شهدت الحرب الروسية الأوكرانية خلال الأيام الماضية تطوراً لافتاً، عندما كشفت روسيا عن دخول عناصر مسلحة أراضيها عبر الحدود الأوكرانية، وهو ما يعني أن أوكرانيا ربما تكون قد بدأت نقل الحرب إلى داخل روسيا. وسواء فعلت ذلك أو تخطط له، فإن السؤال الذي يطرحه الكاتب والمحلل الألماني، أندرياس كلوث، في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء هو: هل هذا سيكون أمراً جيداً؟ وقالت روسيا إن «الإرهابيين الأوكرانيين» و«الفاشيين» هاجموا الأراضي الروسية. وبالطبع يمكن تجاهل مثل هذه التصريحات وكل ما يصدر عن الحكومة الروسية. وقد قيل إن المجموعات المسلحة التي ادعت مسؤوليتها عن الهجمات داخل الأراضي الروسية، تتكون من روس انشقوا عن جيش الرئيس فلاديمير بوتين ويقاتلون ضده من أجل أوكرانيا الآن. وإحدى هذه المجموعات تطلق على نفسها اسم «فيلق حرية روسيا»، والأخرى تسمى «فيلق المتطوعين الروس»، وتضم عناصر من القوميين المتطرفين. معلومات محدودة وبحسب كلوث، فإن المعلومات المتاحة عن هذه القوات شبه العسكرية المناوئة لبوتين محدودة، خاصة ما يتعلق بما إذا كانت تتلقى الأوامر من أوكرانيا أو تعمل بشكل مستقل. لكن هذه المجموعات تبدو على الأقل مرتبطة بشكل ضعيف بـ«الفيلق الدولي» الموالي لأوكرانيا، وهو عبارة عن قوة من المقاتلين الأجانب الذين يشبهون «الكتائب الدولية» التي شاركت في الحرب الأهلية الإسبانية ضد قوات القوميين المتطرفين، بقيادة ديكتاتور إسبانيا الراحل الجنرال فرانشيسكو فرانكو. وسارعت أوكرانيا إلى نفي أي تورط في الهجمات العسكرية العابرة للحدود في روسيا. وربما تكون صادقة، لكن يظل الأهم هو السؤال الكبير: هل شن هجمات كبيرة على أراضي روسيا له مردود استراتيجي؟ بعض أفضل العقول العسكرية في التاريخ انتصرت في الحروب الدفاعية، بمثل هذه الطريقة بالضبط. وكانت الفكرة هي أن تهديد الدولة الغازية بمهاجمة قواعدها على أراضيها، يجبرها على الانسحاب الكلي أو الجزئي من خط المواجهة الأصلي لحماية قواعدها الخلفية. هذا السيناريو حدث خلال الفترة من 210 إلى 202 قبل الميلاد، عندما فعل ذلك القائد الروماني شيبيون الإفريقي، أو سكيبيو الإفريقي. فقد ظل القائد القرطاجني هانيبال يرهب روما بقواته الغازية لمدة 8 سنوات. ورد سكيبيو بقيادة جيش روماني إلى شبه جزيرة أيبيريا، للاستيلاء على قواعد هانيبال هناك. وبعد ذلك بسنوات عبر سكيبيو البحر المتوسط إلى شمال إفريقيا لتهديد قرطاجنة نفسها. في هذه اللحظة فقط اضطر هانيبال إلى مغادرة إيطاليا وعاد بقواته إلى بلاده للدفاع عنها، وهزمه سكيبيو وانتصرت روما في الحرب. وبنفس الطريقة يمكن أن تفتح أوكرانيا جبهات جديدة داخل روسيا. وفي هذه الحالة سيضطر بوتين إلى سحب أجزاء من قواته الغازية في أوكرانيا لإعادتها إلى روسيا. وهذا سيضعف القوات الروسية في أوكرانيا، ويساعد الأوكرانيين على استعادة أراضيهم. كما أن بوتين سيبدو ضعيفاً داخل بلاده وسيصبح عرضة لخطر الانقلاب عليه. أوكرانيا ليست روما لكن أوكرانيا ليست روما القديمة. وروسيا ليست قرطاجنة، وبالتأكيد بوتين ليس هانيبال أحد أعظم العسكريين في التاريخ، رغم هزيمته في نهاية المطاف. لذلك فالموقف الاستراتيجي مختلف تماماً. فبوتين يمتلك ترسانة نووية وهدد أكثر من مرة باستخدامها إذا وجد نفسه محاصراً. وإذا كان العالم بما في ذلك الصين، أقرب حلفاء روسيا، أقنع بوتين حتى الآن بأن أي تصعيد نووي لن يكون مقبولاً، فإن العقيدة الروسية تسمح باستخدام الأسلحة النووية إذا كانت الدولة الروسية نفسها في خطر. ولما كان بوتين يعد نفسه روسيا نفسها، فقد يقرر استخدام هذه الأسلحة إذا تأكد من هزيمته الشخصية. الفارق الثاني هو أن أوكرانيا تمتلك حالياً الجيش الأفضل عالمياً من حيث الاستعداد القتالي، ويعتمد على الدعم الغربي المستمر. فهي تدافع عن سماواته بصواريخ الدفاع الجوي الأميركية، وتطلق هجومها المضاد على القوات الروسية باستخدام دبابات القتال الألمانية، وقد تسيطر على الجو بمقاتلات «إف 16» الأميركية. أكبر المخاوف لكن كل هذا مقبول على أساس أن أوكرانيا تدافع فقط عن أراضيها. وأكبر المخاوف في الغرب هو احتمال تورط حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الحرب ضد روسيا، والتي يمكن أن تتحول في هذه الحالة إلى حرب عالمية ثالثة. كما أن بعض الدول الغربية قد توقف دعم أوكرانيا إذا ما تبنّت تكتيكات هجومية. وأخيراً فإن ما يعرف باسم «عالم الجنوب»، أي الدول النامية الإفريقية والآسيوية التي تبدو على الحياد قد تنحاز فعلياً ورسمياً إلى روسيا. ويرى كلوث أن التطبيق الأفضل لاستراتيجية سكيبيو يمكن أن يتمثل في محاولة أوكرانيا استعادة شبه جزيرة القرم التي استولى عليها بوتين عام 2014، ليس بغزوها مباشرة، وإنما بقطع طرق الإمداد إليها عبر استعادة منطقة زابوريجيا، ثم بحر أزوف، وقطع الجسر البري الذي أقامه الروس لربط إقليم لوجانسك وشبه جزيرة القرم. فإذا نجح الهجوم الأوكراني في تحقيق أهدافه ستصبح القوات الروسية في خيرسون وشبه جزيرة القرم مكشوفة على المدى الطويل. على مضض وفي هذه الحالة قد يرى بوتين أنه حقق ما يكفي ويدخل على مضض في مفاوضات سلام، مع إطلاق آلته الدعائية الداخلية للترويج لنجاح «عمليته العسكرية الخاصة» في أوكرانيا. لكن في المقابل إذا تعرض لعمليات عسكرية داخل أراضي روسيا، سيكون من الصعب عليه ادعاء الانتصار والدخول في المفاوضات، وبالتالي سيجد نفسه مضطراً إلى مضاعفة حديثه عن الدفاع عن روسيا ضد أعدائها باستخدام كل أدواته العسكرية. أخيراً يقول كلوث، إنه ينبغي على أوكرانيا ألا تهاجم أراضي روسيا، وألا تشجع عملاء مثل القوات شبه العسكرية الروسية المناهضة لبوتين على القيام بذلك. فالأفضل لأوكرانيا أن تعلن للعالم بوضوح أنها تخوض حرباً دفاعية بحتة. ويجب أن تظل استراتيجية كييف هي استمرار كسب العالم، ثم استعادة أكبر قدر ممكن من أراضيها المحتلة. • أوكرانيا تمتلك حالياً الجيش الأفضل عالمياً من حيث الاستعداد القتالي، ويعتمد على الدعم الغربي المستمر. فهي تدافع عن سماواته بصواريخ الدفاع الجوي الأميركية، وتطلق هجومها المضاد على القوات الروسية باستخدام دبابات القتال الألمانية، وقد تسيطر على الجو بمقاتلات «إف 16» الأميركية. • أكبر المخاوف في الغرب هو احتمال تورط حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الحرب ضد روسيا والتي يمكن أن تتحول في هذه الحالة إلى حرب عالمية ثالثة. • بوتين يمتلك ترسانة نووية وهدد أكثر من مرة باستخدامها إذا وجد نفسه محاصراً. وإذا كان العالم بما في ذلك الصين، أقرب حلفاء روسيا، أقنع بوتين حتى الآن بأن أي تصعيد نووي لن يكون مقبولاً، فإن العقيدة الروسية تسمح باستخدام الأسلحة النووية إذا كانت الدولة الروسية نفسها في خطر. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :