مصر التي في خاطري «قاهرة المعز»

  • 2/22/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في الأيام القليلة التي قضيتها في القاهرة في الأسبوع الأول من هذا الشهر، للحضور والمشاركة في فعاليات مملكة البحرين الحبيبة التي كانت ضيف شرف على معرض القاهرة الدولي السابع والأربعين للكتاب، كانت لي رفقة طيبة من ابنتي العزيزة التي حضرت معي كسائحة. وخلال مرافقتي لها إلى الأماكن السياحية القاهرية في لياليها الساحرة التي لا تنام، كنا في حي الحسين العامر بالحياة، وبعد استراحة في مقهى نجيب محفوظ، حيث أطباق الأكل والمشروبات المصرية اللذيذة المعهودة، وأغنيات ذلك الزمن الجميل من أيام الطرب المصري الأصيل، عبرنا تلك الأزقة العتيقة الضيقة، متجهين إلى ذلك المكان المدهش بما يحتويه من الآثار الإسلامية (شارع المعز لدين الله الفاطمي)، الذي تفوح منه رائحة العصور القديمة المتعاقبة التي تلبست روحها مصر العروبة، لتتميز بها مدينة القاهرة متفردة عن العواصم العربية الأخرى، في روعة جمالها بحضور كافة العصور الإسلامية العربية ومتألقة في كل أيامها ولياليها بتجلياتها الثقافية المتنوعة. دخلنا شارع المعز ذلك المتحف المفتوح على حقب متعاقبة تداخلت فيها عصور إسلامية عديدة من التاريخ الذي تفاعلت خلاله الثقافات الإنسانية على أرض مصر العظيمة، لتشهد نهضة الإسلام والعروبة فتنتصر لقيم الجمال والمحبة وتقاوم قوى الكرهية والحقد، بالانفتاح على الآخر والتسامح والقبول منذ عمرو ابن العاص إلى يومنا هذا. تنقلنا على عجل بين تلك الكنوز التاريخية الثمينة، فاكتشفت بعد ذلك أننا كنا نسير بين آثار تطل على عصور إسلامية قديمة متعاقبة هي: العصر الفاطمي، العصر الأيوبي، العصر المملوكي والعصر العثماني. كنا نسير بين تلك الآثار تدهشنا روعة بنائها بالتصاميم المتنوعة في طرازها، فتحلق بنا في سماء التخيل ليحضر من الذاكرة ما قرأناه عن الحاكم بأمر الله وصلاح الدين الأيوبي وشجرة الدر والمملوكي سيف الدين قطز، وبما تجسده تلك المساجد والكتاتيب أو المدارس والقصور كان الطريق يعبق بنفحات من روح الدين الإسلامي الحنيف. أبرز ما هو موجود على وجه الأرض من آثار العصر الفاطمي في ذلك المكان هو الجامع الأزهر، ثم جامع الحاكم بأمرالله والجامع الأقمر وما غير ذلك أنقاض أقيمت عليها آثار ما زالت موجودة من عصور لاحقة. فالجامع الأزهر تاريخه معروف حيث باشر بناءه جوهر الصقلي بعد عام من دخوله مصر عام 969م، في حملة انطلقت منالقيروان، ليبقى حاكما عليها لمدة أربع سنين تحت خلافة المعز لدين الله الفاطمي. لقد اختارالصقلي تلك المنطقة لتكون مقرا للحكم فباشر في إنشاء المدينة بمسمىالمنصورية - فأحاطها بسور سميك لتتخذ شكلاً مربعاً وجعل في كل ضلع من أضلاع السور بابين يغلقان ليلا ويفتحان في النهار، ومما يذكر من تلك الأبواب الآن بابان في الضلع الشمالي من السور هما باب الفتوح وباب النصر وبابان في الضلع الجنوبي منه بمسمى باب زويلة - لتصبح تلك المدينة عاصمة الفاطميين بعد إقامة المعز لدين الله فيها، ثم تغير إسمها من المنصورية - نسبة إلىالمنصور والد المعز - إلى القاهرة بعد مدة وجيزة، وضمن ذلك التخطيط تشكل شارع المعز متعرجاً يربط بين باب الفتوح وباب زويلة الواقع غير بعيد عن الجامع الأزهر الذي تحول إلى جامعة - بإضافة مبنى لجماعة من الفقهاء عددهم 35 فقيهاً كانوا يجتمعون فيه بعد صلاة الجمعة ويدرسون القرآن إلى صلاة العصر - على يد العزيز بالله نزار ابن المعز لدين الله الذي تولى الخلافة بعد أبيه في عام975م. ومن بين تلك الآثار الفاطمية التي اندثرت - ولم يبق منها إلا ما يشير إلى ذكرها في عنوانين من ثلاثية الأديب العربي الكبير نجيب محفوظ لروايتي بين القصرين وقصر الشوق - قصر المعز لدين الله القصر الشرقي الكبير وقصر العزيز بالله القصرالغربي الصغير. تم بناء القصر الشرقي الكبير الذي شيده جوهر الصقلي في عهد المعز على الجانب الشرقي من الشارع، وذكر عنه أنه أقيم على مساحة كبيرة جداً فكان له تسعة أبواب هي با ب الذهب، باب البحر، باب الريح، باب الزمرد، باب العيد، باب قصر الشوق الذي تسمت به إحدى روايات ثلاثية لنجيب محفوظ، باب الديلم الذي كان يؤدي للمشهد الحسيني والجامع الأزهر، باب تربة الزعفران وهي محل خان الخليلي الآن وأخيراً باب الزهومة. أما القصر الغربي الصغير، فشيده إبن المعز العزيز بالله نزار، فيقع مقابل القصر الشرقي الكبير على الجانب الغربي من الشارع، وبذلك أصبح مسمى بين القصرين (وهو الذي عنون به نجيب محفوظ أولى الروايات في ثلاثيته) من بين الأسماء الأخرى التي تطلق على شارع المعز. ذلك هو الشارع النابض بروح شعب مصر العظيم الذي تخفق قلوب أبنائه بحب العروبة والدين الخالص لله، فهداه ربه الصراط المستقيم. ذلك هو شارع المعز الذي اجتمعت فيه القلوب بمحبة الخير فقاومت الشر بالإبداع الإنساني الخلاق، فنهل منه رواية التاريخ عن الأيام والسنين المؤرخ الشهير المقريزي، وولد فيه ليتجلى باستلهام تجاربه منه أديب مصر الكبير نجيب محفوظ فخلده في إبداعاته السردية، وتعلم في مدارسه ليقود الأمة العربية الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر. ولي في الكتابة عنه بقية قادمة بإذن الله.

مشاركة :