عشرات، بل، مئات الكتب في الفكر واللغة والفلسفة والآداب والفنون وغيرها من حقول ثقافية إنسانية كبرىٰ صدرت في أوائل النصف الأول من القرن العشرين. ومثلها كتب صدرت في أربعينات وخمسينات وستينات ذلك القرن المفعم بالحيوية الفكرية والسياسية والأدبية. ولم تحظ تلك الكتب التحف المكتبية إلّا بطبعة واحدة يتيمة منذ تلك الأيام الجميلة وحتى اليوم. ومن يعد إلى تلك الكتب الآن يجد أغلفة متآكلة مرّت عليها سنوات فهرمت وَحالَ لونها وشحبت بفعل الزمن الذي لا يغيّر الإنسان فقط، بل ويغير الورق والحبر، وحتى اللغة، لكن الغريب، بل الجميل في هذه المنازل الورقية الأقوى من الأسمنت هو رائحتها الدافئة الحميمة، كأن الورق يتنفس، ويقول: ها أنذا، لم أمت. إن لم تخن الذاكرة، وهي في مثل هذه المقامات قليلة الخيانة، وُلِدَ من المطبعة العربية في ثلاثينات القرن الماضي كتاب صغير الحجم أقرب إلى كتاب الجيب حول اللغة العربية وضعه جورجي زيدان مؤسس مجلة الهلال التاريخية العريقة التي تصدر حتى اليوم بعد مرور نحو مئة عام على صدورها في القاهرة. ولم يحظ هذا الكتاب، في حدود ما أعرف، بأي طبعة أخرى على أهميته البليغة، وبخاصة ونحن نعود اليوم إلى الشأن الاعتباري للغتنا الأم. واللغة أم، وليس مجازاً وصفها بالأم، وأمومة اللغة بالقرب تماماً من أمومة الوالدة التي لها الفضل الأول في تعليم طفلها الضحك والكلام. في عام ١٩٦٣ أصدر المفكر مطاع صفدي كتاباً بعنوان فلسفة القلق عن دار الطليعة في بيروت عثرت عليه في واحد من أجمل معارض الكتب في الشارقة: معرض الكتب القديمة والمستعملة. فزت في ذلك المساء في قناة القصباء في الشارقة بكتب قديمة تثير العجب، طبعاتها الأولى لم تنفد حتى الآن. لديّ مثلاً مسرحية شعرية للكاتب اليمني علي أحمد باكثير بعنوان همّام أو في عاصمة الأحقاف، وانظر ما جهة النشر. إنها منشورات مؤسسة الصبّان وشركائه، وما أجمل الشراكة في صناعة الكتاب. وله أيضاً من هدايا معرض الكتاب المستعمل في القصباء قبل سنوات روايته وا إسلاماه. (على الكتاب عبارة يُطلب، وهذا الكلام منذ عشرات السنوات أو أكثر من ربع قرن، من مكتبة مصر ٣ شارع كامل صدقي - الفجالة -القاهرة-)، فأين هي الآن تلك الأماكن في القاهرة؟ أردت من وراء هذه القصة، وفي عام القراءة في الإمارات، قولاً على شكل اقتراح أن تقوم المؤسسات الثقافية ودور النشر في الإمارات إلى جانب اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، والاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب في الإمارات بإعادة طباعة الكتب النادرة بعد قراءة ومراجعات جديدة لها بمعدل طبع كتاب واحد أو أكثر في الشهر في عام القراءة، وتكريم من أسّسوا لثقافة القراءة من الروّاد العرب الكبار، في زمن كانت فيه آلة الجهل والأمية والتخلّف تأكل الإنسان وترمي به إلى وراء العصر والفكر والحياة. مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، عام القراءة في الإمارات هو أيضاً روح الإمارات التي بناها وحفظها ورفعها للمجد رجال كبار يعرفون جيداً قيمة القلم والكتاب والقراءة، وهكذا قاموا على دولة سكّانها قرّاء وكتّاب وسعداء ومتسامحون. غداً اسمح لي قارئي الصديق أن أتحدث إليك عن معنى أن تكون وزارة للسعادة والتسامح في الإمارات، وليس بعيداً عن عام القراءة، وكل الأعوام. yosflooz@gmail.com
مشاركة :