العودة إلى الاتفاق الإطاري في السودان تزعج البرهان والكيزان

  • 6/4/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الخرطوم - أظهرت الإدارة الأميركية والكثير من الدول الغربية تشبثهم بضرورة تخلي الجيش عن السلطة وتسليم السلطة لحكومة مدنية بعد إجباره على التهدئة ووقف إطلاق النار، ما أزعج رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وفلول الرئيس السابق عمر البشير المعروفة في السودان بالكيزان، حيث لا تريد واشنطن وحلفاؤها أي تغيير في العملية السياسية بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأدى هذا التوجه إلى عدم ارتياح وفد الجيش في محادثات جدة وأعلن تجميدها كمناورة لإحداث تغيير في الوساطة الأميركية - السعودية التي شددت على التمسك بالاتفاق الإطاري الذي قضى بتسليم السلطة لحكومة مدنية، وكأن الحرب الجارية في الخرطوم فصل عارض في الأزمة السودانية. وأبدى الجيش انزعاجه من تعليق محادثات جدة، وطالب بعودتها، غير أن واشنطن مدفوعة بدعم من قوى دولية عديدة تعاملت مع الموقف بطريقتها التي يمكن أن تجبر الجيش على التسليم بقواعد اللعبة السابقة، ففرضت عقوبات اقتصادية على الطرفين المتصارعين، وشددت عبر مجلس الأمن على التحول الديمقراطي، وجددت مهمة بعثة الأمم المتحدة في السودان ويرأسها فولكر بيرتس الذي طالب البرهان بتغييره. ◙ مراقبون يفسرون لجوء واشنطن إلى سلاح العقوبات بقراءتها للمشهد، وأن الجيش لا يريد التخلي عن السلطة خاصة إذا حقق انتصارا حاسما ودعا بيان لمجلس الأمن الجمعة إلى ضرورة قيام الجانبين المتصارعين بوقف الأعمال القتالية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية ووضع ترتيب دائم لوقف إطلاق النار واستئناف العملية نحو التوصل إلى تسوية سياسية دائمة وشاملة وديمقراطية في السودان. ويؤكد البيان أن هناك تفاهمات بين المجتمع الدولي على تسليم السلطة لحكومة مدنية، خاصة أنه صدر بإجماع الأعضاء في المجلس، بمعنى أن روسيا والصين ليست لديهما ممانعات في العودة إلى دعم الاتفاق الإطاري، والذي يعتبره الكثيرون أحد الأسباب المهمة لتفجير الحرب، لأن الكيزان أرادوا تخريبه لاستبعاده لهم. ويقود الإصرار على الالتزام بالعملية السياسية إلى تمسك الجيش بخيار الحرب، باعتبارها الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تغير من قواعد اللعبة، إذا نجح الكيزان في ترتيب أوراقهم وتمكنوا من تحقيق انتصارات حاسمة على الأرض. وحتى هذه قد يكون مشكوكا فيها، لأن الجيش زاد إنهاكه في حروب ضارية من الكر والفر، وقوات الدعم السريع لا تزال تحكم سيطرتها على بعض المنافذ الحيوية في العاصمة الخرطوم، وزاد الغضب على البرهان باعتبار أنه سمح للكيزان بممارسة ألاعيب قاتمة والتي مهدت الطريق نحو الحرب. ووافق المجلس أيضا في اجتماعه الجمعة على تمديد تفويض بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان لمدة ستة أشهر، في إشارة تقلل من أهمية الخطاب الذي أرسله البرهان إلى سكرتير عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وطالبه فيه بإنهاء مهمة رئيس البعثة. وتشير هذه المعطيات إلى زيادة الضغوط التي تمارس على قائد الجيش في السودان لإجباره على تبني سياسات ليّنة، لأن إطالة أمد الحرب يضاعف من استنزاف قواته بعد تسريب معلومات حول ضعف الأداء العام لقوات الجيش في الميدان، بما يرفع من حالة الغضب في صفوف مواطنين صدقوا خطابه الأول حول قدرته على دحر قوات الدعم السريع خلال أيام قليلة. وفسر مراقبون لجوء الإدارة الأميركية إلى سلاح العقوبات بقراءتها للمشهد على الأرض، وأن الجيش لا يريد التخلي عن السلطة، خاصة إذا حقق انتصارا حاسما بعد إعادة الحشد التي قام بها مؤخرا وحث الناس على حمل السلاح واستدعاء الضباط المتقاعدين من الجيش والشرطة وأدت هذه الخطوات إلى شيوع الحرب في مناطق عدة. وراهن هؤلاء المراقبون على أن الولايات المتحدة تتحرك لوضع بعض المفاصل الرئيسية في ملف السودان بين يديها لتحقيق هدفها في العودة إلى العملية السياسية، حيث وجدت أن بعض القوى لا تمانع من استمرار مشاركة الجيش في السلطة، وهو ما يعني العودة إلى النقطة المركزية التي فجرت الحرب. وكشف مصدر سوداني مقيم في الولايات المتحدة لـ”العرب” أن العملية السياسية التي تتبناها واشنطن ستحدد بدرجة كبيرة مصير الحرب والسلام في السودان، فقد حددت الإدارة الأميركية بطريقتها المعهودة طرفين في التفاوض بمشاركة واسعة من القوى المدنية، وهو ما جعل الكيزان ينزعجون من محادثات جدة. ◙ الولايات المتحدة تتحرك لوضع بعض المفاصل الرئيسية في ملف السودان بين يديها لتحقيق هدفها في العودة إلى العملية السياسية وأضاف المصدر ذاته أن الولايات المتحدة عملت بالتنسيق مع السعودية عبر وساطة مشتركة لأسابيع للتوصل إلى هدنة قصيرة ووقف لإطلاق النار بغرض الدخول في المرحلة الثالثة، وهي التفاوض على الحكم المدني وفقا لمرجعية الاتفاق الإطاري. وأكد المصدر أن الولايات المتحدة لا تريد إدخال تعديلات على الاتفاق الإطاري وملحقاته بطريقة تؤدي إلى تغيير قاعدته في استبعاد الكيزان، لكن يمكن توسيع خارطة المشاركة بحيث تشمل لجان المقاومة والحركات المسلحة، فالثابت لدى واشنطن هو “اتفاق إطارى مع إخراج الجيش من السياسة وتسليم السلطة لحكومة مدنية”. وباتت الولايات المتحدة تتعامل مع ملف السودان كقضية محورية وتتخذ سياسات مختلفة لتمكينها من نجاح مقاربتها الجديدة، وثمة رفض من جانبها لمسألة اللجوء إلى البند السابع، أي التدخل بالقوة المسلحة لحفظ السلام، وترى أن ضعف الجيش حاليا يسهم في إنهاء الحرب قريبا من خلال العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية. ويمكن أن تفضي هذه التقديرات لخلاف بين الولايات المتحدة وبعض القوى الإقليمية التي تعتقد أن الجيش السوداني مؤسسة تضمن الحفاظ على وحدة البلاد واستقراره. وتنطوي التحركات الأميركية على تلميح بأن الجيش غير ضامن لهذه المعادلة منذ انخرط في حرب مدمرة، وبعد إخفاقه في إحراز نصر على قوات وصفها بـ"الميليشيا" وعندما ينهار أو يتراجع أمامها فهذا يفرض إعادة النظر في الرؤية التي تراه لازال ضامنا للأمن والاستقرار ووحدة البلاد، فقد دخل اختبارا عمليا ولم يتمكن من تجاوزه.

مشاركة :