على جدران إحدى صالات العروض الفنية المرموقة بمدينة ميامي الأمريكية، عُلق عمل فني للإيطالي المثير للجدل ماوريتسيو كاتالين؛ العمل ببساطة عبارة عن موزة حقيقية ثُبتت على الجدار بشريط فضي لاصق. وما ساهم في انتشار العمل بشكل أكبر هو الممثل ديفيد داتونا الذي مر بجوار الموزة وانتزعها والتهمها، علق داتونا بسخرية في حسابه على إنستغرام بقوله: "إنه عمل تمثيلي أديته، فأنا أحب أعمال ماوريتسيو كاتالين، وأحببت هذه اللوحة التي أرى أنها كانت لذيذة بحق". هذا العمل الفني التافه، والتفاعل الكبير معه إلى درجة أنه بيع بـ120 ألف دولار (450 ألف ريال)؛ ربما يلخص الانحدار الكبير الذي وصلت له ذائقة الجماهير، ليس في الفنون التشكيلية فقط بل هي ظاهرة طغت على مختلف الفنون بما في ذلك الغناء والكتابة الأدبية، والفن المعماري، والتصميم الداخلي وغيرها. من الطبيعي أن يهاجم كل جيل ذائقة الجيل الذي يليه، وعلى مر التاريخ هناك انتقاد دائم للأخلاق والقيم والذوق العام من الكبار للصغار، وشكوى دائمة من التغير نحو الأسوأ، لكن ظاهرة تردي الذائقة الفنية لا تندرج تحت تصنيف التذمر من تقليعات الأجيال الجديدة، وإذا كان لبعض هذا التردي تبرير منطقي في بعض الفنون كالمعمار، نظراً لارتباطه بتقليل التكاليف وزيادة استغلال المساحات؛ إلا أنه غير مفهوم في الفنون الأخرى. فالإنتاج الغنائي مثلاً، خلال العقدين الأخيرين رغم كثافته لا يشبه في جودته أي مرحلة مر بها خلال التاريخ، هذا الأمر لا يتعلق بثقافة أو منطقة معينة وعالمياً لك أن تقيس ذلك منذ فرانك سوناترا وحتى نيكي ميناج بشرط أن تمر بمايكل جاكسون وجورج مايكل وغيرهم ممن جددوا دون تنازل عن معايير الذوق الرفيع. الفن الغنائي مر بعدة مراحل وتطورات وتغيرات لكنها في الغالب حافظت على الجودة في ثالوث اللحن والكلمة والصوت، عبدالحليم حافظ على سبيل المثال جدد وطور في الطرب، وانتُقد بشدة، وكتب العندليب مقالاً في مجلة الكواكب عام 1969 تحدث فيه عن رغبته في التجديد وإحداث تغيير شامل في الأسلوب الغنائي الطويل. إلا أن تجديده لم يكن على حساب الجودة ولذلك تربع على عرش الطرب العربي حتى اليوم. شخصياً لا أعرف تبريراً منطقياً لانحدار الذائقة الفنية لدى الجمهور، لكن أعرف يقيناً أن المغنين والمنتجين والملحنين والكتاب والفنانين يتحملون مسؤولية كبيرة وقادرون على إحداث الفرق والارتقاء بالذوق العام.
مشاركة :