تعد الإنتاجية محركا رئيسا للدخل الحقيقي ومستويات المعيشة ويسعى صناع السياسات الاقتصادية إلى إيجاد حلول تعزز من الإنتاجية ولهذا نرى موضوع الإنتاجية الاقتصادية من الأولويات في الاقتصادات المتقدمة مثل لوكسمبورج وأيرلندا والنرويج وسويسرا والدنمارك وهولندا وألمانيا واحتلت الدول الأوروبية في 2022 المراكز العشرة الأولى وجاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الـ12 بحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية. اللافت في الموضوع أن الدول الأكثر إنتاجية تعد الأقل في ساعات العمل، أي: إن ساعات العمل الطويلة ليست بالضرورة تبين الإنتاجية، ونعرف في الوسط الاقتصادي المختص أن اقتصاد الخدمات قلص من ساعات العمل في مقابل أن الاقتصاد القديم، أعني: اقتصاد الصناعة الذي كان يعتمد على اليد العاملة لإنجاز العمل، فمثلا المكسيك أكثر ساعات عمل وأقل إنتاجية، إضافة إلى مستوى سعادة وجودة حياة الناس أقل أما لوكسمبورج فهي نموذج مثالي حيث يبلغ متوسط أسبوع العمل 29 ساعة وجميع الدول التي في قائمة العشرة الأعلى إنتاجية لم تتخط ساعات العمل 30.6 ساعة عمل أسبوعي. الأسباب الكامنة وراء إنتاجية الدول الاستثمار في رأس المال المادي ثم رأس المال البشري والبنية التحتية وتفعيل دور التقنية وتنبي التكنولوجيا الحديثة في مراحلها المبكرة فضلا عن الإنفاق على البحث والتطوير وفتح المجال وتقديم المحفزات الاقتصادية للاستثمار الأجنبي وفي هذا الجانب لدينا في السعودية مناطق اقتصادية خاصة حديثة تستهدف جذب شركات أجنبية ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني. أما السر الذي أرى أهميته الاقتصادية فتفعيل دور الشراكات الاستراتيجية مع الحكومات والدول الناجحة ومع الشركات ولا سيما إذا ما كان القطاع الخاص يقود مشهد الشراكات الاستراتيجية، كما أن فرص توليد الشراكات الاستراتيجية غير محدود بتعاون حكومات أو شركات، بل هناك فرص في التعاون البحثي والأكاديمي والمعاهد المختصة وتمويل نتائج الابتكار لرواد الأعمال أو حتى التعاون مع المنظمات المختصة. ما زلت أعتقد أن هناك فجوة بين السياسات الاقتصادية التي تستهدف رفع الإنتاجية الاقتصادية للدول والمهارات التنفيذية، بمعنى آخر: نحتاج إلى مجموعة من التنفيذيين بمهارات عالمية للتواصل مع الشركاء حول العالم وفي الوقت نفسه إدارة شركاتنا بقدرات تنفيذية عالية المستوى، لا أعنى جلب الأجانب لقيادة الشركات، بل تأهيل صفوف للتنفيذيين المواطنين، لأن أي فجوة في القدرات التنفيذية الوطنية ستنعكس علينا في مناطق أخرى سلبا ويصعب معالجتها لاحقا. أخيرا: ضعف الأداء الإنتاجي يتطلب تخطيطا طويلا ومسارات ثابتة من صناعة رؤساء تنفيذيين على قدر عال من الوعي في تعظيم عوائد الاستثمارات من المنظور الاقتصادي الحقيقي إضافة إلى التركيز المؤسسي وتفعيل دور الهيئات المنظمة للاقتصاد للقيام بدورها في تنمية القطاعات التي تشرف عليها من خلال استراتيجيات تنظيمية واقتصادية فعالة ولن نرى ذلك قريبا ما لم يكن قادة تلك الهيئات يمتلكون الوعي الاقتصادي والتنفيذي بشكل مزدوج.
مشاركة :