يقول فنسنت فان غوغ: «قلب الإنسان يشبه البحر إلى حد كبير.. له عواصفه ومده وجزره.. وفي أعماقه توجد لآلئه أيضا»! بالفعل قد نجد الكثير من معاني هذه المقولة في أعماق هذه المرأة، التي تمتلك قلبا كبيرا يكمن فيه لآلئ من الحكمة والصبر والعطاء، وهي صاحبة خبرة طويلة في عالم اللؤلؤ الساحر، الذي عشقته منذ نشأتها، ووجدت فيه شغفها، فاختارت أن تعطي من خلاله، عبر رحلة مليئة بالتحديات والعواصف والكفاحات والنجاحات، حتى تركت لها بصمة خاصة ليس على الصعيد المحلي فقط بل والعالمي أيضا. نورة عبدالرحمن جمشير الرئيس التنفيذي لمعهد البحرين للؤلؤ والأحجار الكريمة، امرأة متلألئة دائما، تعلمت عبر مسيرتها معنى القوة والصلابة، وكأنها استمدت ذلك من روح حبات اللؤلؤ الجميلة التي تتشكل داخل الصدفة، ترى نفسها إنسانة محظوظة نظرا إلى ترعرعها في محافظة المحرق ومعايشة العصر الذهبي للؤلؤ البحريني ونهضة سوقه، ومن هنا تولد شغفها بهذا العالم الجميل.. لقد انطلقت في مسيرتها، وتخصصت دراسيا في مجال الاقتصاد والمالية والاستثمار في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وصعدت في السلم شيئا فشيئا حتى بلغت قمته، حيث أسهمت في إنشاء بورصة دبي للماس، وشغلت منصب الرئيس التنفيذي بها، ثم انضمت إلى الأمم المتحدة كخبير في مجال الألماس، بعدها قررت العودة إلى وطنها لتصبح نجما ساطعا في سماء عالم النساء البحرينيات المتميزات. حول هذه الرحلة الثرية وأهم محطاتها كان الحوار التالي: كيف أثرت نشأتك على مسيرتك؟ لقد كنت أول طفلة في أسرتي، وتربيت مع جدتي في محافظة المحرق، لذلك كنت محظوظة بشدة بمعاصرة نهضة اللؤلؤ في البحرين وأن أكون شاهدة على عصره الذهبي، لذلك تعلقت به وتحول إلى شغف بالنسبة لي تحديدا منذ أن بلغت مرحلة الثانوية العامة، وكان أمامي خياران إما دراسة الطب والذي كان حلما بالنسبة لي، أو إدارة الأعمال، ونظرا لوجود أطباء كثيرين في العائلة مروا بتجارب دراسية صعبة وطويلة فقد نصحني المقربون بدراسة البيزنس، وتحديدا العلوم المالية التي كانت مجالا جديدا في البحرين، وبالفعل تخصصت في الاقتصاد والمالية والاستثمار في بوسطن، بعد تخرجي في البكالوريوس، وعملي لدى أحد البنوك الاستثمارية. نقلة مهمة في مشوارك؟ كان عملي كمراقب للشركات المدرجة في بورصة البحرين، وإعداد التقارير حول توقعات أسعار الأسهم، وتقديم الاستشارات لبيع وشراء الأسهم في سوق المملكة، قد مهد لي الطريق لحدوث أهم نقلة في مشواري، وهي العمل في دبي لدى بنك استثماري، حيث عملت في مجال الاستثمار وتجارة الأسهم والعملات، بعدها انتقلت إلى مركز دبي للسلع المتعددة وعملت به كمحلل مالي، وكانت بالفعل مغامرة ممتعة ومهمة، وكان ذلك في عام 2001. وماذا كان دورك في ذلك المركز؟ كان دورنا في مركز دبي للسلع المتعددة يكمن في وضع القوانين والتشريعات لمنع دخول الألماس الدموي إلى البلاد كما يطلق عليه، والذي يرتبط بمنظمات غير شرعية مسلحة في غرب افريقيا تستخدم الماس الخام للحصول على الأسلحة، حيث تم وضع عقوبات دولية من قبل الأمم المتحدة على تصدير الماس من الدول التي يوجد فيها تلك المنظمات إلى الأسواق، وكذلك تدريب الموظفين في نقاط الدخول للتصدي لها، وبعدها انضممت إلى بورصة دبي للماس، وكان لي شرف المساهمة في تأسيسها، وتقلدت منصب الرئيس التنفيذي بها، ثم التحقت بالأمم المتحدة كخبير في مجال الألماس ضمن فريق المراقبين الدوليين، ومكثت في نيويورك حوالي أربع سنوات. بعد العودة إلى الوطن؟ بعد سنوات من العمل في نيويورك قررت العودة إلى مملكة البحرين، وأقدمت على خوض تجربة العمل الحر، فأنشأت شركة خاصة لتجارة الماس، تخدم مصانع المجوهرات في السوق المحلي، ثم انضممت إلى دانات، وتقلدت منصبي الحالي كرئيس تنفيذي بها، ولا شك أن مشوار النجاح والصعود كان مليئا بالكثير من التحديات والصعوبات والتجارب الصعبة. الدروس المستفادة من التجارب الصعبة؟ لقد استفدت كثيرا من أي تجربة مررت بها، وتعلمت منها الكثير من دروس الحياة، وأهمها اتباع أسلوب الحكمة والتريث عند إدارة المحن أو الأزمات، فالمهم هو كيف يتعامل المرء مع العثرات التي قد تعترض طريقه، ويتخطاها بسلام، وبأقل الخسائر الممكنة، ويمكن الجزم بأنني رغم لحظات الضعف والانكسار التي عشتها أحيانا، إلا أنني سرعان ما كنت أستعيد قوتي، وأقف على قدماي من جديد، وبمنتهى الثبات، وذلك بعون كتاب الله سبحانه وتعالى الذي أجده دائما، خاصة في مثل هذه المواقف، ملجأ لي، إلى جانب التقرب بدرجة أكبر من الخالق، والاصرار على المواصلة، والتحلي بالأمل والتفاؤل تجاه المستقبل. ما سر تعلقك بعالم اللؤلؤ؟ اللؤلؤ له قصة تاريخية يعلمها الجميع، فهو يمثل شيئا نادرا وثمينا ومستداما، ومعظم الملوك والأمراء من قبل مائة سنة كانوا يحرصون على اقتنائه وارتدائه، وقد عرف العالم منطقة الخليج من خلاله، وخاصة البحرين التي تعتبر الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي تدعم اللؤلؤ الطبيعي، وتمنع استيراد اللؤلؤ المزروع، كذلك نفخر جميعا بوجود الخطة الوطنية التي أطلقها سمو ولي العهد لإعادة إحياء قطاع اللؤلؤ والعمل على استعادة مكانته المرموقة، التي وضعت أهدافا محددة في هذا الصدد. أهم تلك الأهداف؟ لا شك أن الخطة الوطنية لإعادة إحياء قطاع اللؤلؤ تتضمن الكثير من الأهداف أهمها كان إنشاء مختبر عالمي لفحص اللؤلؤ، ومعهد البحرين للؤلؤ والأحجار الكريمة، هذا فضلا عن التصريح لعدد كبير من صيادي اللؤلؤ بممارسة هذه الهواية انطلاقا من تشجيع سياحة الغوص المتوافرة بالمملكة، واستقطاب أعداد كبيرة من السياح حول العالم، الأمر الذي رسخ أهمية هذا القطاع ليس على الصعيد المحلي فقط، بل والعالمي بفضل الاهتمام به على أعلى المستويات. حلم ضائع وسط زحمة الحياة؟ أنا عاشقة للرسم بشدة منذ طفولتي، ولي أعمال أعتز بها في الفن التشكيلي، وقد شاركت في العديد من المعارض الفنية منذ التسعينيات، وكان ذلك خلال المرحلة الثانوية، وفزت في مسابقات متنوعة، ويمكن القول بأنني كنت مشروع فنان، لكنه لم يكتمل بسبب زحمة الحياة ومشاغلها، ومع ذلك مازلت متمسكة بهذه الهواية بشدة ولن أتخلى عنها كلما سنحت لي الفرصة. كيف توازنين بين مسؤولياتك المتعددة؟ من المؤكد أن المرأة بشكل عام تتمتع بقدرة خارقة على القيام بمسؤوليات متعددة ومتشعبة في نفس الوقت، وببراعة وبمهارة فائقتين، وشخصيا أحاول أن أمنح أسرتي وابنتي الوقت الكافي، ولا شك أن أي فتاة تطمح إلى أن ترى والدتها إنسانة منجزة من خلال عملها، وناجحة، لذلك أسعى جاهدة دوما أن أكون قدوة لها، واحرص على غرس الثقة في نفسها وتنمية روح المسؤولية والاستقلالية لديها، إلى جانب تكريس الكثير من القيم الجميلة في مقدمتها الصدق والإخلاص والمثابرة والاجتهاد والاقتراب من الخالق سبحانه وتعالي. طموحك القادم؟ أتمنى أن تحقق الخطة الوطنية هدفها في إعادة إحياء قطاع اللؤلؤ، وأن يحتل مكانته العالمية كما كان في السابق منذ قديم الأزل، حيث كان ملوك العالم يحرصون على التحلي به واقتنائه، وكل أملي أن أرى اللؤلؤ البحريني في جميع أسواق العالم وتعود مملكتنا تتألق وتتلألأ في هذا المجال من جديد، وهو شيء قريب المنال في ظل الجهود الدؤوبة التي تبذل على هذا الصعيد خاصة من القيادة الرشيدة. وعلى الصعيد الشخصي؟ حلمي على الصعيد الشخصي أن أحصل على رسالة الدكتوراه، وذلك بعد حصولي على رسالة الماجستير حول العدالة الجنائية بحكم عملي ضمن فريق المراقبين على العقوبات الدولية، وهو ما أخطط له حاليا لتحقيقه على المدى القريب بمشيئة الله.
مشاركة :