صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد لاقيته بعد غيابٍ مُكفهرًا عابسًا صامتًا، وكأنَّ الهموم رزحت على صدره، وأثقلت عليه حياته، مُحملًا بالتفكير السلبي الذي يزيده إحباطًا واكتئابًا وتعاسة، واستسلم لحالته، وكأنَّ الحياة مسدودة أبوابها في وجهه وضاقت عليه الدنيا بما رحبت وأنعدم الأمل. قُلتُ له مهلًا يا صاحبي؛ فهذه الدنيا لا تساوي أن تهاجم نفسك ذاتيًا بالضيق والاكتئاب والحزن والكرب، مهما حدث لك من ظروف حياتية تثقل دنياك؛ فالمشاكل الدنيوية كائنة متعددة ومتجددة، فلا تجعلها تنال من ذاتك فلا شيء يستحق. كُن حائطَ صد صلبًا بتفكيرك إذا قست عليك الأيام وتكاثرت عليك الهموم واظلمت عليك الدنيا، فذلك بإذن الله عابر، وأنت بحاجة لأن تكون قويًا ذاتيًا لتتجاوز أزماتك. ورفقًا بحالك، فلا تجعل المشاكل تتسرب إلى كيانك، إلّا بالقدر الذي يسمح لك بالتعامل معها والبحث لها عن حلول لمُعالجتها. لن أسألك عن سبب همومك، فقد يكون أي شيء أنت أدرى به، لا تريد الإفصاح عنه، يحبطك ويحزنك، لكن هل الحل أن تستسلم لهذا الإحباط والحزن؟! لديك حياة واحدة هذه التي لديك لا غيرها، ومن يستسلم يفقد قوة دفاعه الذاتية المتبقية في مواجهة هذه الحياة، ويسقط في هاوية لا مخرج منها. ولتعلم أن الحياة ليست ثابتة على حال وأساسها المتغيرات من أحداث تأتي دون سابق إنذار تصيب بالابتلاءات، وهذا قدر لا مفر منه، قال تعالى"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 155). والإنسان إذا نالت منه مصائب الحياة التي لا يستطيع تغييرها، فلا يملك سوى الصبر والرضا بقضاء الله والقبول بإرادته والمُضي قدمًا حسب المعطيات المتوفرة، وتركيز الطاقات على ما يُمكن تغييره والتعايش مع ما لا يمكن تغييره. والأولون قبلنا عاشوا حياتهم في ظروف قاسية وما زادتهم إلا صلابة وقوة وإصرارًا على تحمل متاعب الحياة، ليصلوا بنا إلى وقتنا الحاضر، فلا يجب لهذا الجيل الاستسلام واليأس، إذا لم تتحقق تطلعاتهم، وإنما السعي دومًا من أجل حياة أفضل، والقادم بإذن الله أفضل. عِشْ يومك على أساس أن ما سيحدث غدًا سيحدث لا محالة، إذا كان مقدراً له أن يحدث. قد يصيبك مرض مستعصٍ يُرهقك، أو تتعرض لحادث سير خطير يكسرك، أو تفقد عزيزًا لديك، أو تتعرض لخسارة مالية كبيرة، أو تخسر وظيفتك، أو لا تجد وظيفة، أو يقع ظلم عليك لا تستحقه. لكن الحياة مستمرة وغدًا يوم جديد، ستشرق الشمس وتغرب في نفس توقيتها اليومي، والحياة أكبر من أن تقضيها في الندم على ما فات والأسى على ما فقدته أو ما لم تحصل عليه. ابحث واجتهد في حل مشاكلك بالتي هي أحسن، وإذا لم تجد لها حلًا، خُذ الحياة كيفما تأتي ببساطة وهدوء وابتسامة، وامضِ إلى أن يفرجها الله عليك، ولا تدري لعل فرج الله قريب. يقول الإمام الشافعي "ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت، وكنت أظنها لا تفرج". لا بأس أن تحزن قليلًا، ثم لا بأس أن تزيل عنك الحزن لتتأقلم مع وضعك بالخيارات المتوفرة لديك.. الدنيا لا تساوي أن يكدر عليك حياتك شيء، لا شيء يستحق يا صاحبي.. فكل شيء زائل إلى فناء. لا تجعل الحياة تحملك على الضيق والاستياء والإحباط الداخلي المستمر، وخفف على نفسك من الانهيار، ولا تُوقِع نفسك في حفرة من اليأس والإحباط لا مخرج منها، فهذه هي الحياة كما هي وكما كانت، لا يركن لها عاقل ولا يغتر بها رشيد ولا يأمن لها حكيم. وتهجم الحياة حين تهجم دون شفقة أو رحمة، وتمنح حين تمنح دون حساب؛ فالشكر لله على ما هو موجود، والشكر لله على ما هو مفقود، والحمد لله على ما أعطى والحمد لله على ما أخذ، وكن على يقين بإرادة الله السماوية، وما حصل لم يحصل إلا لحكمة إلهية لا نعلمها، وهو أعلم بها ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، اللهم لا اعتراض. اجعل معنوياتك عالية دائمًا حتى لا تجعل بنيانك النفسي وتكوينك الذاتي يضعف وينهار. وحتمًا آلام المصيبة إذا وقعت عليك كبيرة، والخسارة إذا أصابتك فادحة، والفقد إذا حلّ شديد، ومن الطبيعي أن تستشعر الألم، فأنت بشر وسيكون الألم في ذاتك عميقًا، ولن يشعر به أي إنسان آخر غيرك مهما كان مُقربًا منك. ولأن الألم لا يشعر به غير صاحبه، فدعه يأتيك، ثم دعه يرتحل عنك، وهوِّن على نفسك ووَاسِها وطمئنها؛ لتمضي قدمًا حتى لا تفقد ذاتك، وإذا فقدت ذاتك ماذا يتبقى لديك؟ فأنت كل ما لديك، وذاتك معك لا تزال تؤازرك وتساندك، فلا تكن مؤنِبًا لها قاسيًا عليها. الإنسان له مقدرة كبيرة على التكيف مع كافة معطيات الحياة التي تواجهه بتفكيره الصحي السليم وفلسفته الحياتية الحكيمة. وأيامك في هذه الحياة معدودة، والأجدر بك مهما حصل أن تستمر في طريقك برؤية إيجابية في هذه الدنيا الفانية. وطالما ما زلت على قيد الحياة تعيش وروحك متواجدة في الحياة لم تُطرد منها إلى الموت بسبب مرض أو حادث سير أو جريمة تسبب بها آخرون أو مصيبة ألمت بك، فهناك أمل لك في يوم جديد تشرق عليه الشمس ليسعدك، تنفس الصبح واملأ رئتيك بالهواء النقي وامضِ في شأنك.. استمتع بأوقاتك؛ فالحياة قصيرة، وأقصر من أن تقضيها في الضيق والنكد والتعاسة والكراهية وندب الحظ وتسديد سهام الألم والإحباط إلى ذاتك. وما دمتَ حيًا في الدنيا، فاسعد بأوقاتك، ولا تضع فرصتك لأن تكون سعيدًا؛ فاليوم الذي يمر دون أن تشعر فيه بالسعادة، يوم مهدور في حياتك.. السعادة ليست بحاجة إلّا إلى نفسٍ تعرف كيف تُسعد نفسها وتعيش حياتها رغم الظروف، إما هذا أو أن تفتح أبواب الضيق والاكتئاب والحزن على نفسك! عِشْ الحياة بخياراتك المُتاحة لك بما لديك، واسعد بها، وقُل الحمد لله، واترك عنك ما ليس لك، لا تُطل التفكير فيما لدى الآخرين من بهرجة ظاهرة، فما يدريك ربما حل ذلك عليهم نقمة تعافها لا نعمة تبتغيها. ولا تضايق نفسك؛ فالوقت لا يتوقف عند ضيقك إذا تضايقت أو حزنك إذا حزنت، وكآبتك إذا اكتأبت، وغدًا يوم آخر. حل مشاكلك بجهدك وتصميمك الذي لا يعرف الانهزام، واستمر بما لديك من معطيات، وابحث عن "النَعم" وسط الكثير من "اللاآت" وعن الباب المفتوح بين مئات من الأبواب المغلقة. السعادة يا عزيزي أنت الذي تصنعها لنفسك، لا تنتظر من أحد أن يصنعها لك أو يمنحها لك. وإذا انتظرت أن تأتي لك السعادة، فستنتظر طويلًا دون جدوى.. اسعِد نفسك بنفسك اليوم وغدًا وبعد غدٍ، ولا تؤجل سعادتك ليوم يتحقق فيه مرادك، فربما هذا اليوم لا يأتي! اصنع سعادتك، ويجب أن تعرف أولًا ماذا يسعدك؟ أشياء بسيطة قد تُسعدك وبسببها يشرق في قلبك الفرح، فما يُسعدك أنت ليس بالضرورة أن يُسعد غيرك؛ فاعرف ما يسعدك، واسعد به.. لا تجعل التفاهات وصغائر الأمور تعطلك، لينقضي عمرك دون أن تسعد نفسك وتتمتع بحياتك. وإذا أردت أن تكون سعيدًا، فلا بُد أن تمتلك أسباب السعادة التي تخلقها لنفسك، وأهمها الرضا والقناعة، وإذا ملكت ذلك فأنت مالكٌ للدنيا.
مشاركة :