في مقالة عنوانها «آخر الخطط الحربية السورية على المسلسلات التركية» («الحيــاة» 26/11/2015) يشير الكاتب التركي أرشد هورموزلو إلى سؤال صحافي عربي له عن «مغزى غزو هذه المسلسلات القنوات العربية؟ وهل تمولها الدولة لتشجيع الاهتمام سياحياً وثقافياً بالجمهورية التركية؟». الكاتب ينفي ذلك كون هذه المسلسلات لا تعكس برأيه فعلاً طبيعة المجتمع التركي المحافظ ولا بالضرورة الحقيقة التركية وأنها مجرد تسويق تجاري شأنها شأن الأفلام الأميركية «عمل تجاري بحت لا يفكر القائمون عليه بالأضرار التي تلحق بالصورة التركية بسببها». شأنها شأن الأفلام الأميركية نعم، إنما عمل تجاري بحت؟ صحيح أن الإنتاج السينمائي والتلفزيوني يعتبر لدى فئات معينة صناعة قبل كل شيء وتجارة، لكن هل يمكن قصر «فائدته» على الناحية الاقتصادية؟ في حوار مع الناصر خمير المخرج والكاتب التونسي، أثار أهمية الصورة في تربية التصور الإنساني للمستقبل وحكى عن إملاءات ثقافية معطياً الولايات المتحدة مثلاً. حين أرادت بعد الحرب العالمية الثانية تقديم المساعدات الطائلة لتعمير أوروبا، كان من شروطها ألا تدفع ضرائب على أفلامها التي تعرض في ما وراء البحار، وهكذا كان. في 28 أيار (مايو) 1946 وضع ميثاق للتعاون بين فرنسا والولايات المتحدة تلغي بموجبه الثانية ديون الأولى مقابل قيام فرنسا بفتح صالاتها أمام الأفلام الأميركية على نحو كلي تقريباً. ضخت الولايات المتحدة في السوق الفرنسية ثلاثمئة مليون دولار لتفرض السينما الأميركية عبر حملات دعائية ضخمة وواسعة النطاق. كانت تلك وسيلة هوليوود الآلة الأكثر قوة وتأثيراً ثقافياً في العالم «لنشر الطريقة الأميركية في العيش ولتقديم المجتمع الأميركي نموذجاً للعالم». هكذا، «تبنّى العالم الثقافة الأميركية» وجعلت الولايات المتحدة «العالم أميركياً»! وفي عام 2006، اشترطت الولايات المتحدة على كوريا الجنوبية فتح أسواقها للأفلام الأميركية وخفض حصتها في السوق مقابل تحقيق تعاون استثماري متبادل! وبات تعبير «المحدلة» الذي يطلق على الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية الأميركية، في مكانه اليوم. شروط تؤكد أنه لا يمكن الأعمال الفنية أن تكون «تجارية فقط» كما كتب الكاتب التركي، ربما هي كذلك في عرف منتجيها، ولكن لا يمكن التغاضي عن الأثر الذي تتركه في أذهان مشاهديها وقلوبهم سواء عكست الواقع فعلاً أم لم تفعل وسواء كانت مدعومة من الحكومة أم لم تكن. الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية تؤثر في الحياة الشخصية لمشاهدها وفي سلوكه وفكره. كم من مسلسلات وأفلام أميركية اليوم تحيل الفرد فوراً إلى طفولته لأنها شكلت جزءاً منها، وهكذا بدلاً من أن ترتبط صور الطفولة بمشاهد من أشجار الزيتون فإنها ترتبط بالغرب الأميركي والكاوبوي... حين نعرف كم لصور الطفولة من تأثير في النفس ندرك كيف تنغرز تلك الثقافات في تفكيرنا وسلوكنا.
مشاركة :