أزمة النزوح السوري تزيد مخاوف اللبنانيين

  • 6/1/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يشعر اللبنانيون بالقلق على مصيرهم جرّاء أزمة النزوح السوري والتداعيات التي أحدثتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والأمني والديمغرافي، لاسيما بعد اندماج بعض السوريين في المجتمع اللبناني بشكل كامل، في ظل تفاوت نسب النمو السكاني بين السوريين واللبنانيين. وتصاعد في لبنان مؤخرا خطاب شعبي يطالب بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، بعد استفحال أسوأ أزمة مالية واقتصادية في تاريخ لبنان دفعت 82 في المئة من سكانه إلى عتبة الفقر، بالإضافة إلى مطالبة الجهات الرسمية اللبنانية منذ سنوات بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم عودةً آمنة وكريمة. ولا توجد إحصاءات رسمية حول تعداد السكان في لبنان. وبحسب بيانات البنك الدولي بلغ عددهم في العام 2021 نحو 5 ملايين و950 ألف شخص. شوقي عطية: أي اختلال ديمغرافي سيؤدي إلى مشاكل بين الطرفين شوقي عطية: أي اختلال ديمغرافي سيؤدي إلى مشاكل بين الطرفين أما عدد النازحين السوريين في لبنان فيبلغ ما يقارب المليونين و80 ألفاً، بحسب ما أعلنه المدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم في أكتوبر الماضي، فيما 42 في المئة من مجموع السجناء في لبنان من الجنسية السورية. وتشير إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إلى تسجيل حوالي 865.531 نازحاً سورياً لدى المفوضية، في نهاية عام 2020. وقال الأستاذ الجامعي والباحث في الديمغرافيا الدكتور شوقي عطية "لا توجد حالياً أرقام دقيقة في لبنان حول الوضع الديمغرافي للنازحين السوريين الذين يتوزعون على مختلف المناطق اللبنانية بنسب متفاوتة ترتفع في البقاع والشمال (39 في المئة و28 في المئة) وتنخفض في الجنوب (11 في المئة)"، مرجّحا أن "يكون العدد الواقعي للنازحين السوريين بين 1.5 و2 مليون نازح". وأشار الدكتور عطية إلى "تفاوت نسبة النمو السكاني بين السوريين واللبنانيين الذين يزيدون بمقدار 1 في المئة سنويا بسبب تراجع الولادات وازدياد الهجرة، بينما يزيد السوريون سنوياً بمقدار 3 في المئة. وإذا كانت نسبة النازحين السوريين اليوم 33 في المئة من مجموع السكان فإن نسبتهم ستفوق نسبة اللبنانيين بعد أقل من 25سنة". وأعلن أن "معظم النازحين السوريين في لبنان في عمر النشاط حيث تزيد نسبة الفئة العمرية (15-64) من بينهم عن 54 في المئة، وتبلغ نسبة الأطفال دون سن الخامسة من بينهم 13 في المئة، أي ما يقارب 260 ألف طفل سوري، في مقابل 7.8 في المئة للأطفال اللبنانيين أي 377 ألف طفل لبناني. ومع تفاوت الولادات من المرجح أن تتساوى أعداد الأطفال اللبنانيين والسوريين قريبا". ورأى الدكتور عطية أن "لبنان لا يحتمل أي اختلال ديمغرافي بسبب التوازنات الدقيقة بين مكوناته، واستمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى حصول مشاكل واحتكاك بين اللبنانيين والسوريين لأسباب اقتصادية واجتماعية كالعمل، أو لأسباب طائفية نتيجة انتماء معظم النازحين إلى طائفة معينة مما يخلّ بالتوازن القائم حالياً". ويعتبر بعض اللبنانيين أن لبنان لم يعد يحتمل وجود هذا العدد الهائل من النازحين السوريين، كما أن الكثير من المناطق في سوريا باتت آمنة، ويجب تشجيع هؤلاء على العودة إلى بلادهم. وقالت الأستاذة الجامعية والباحثة في علم الاجتماع الدكتورة سوزان منعم "كانت لأزمة النزوح السوري التي بدأت في عام 2011 تداعيات على الصعيد الأمني والاجتماعي والاقتصادي والديمغرافي". أكثر ما يُخيف اللبنانيين من استمرار النزوح السوري هو أن يفوق عدد السوريين في بلاد الأرز عدد اللبنانيين ◙ أكثر ما يُخيف اللبنانيين من استمرار النزوح السوري هو أن يفوق عدد السوريين في بلاد الأرز عدد اللبنانيين وأضافت "تمكن النازحون السوريون من الاندماج في المجتمع اللبناني، وتغيرت بعض عاداتهم حيث باتت ربة الأسرة مسؤولة بشكل كامل عن تسيير شؤون أسرتها، خاصة اللواتي نزحن دون أزواجهن. واتخذ الاندماج الاجتماعي شكل الزيجات المختلطة أيضاً، بالإضافة إلى الانخراط في التعليم". ورأت أن "تغيرات ثقافية حصلت في بعض البلدات التي تواجد فيها النازحون السوريون بأعداد كثيفة فاقت أعداد اللبنانيين، حيث فرض القادمون ثقافتهم وطرق عيشهم على أبناء القرى والبلدات اللبنانية، وهذه تحولات خطيرة على المدى البعيد". ولفتت الدكتورة منعم إلى أن "بعض النازحين يمارسون أعمالاً متنوعة وينافسون اللبنانيين، ويستفيدون من مساعدات عديدة في الطبابة والمواد الغذائية والأموال، فيما اللبنانيون يعانون من تداعيات أزمة مالية واقتصادية منذ العام 2019 ولا يحصلون على الحدّ الأدنى من الحاجيات الأساسية". وقالت "من تداعيات أزمة النزوح السوري ارتفاع نسبة البطالة في لبنان من 9 في المئة إلى 35 في المئة، حيث انخرط العديد من النازحين في سوق العمل في لبنان دون الحصول على إجازة عمل، ونافسوا اللبنانيين في القطاع السياحي وقطاع النقل وقطاع التجارة والقطاع الطبي، بالإضافة إلى عملهم في القطاعات التي كانت تعتمد على العمالة السورية قبل أزمة النزوح كقطاع البناء وقطاع الزراعة". وأشارت إلى "انخراط عدد من النازحين السوريين في جرائم متعددة كالسرقة والنشل، وارتفاع القلق من تفشي الانحراف الاجتماعي في المجتمع اللبناني، والقلق من حصول مشاكل أمنية بين اللبنانيين والسوريين". وأضافت "انسحب القلق أيضاً على الصعيد الديمغرافي مع ارتفاع الولادات لدى النازحين السوريين نسبة إلى الولادات لدى اللبنانيين، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من النازحين من مكتومي القيد (يستخدم تعبير مكتوم القيد ليشمل كل من كان له الحق في الجنسية اللبنانية بحكم القانون، أي المولود من أب لبناني أو المولود في لبنان من والدين مجهولي الجنسية أو والدين مجهولين أو من كانت أصوله عثمانية مقيمة في لبنان عند نشأة الجنسية اللبنانية، لكن لم يحصل عليها لسبب ما)، ما يجعل النزوح السوري قنبلة موقوتة في لبنان". ورأت أنه "ينبغي وضع إستراتيجية وخطة لعودة النازحين لأن لبنان بات غير قادر على احتمال عبء النزوح". ويتوزع النازحون السوريون على مختلف المحافظات اللبنانية، ويشغلون مخيمات أو منازل مؤجرة. ويبدي بعضهم استعداده للعودة إلى سوريا متى استتب الأمن وتأمنت إعادة الإعمار والبنى التحتية، بينما يرفض آخرون العودة بعد اندماجهم في المجتمع اللبناني، خاصة من هم في عمر الشباب. سوزان منعم: التحولات الثقافية جراء اللاجئين خطيرة على المدى البعيد سوزان منعم: التحولات الثقافية جراء اللاجئين خطيرة على المدى البعيد وقالت أولاف التي تبلغ من العمر 18 عاماً، والتي نزحت إلى لبنان عام 2012 عندما كانت في السابعة من عمرها، "نزحت من مدينة إدلب السورية مع جدتي وأمي إلى بلدة بسكنتا في جبل لبنان، بسبب الحرب، وساعدنا جدي لأمي الموجود في لبنان، عندما وصلنا". وأضافت "عملت أمي فيما بعد في مصنع للألبان والأجبان، فتمكنا من استئجار منزل. وتؤمن أمي من خلال عملها تكاليف تعليمي في مدرسة خاصة حيث أدرس حالياً المعلوماتية والمحاسبة". وتابعت اولاف التي ترتدي ملابس مشابهة لبنات جيلها من اللبنانيات وتغطي شعرها بحجاب خوفاً من التعرض للانتقاد من السوريين الموجودين في بسكنتا “عندما أذهب إلى المدرسة أنزع الحجاب، أما خارج المدرسة فأنا ملزمة بارتدائه". وأضافت "لقد اندمجت في المجتمع اللبناني وأشعر بأني فقدت هويتي الأساسية، لا أريد العودة إلى سوريا، فأنا سعيدة هنا، وأعتقد أني لن أتمكن من الاندماج في المجتمع السوري". وإذا كان النزوح السوري قد أدى إلى تغيير عادات بعض اللبنانيين والسوريين على حدّ السواء فإن أكثر ما يخيف اللبنانيين من استمرار النزوح السوري في لبنان هو أن يفوق عدد النازحين السوريين في بلاد الأرز عدد اللبنانيين بعد سنوات قليلة، ويأملون إيجاد حلول لهذه الأزمة في أسرع وقت ممكن.

مشاركة :