بين الدهشة والاستنكار يتساءل سكان العاصمة اليمنية صنعاء عمّن يمكنه أن يقيم حفل زفاف في قاعة بالغة الفخامة جرى الإعلان عن افتتاحها أخيراً في المدينة، قبل أن تتحول التساؤلات على منصات التواصل الاجتماعي إلى هجوم حاد على الانقلابيين الحوثيين الذين يزداد ثراؤهم في موازاة اتساع رقعة الفقر في أوساط ملايين اليمنيين. ويسخر شاب يقيم في منطقة السنينة غرب العاصمة صنعاء من انتشار قاعات المناسبات الفخمة بجوار تجمعات سكنية عشوائية وفقيرة، مستغرباً من أين يأتي ملاك هذه القاعات بالجرأة لاستفزاز السكان الذين يحصلون بالكاد على ما يسد رمقهم. ويقول الشاب «اضطررت قبل عام إلى فسخ خطوبتي لأني لم أتمكن من الوفاء بأبسط التزامات الزفاف، حلمت طوال السنوات السابقة أن أجلس في منصة صالة بسيطة وحولي الأقارب والأصدقاء يرقصون على وقع أغانٍ مسجلة، وكل يوم كانت أحلامي تتضاءل لدرجة أني قررت الزواج دون حفل زفاف». ويضيف أن الأهالي في صنعاء يعلمون أنه من الصعوبة بمكان معرفة منازل سكن قيادات الانقلاب الحوثي؛ نظراً لتخفيهم خشية أي انتفاضة شعبية تندلع في مواجهة اضطهادهم وممارساتهم التي أوصلت اليمنيين إلى أدنى مراتب الفقر، إلا أن الجميع يعلم أن المباني والاستثمارات الجديدة تتبعهم. اقتصاد النهب منذ سنوات شهدت أطراف العاصمة صنعاء توسعاً عمرانياً بظهور مئات القصور والمباني الضخمة، وانتشار المولات التجارية الجديدة التي لم تكن مألوفة من قبل، والمباني السكنية التي يزيد ارتفاعها على عشرة طوابق، بينما كانت المباني التي تصل إلى هذه الارتفاعات نادرة جداً في السابق. ويصف باحث اقتصادي مقيم في صنعاء المظاهر التي صنعتها الميليشيات الحوثية منذ انقلابها وسيطرتها على مؤسسات الدولة واقتصادها بالنقائض، والتي تنتج من اختلال استهداف الاقتصاد المحلي ونخره، فأنشطة الميليشيات الحوثية لم تشكل اقتصاداً موازياً فحسب، بل إنها حوّلت اقتصادها مسيراً ومحركاً للاقتصاد العام وجعلت من موارده روافد لاقتصادها. ويتابع الباحث الذي طلب التحفظ على بياناته: إن قدرة الميليشيات الحوثية على إدارة الموارد تفوقت على الدولة اليمنية، ففي قطاع الضرائب، لم تترك الميليشيات مجالاً لأي تساهل في تحصيلها، ومارست رقابة شديدة على موظفي هذا القطاع، وطردت العاملين المتساهلين أو غير المؤيدين لها وأحلّت عناصرها بدلاً عنهم، حتى وإن كانوا من دون كفاءة. ونوّه إلى أنها استقدمت شخصيات مهنية في مجالات البرمجة الإلكترونية ونظم المعلومات وتمكنت من بناء أفضل الأنظمة التحصيلية والرقابية منهم من خلال الترهيب والترغيب، دون أن تسمح لهم بالحصول على مناصب رفيعة في القطاعات التي استقطبتهم للعمل فيها، وطلبت منهم تدريب عناصرها على تلك الأنظمة لتأمين سيطرتها على هذه القطاعات مستقبلاً. ويوضح أنه وبهذه الوسائل تمكنت الميليشيات من إدارة الملف الاقتصادي بشكل فعال يخدم مشروعها على حساب البنية التحتية والخدمات التي يفترض أن يحصل عليها السكان، وزاد من فاعلية ممارساتها أنها انفردت بالقرارات الاقتصادية في مناطق سيطرتها، فلم تفلح الإجراءات الحكومية في الحد من سيطرتها، ولم تصدر عقوبات دولية كافية لردعها وإلزامها باحترام المجتمع. وبينما تتوسع مظاهر الفقر، وينتشر المتسولون في غالبية الشوارع والأزقة، وتزدحم مقالب القمامة بالباحثين عن بقايا الطعام الملقى فيها، ترتفع البنايات الحديثة، وتنتشر الاستثمارات الجديدة، ومن بينها مولات تجارية وصالات أعراس فخمة، بحسب ما يروي أهالي العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية. أزمات وقود وسيارات فارهة حينما تقف آلاف السيارات في طوابير طويلة للحصول على الوقود، ويضطر كثيرون إلى إيقاف سياراتهم أو بيعها بسبب أزمات الوقود، ويقف المرء لساعات على الرصيف في انتظار مرور سيارة أجرة تقله؛ تمرق أمام أهالي صنعاء سيارات فارهة لم تكن معروفة لهم من قبل، كأنها تعمل بطاقة لا تنضب. ويفيد أحد تجار السيارات في العاصمة صنعاء بأنه بدأ العمل في هذا المجال بعد الانقلاب بسنوات قليلة عندما قرر خوض مغامرة شراء معرض سيارات أوشك على الإفلاس بسبب الحرب، إلا أنه فكر بالتقرب من الأثرياء الجدد المقربين من قادة الانقلاب، بعد أن شاهد مظاهر ثرائهم، ليفاجأ بأن مغامرته نجحت. اكتشف التاجر نهم الأثرياء الجدد للسيارات الحديثة وغير المعروفة في اليمن، فبدأ باستيرادها مستفيداً من تسهيلات قدمها له قادة في الانقلاب من أجل حصولهم على تلك السيارات، وبالفعل بدأت تجارته تتوسع، وخلال مدة قصيرة باع مئات السيارات الجديدة والمستخدمة، وكان غالبية زبائنه من القادة الحوثيين أو موظفي المنظمات الدولية. وأبدى التاجر مخاوفه وقلقه من توجه شخصيات حوثية إلى السيطرة على كامل القطاعات التجارية والاقتصادية، خصوصاً وأن بعض هذه الشخصيات أرادت أن تستفيد من خبراته، وأخرى طلبت منه السماح لها بالدخول في شراكة معه، مقابل تقديمها أموالاً ضخمة لتوسيع استثماره؛ الأمر الذي لم يشعر إزاءه بالارتياح أو الاطمئنان. ويختم التاجر حديثه بالتهكم على نفسه: ربما أكون مستفيداً من فساد الميليشيات من دون أن أقصد، حاولت أن أعيش بالحلال، لكن ليس ذنبي أن عملائي لصوص وفاسدون، ويجدر بي أن أنجو منهم. ورغم ادعاء الميليشيات الحوثية أن مناطق سيطرتهم تعيش حصاراً اقتصادياً؛ فإنها تناقض نفسها بزعم أن العاصمة صنعاء أصبحت في وضع اقتصادي مرفه نتيجة الانقلاب الذي تسميه «ثورة 21 سبتمبر»، حيث تزعم أنها طهّرت مؤسسات الدولة من الفساد والفاسدين. ويتهم السكان الميليشيات الحوثية بحرمانهم من فرص العيش الكريم، ومنازعة التجار ورجال الأعمال الثراء، وعدم السماح لأحد بالإثراء سوى أعداد محدودة من الموظفين في المنظمات الدولية المتواطئين معها في تغيير مسار المساعدات الموجهة إلى المتضررين من الأزمة الإنسانية في اليمن، أو التعمية على انتهاكاتها بحق المدنيين.
مشاركة :