عام فوق 1260 دولارا للأوقية. * أزمة في مصر وعن تحديات الاقتصاد المصري، قال شكري إنه يواجه تحدي نقص العملة الصعبة، نتيجة تراجع إيرادات السياحة، فضلاً عن مناخ الاستثمار المتأثر بالوضع الأمني في المنطقة، وهو مما أدى إلى تراجع في الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة. وأوضح أن «أي ظرف استثنائي يجب أن يكون معه قرار استثنائي ولكن مدروس.. بحيث لا يمس عصب الاقتصاد المصري»، مشيرًا إلى القرارات الحكومية الأخيرة بشأن ضوابط الاستيراد. وشدد شكري على أهمية استقرار سعر صرف العملة بحيث يكون عادلا، قائلاً: «معيار عدالة السعر هو قدرته على جذب الاستثمارات والتدفقات المالية»، موضحًا أن المستثمر الأجنبي يبحث عن بلد مستقر وعملة مستقرة، مع وضوح في القوانين، ونمو مقبول في حجم الناتج القومي الذي ينعكس بالتبعية على أرباح ونمو الشركات.
مشاركة :