قرر الجيش السوداني الأربعاء تعليق مشاركته في المباحثات الجارية برعاية الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، في خطوة تعكس إصراره على المضي قدما في التصعيد، لاسيما وأن الجولة الحالية من المحادثات ترمي إلى التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. ويرى متابعون أن الجيش السوداني يعتقد أنه يملك الإمكانية لحسم الصراع عسكريا مع قوات الدعم السريع، وهو يراهن على ضعف الضغوط الدولية للمضي في مخططه. وأقر الوسطاء في المحادثات الجارية في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر انتهاك الطرفين للهدنة مرارا لكنهم تجنبوا حتى الآن فرض أي عقوبات على أمل إبقاء طرفي النزاع على طاولة المفاوضات. وأفاد مسؤول في الحكومة السودانية طلب عدم الكشف عن هويته أن الجيش اتّخذ القرار “بسبب عدم تنفيذ المتمردين البند الخاص بانسحابهم من المستشفيات ومنازل المواطنين وخرقهم المستمر للهدنة". ◙ خارطة الطريق التي تعكف الآلية الموسعة على إعدادها قد تشكل مخرجا لإنهاء الصراع لكن ذلك يرتبط بإرادة طرفي النزاع في الجنوح للسلم وقال المتحدث باسم الاتحاد الأفريقي محمد الحسن لبات إن انسحاب الجيش "لا ينبغي أن يحبط الولايات المتحدة والسعودية"، واصفا خطوة الجيش بأنها “ظاهرة كلاسيكية في المفاوضات الصعبة". وجاء تصريح لبات بعد انتهاء الاجتماع الثالث لـ”الآلية الموسّعة” بشأن الأزمة في السودان، والذي يجمع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والدول المجاورة للسودان. وقرّر المشاركون أنّ "خطة ملموسة" لتنظيم حوار سياسي واسع "سيتم اقتراحها في أقرب وقت ممكن، ربما في غضون يومين أو ثلاثة أيام"، بمجرّد اعتمادها من قبل أعضاء “الآلية”، حسب ما أفاد به لبات للصحافة بعد الاجتماع. وأشار إلى أنّ هذه العملية يجب أن "تشمل.. كل قطاعات" المجتمع السوداني، وأن تكون "جامعة لأمة، من دون الإشارة إلى أيّ اختلافات أيديولوجية أو غيرها". وأضاف أنّ هذه العملية ينبغي أن “تخصّ السودانيين أنفسهم”، فالمجتمع الدولي “ليس لديه الطموح لإدارتها أو قيادتها” لكنه سيدعمها فقط. وتابع أنّها “يجب أن تكون هادفة.. لأنها لا تستطيع التظاهر بمعالجة جميع مشاكل السودان”. وذكر أنه “سيتعيّن عليها التركيز على تبنّي الترتيبات الدستورية، وتهيئة الظروف لحكومة مدنية وتبنّي برنامج يقدّم حلولاً للطوارئ” الإنسانية في السودان. وقال "أخيراً، يجب أن تؤدي إلى انتخابات ديمقراطية في أقرب وقت ممكن". ويرى متابعون أن خارطة الطريق التي تعكف الآلية الموسعة على إعدادها قد تشكل مخرجا لإنهاء الصراع لكن ذلك يرتبط بإرادة طرفي النزاع في الجنوح للسلم، وهو ما لا يبدو متوفرا خصوصا من قبل قائد الجيش عبدالفتاح البرهان. وأفاد سكان في العاصمة الخرطوم بأن "المدفعية الثقيلة من معسكرات للجيش في شمال أم درمان تنفذ قصفا في اتجاه الخرطوم بحري". وأكد آخرون تعرض "معسكر قوات الدعم السريع الكبير في الصالحة جنوب الخرطوم" لقصف مدفعي. وكان الوسطاء الأميركيون والسعوديون أفادوا في وقت متأخر الاثنين بأن طرفي النزاع وافقا على تمديد هدنة إنسانية خرقاها مرارا خلال الأسبوع الماضي، خمسة أيام. وأعلن الوسطاء "تمديد وقف إطلاق النار الحالي ليُمنح ممثلو العمل الإنساني المزيد من الوقت للقيام بعملهم الحيوي"، وذلك "رغم عدم الالتزام به بشكل تام". ورغم تعهّدات الجانبين اندلع القتال مرة أخرى الثلاثاء في الخرطوم الكبرى ومنطقة دارفور المضطربة في غرب البلاد. وأعلن قائد الجيش خلال زيارة إلى القوات في العاصمة الثلاثاء أن "الجيش جاهز للقتال حتى النصر". وقال الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع إن القوات “ستمارس حقها في الدفاع عن نفسها”. واتهم الجيش بانتهاك الهدنة. وأوضح الباحث المتخصص بالشأن السوداني في جامعة غوتنبرغ السويدية ألي فيرجي أن الوسطاء يسعون لتجنّب انهيار كامل للمحادثات، خشية تصعيد ميداني كبير. ◙ الجيش السوداني يعتقد أنه يملك الإمكانية لحسم الصراع عسكريا مع قوات الدعم السريع، وهو يراهن على ضعف الضغوط الدولية للمضي بمخططه وقال "يعرف الوسطاء أن الوضع سيء لكنهم لا يريدون إعلان أن وقف إطلاق النار انتهى خشية تدهور الوضع أكثر". وتابع "الأمل هو أنه عبر إبقاء الطرفين على طاولة المحادثات، ستتحسن في نهاية المطاف آفاق وضع ترتيبات يمكن احترامها بشكل أفضل". ومنذ اندلاع المعارك بين القوتين المتعاديتين في 15 أبريل، قتل أكثر من 1800 شخص، بحسب مشروع موقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث. وتفيد الأمم المتحدة بأن أكثر من 1.2 مليون شخص نزحوا داخليا فيما فر أكثر من 425 ألفا إلى الخارج، أكثر من 170 ألفا منهم فروا إلى مصر. وتؤكد الأمم المتحدة أن أكثر من نصف السكان (25 مليون شخص) باتوا بحاجة إلى المساعدة والحماية. وانقطعت المياه عن أحياء كاملة في الخرطوم فيما لم تعد الكهرباء متوافرة لأكثر من بضع ساعات في الأسبوع بينما خرج ربع المستشفيات في مناطق القتال عن الخدمة. وتواصل الكثير من العائلات الاختباء في منازلها وتقنين المياه والكهرباء بينما تحاول جاهدة تجنّب الرصاص الطائش في المدينة التي يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة، فر نحو 700 ألف منهم، بحسب الأمم المتحدة. وأفادت وزارة الصحة السودانية في بيان الأربعاء بأن ولاية الجزيرة التي تعد محطة استقبال رئيسية للنازحين من الخرطوم، شهدت خروج "تسع مؤسسات صحية عن الخدمة رغم الهدنة المعلنة وذلك بسبب ميليشيا الدعم السريع التي تتحرك في تلك المناطق وتهدد حركة الكوادر الطبية والإمداد". وفي دارفور الواقعة عند حدود السودان الغربية مع تشاد "يتجاهل (القتال المتواصل) بشكل صارخ التزامات وقف إطلاق النار"، بحسب طوبي هارورد من المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين. وعرقل القتال المتواصل إيصال المساعدات والحماية التي يحتاجها عدد قياسي من الأشخاص (25 مليون نسمة)، أي أكثر من نصف السكان، بحسب الأمم المتحدة.
مشاركة :