الصدامات التي شهدتها مدينة باخموت على مدار الشهور القليلة الماضية، عُدَت من بين أكثر المواجهات دموية، منذ نشوب الأزمة الأوكرانية، التي تتزايد المؤشرات على أن لا حلَ عسكرياً لها، وأن البديل لإيجاد تسوية لها عبر التفاوض، قد يتمثل في تحولها إما إلى «صراع مجمد» أو «حرب استنزاف مطولة»، سيكون لهما تبعات إقليمية ودولية، يُخشى جانبها. فاندلاع مثل هذه المعارك، التي قد لا تكون بلا نهاية واضحة في الأفق، حسبما يقول مسؤولون ومحللون غربيون، قد يكون أكثر إيلاماً لطرفيْ المواجهة، من أي تسوية تفاوضية، مهما كانت التنازلات التي سيضطر كل منهما لتقديمها، من أجل التوافق عليها. كما أن بلوغ الأزمة هذه المرحلة، لن يكون في صالح القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وفي تصريحات نشرها موقع «إنتليجنسر» الإلكتروني التابع لمجلة «نيويورك تايمز» الأميركية واسعة الانتشار، حذر الخبراء من أنه سيكون لتحول الأزمة الأوكرانية إلى «حرب استنزاف» على هذه الشاكلة، تكاليف اقتصادية وإنسانية واستراتيجية كذلك، تتعلق بموازين القوى على الساحة الدولية. فإمدادات واشنطن لحكومة كييف من الصواريخ المضادة للطائرات والذخائر دقيقة التوجيه بكميات هائلة، أدت إلى التأثير سلباً بالفعل، على ما تورده الولايات المتحدة لحلفائها في أنحاء مختلفة من العالم، من هذه المعدات. كما أن هذا التدفق المستمر من المساعدات العسكرية الغربية، على السلطات الأوكرانية، يشكل ضغطا متزايدا، على مصانع الأسلحة الكبرى في الغرب. وأشار الخبراء والمحللون، إلى أن سيناريو «حرب الاستنزاف»، يثير مخاوف إدارة جو بايدن، التي لا تأمل كثيراً في الوقت نفسه، في إمكانية طي صفحة الأزمة سلميا في أي وقت قريب، وهو ما يجعل كبار مسؤولي البيت الأبيض، يفكرون في نهاية ثالثة مختلفة، تقوم على تحويل الصدام الراهن إلى «نزاع مُجمد»، يتفق طرفاه على وقفٍ لإطلاق النار، دون أن يتوصلا بالضرورة، إلى معاهدة سلام. ويشبه هذا الوضع، نظيره القائم في شبه الجزيرة الكورية، منذ انتهاء الحرب هناك في عام 1953، عبر اتفاق هدنة، لم يحل دون استمرار حالة الحرب نظريا ورسميا، بين سول وبيونج يانج، دون أن يقود ذلك إلى نشوب قتال فعلي بينهما. ويعتبر الخبراء أن هذا السيناريو الثالث، على الرغم من التحديات التي تكتنف تجسيده على أرض الواقع، قد يبدو قريب المنال، مقارنة بإيجاد تسوية تفاوضية للأزمة الأوكرانية، كما أنه سيكون بالقطع أقل ضرراً من استمرارها، في صورة «حرب استنزاف طويلة الأمد». ومن بين أنصار ذلك السيناريو، مسؤولون سابقون في إدارة بايدن، سبق أن قالوا لوسائل إعلام أميركية، إن انتهاء الأزمة «على الطريقة الكورية»، لن يجعل أياً من جانبيْها بحاجة إلى الاعتراف بأي حدود جديدة، بل سيتعين عليهما فقط، وقف إطلاق النار على طول خطوط المواجهة، مشددين على أن الولايات المتحدة ترى أنه «من الأرخص بالنسبة لها تسليح دولة لا تستهلك أسلحة كل يوم»، كما يحدث الآن من جانب حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
مشاركة :