بينما كانت التجهيزات قائمة على قدم وساق لإنجاز عرس ولي العهد الأمير الحسين، تواصلت جهود إجلاء الرعايا الأردنيين من السودان الشقيق، ونقلت الطائرات الأردنية أيضاً رعايا من سوريا وفلسطين والعراق، وتمكنت الدبلوماسية الأردنية من تحقيق حضور مهم في القمة العربية الأخيرة في جدة التي شهدت تبنياً للمواقف الأردنية في ملفات حيوية، في مقدمتها الملف الفلسطيني، فالدولة كانت ماضيةً في أعمالها، ولكن العرس بطبيعته لم يترك مجالاً ليكون موضوعاً عائلياً خالصاً، فالعالم سيتابعه، وسيتحصل الأردن على فرصة للظهور المكثف، وعلى الجميع أن يعمل من أجل هذه الغاية. تعليقات الأردنيين ظهرت على سجيتها في الأيام التي سبقت العرس، وخاصة تساؤلات معلقة حول ما يرونه من قدرة على التنظيم والتنسيق، مقارنةً مع بعض أوجه الأداء في أمور أخرى، وفي النهاية، شهد الأردن، في شوارعه وعلى صفحات مواطنيه في مواقع التواصل، حالةً من الاهتمام والمتابعة تؤشر إلى وجود الجوانب الصحية وغلبتها على الرؤى السلبية المختلفة. تحدث المختصون والمقربون، وفي الوقت نفسه الأردنيون البسطاء والعاديون، وبقيت المشاهدات والملاحظات قائمة ومتاحة لقراءات مهمة تتعلق بالأردن، ومع أن الحديث كان يندرج كله تحت الشعار الذي حمله العرس، «نفرح للحسين»، فيمكن بعد أن بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها أن نقول أن الشعار كان يحمل في طياته أيضاً عبارةً لم تنطق على حضورها في كل شيء، وهي «نفرح للأردن». الأردن، القنطرة، وهمزة الوصل بين فضائين عربيين، وبين فكرتي الأصالة والمعاصرة، تجلت في تفاصيل العرس والمناسبات التي سبقته، ففي المأدبة الملكية حضرت مسألتين مهمتين، الأولى، التنوع الثري للأردن، من كفر جايز إلى العقبة، والتوازي بين الريف والبادية، لدرجة أن تساؤلاً حول الصيغة الأردنية لاستيعاب هذه الكثافة من التضاريس الاجتماعية في فضاء جغرافي ليس بالكبير سيطرح نفسه بالضرورة، لتتأتى الإجابة في طبيعة العقد الاجتماعي القائم في الأردن. مأدبة العشاء السابقة على العرس كانت تجسيداً للدولة في الأردن، جميع المؤسسات والروافد، العرش والحكم والمؤسسات والمجتمع، ويمكن القول بأن إعداد القوائم لمثل هذه المناسبة في بلد مثل الأردن يعد في حد ذاته إنجازاً، ولنقل أن المأدبة جمعت ما يتخطى مفهوم الدولة العميقة تجاه فكرة المجتمع العميق، وذكرت بما هو متفق عليها، وطنياً واجتماعياً وفكرياً، وهذه شهادة من الحدث نفسه، وليست من خارجه، فثمة أشخاص ما كان يمكن أن نتخيلهم إلا على طرفي نقيض جمعتهم خيمة واحدة وتصافحوا وتبادلوا الحديث والممازحات. من استدعائها لجميع مفردات التاريخ والتشكل الاجتماعي، كانت المأدبة ومعها حفلة الحناء، وحمام العريس، الوجه الأردني للحدث المهم، لينتقل في اليوم التالي، إلى الوجه العالمي، لتفسح حميمية التواصل الإنساني مكانها للبروتوكول الذي يتبعه الأردن ويقدمه للعالم، بل ويشكل أرضيةً للثقة من شركاء دوليين مهمين يعتبرون الأردن الشريك الاستراتيجي الموثوق للعمل في مجال التنمية وبناء الاستقرار. الفكرة الأساسية الحاكمة تمثلت في البساطة، فالأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم ليست مواتية تماماً، وباستثناء التغطية التلفزيونية والموكب الأحمر والمشاركة الرسمية والشعبية فإن العرس لا يمكن أن يقارن من حيث التكلفة ببعض المناسبات التي تخص بعض الأثرياء في المنطقة العربية. المتابعة والرصد للمواقع والصفحات العربية يمكن أن تلخص النتيجة الإيجابية لظهور الأردن في الإعلام العربي، فالمتابعون العرب كثيراً ما تحدثوا عن النموذج الأردني، وأخذوا يعقدون المقارنات والتي كانت تؤول لمصلحة الأردن، صفحة جلوكال المصرية مع أكثر من أربعة ملايين متابع غطت جوانباً كثيرة من العرس، وبالسياحة بين التعليقات والتفاعل وإعادة النشر وتعليقاته، يمكن أن تعليقات مختصرة ومقتضبة مثل: » فرح محترم لعائلة محترمة ومتواضعة» و"ماشاء الله ع الاحترام والجمال والوقار»، هذه آراء جمهور غير مسيس ولا يحمل مواقفاً مسبقة، والصفحة نفسها، وبخفة الظل المصرية، عنونت مباشرة تغطيتها بتعليق: «سكوت سكوت.. جت الملوك ملوك». لا يخلو الأمر في المقابل، من أكاذيب وتلفيقات تخطت حدود النميمة التي تستهوي البعض وتوقعهم بحسن نية في التفسير المغلوط لصورة أو أخرى، وبعضها كان استهدافاً صريحاً بالتلفيق المفضوح، ومن هذه الإدعاءات أن تكلفة العرس وصلت إلى مليار دينار، وهذه فكرة يمكن تسويقها لمن يعتقدون أن أي شخص يمتلك بيتاً كبيراً وسيارة فخمة مالتيمليونيراً، أو مالمتملياديراً كما يحدث في بعض الجلسات، وتسقط أي متابعة حصيفة هذه الأحاديث المتخرصة، فلا أساطيل سيارات جديدة وضعت لاستقبال الضيوف الذين حضروا بسيارات مختلفة، كما أن أعمال الصيانة بدت محصورة بقصد تخفيض التكلفة، وهو ما رصدته بعض الكاميرات قبل العرس، ومن الشائعات الأخرى، أن الجمهور على جانبي الطريق كان غير حقيقي، وتمت تعبئته بصورة حصرية، وهو الأمر الذي يجعل الشخص يتشكك في جميع أصدقائه ومعارفه الذين نشروا صورهم من موقع الحدث، فهل جميعهم، وبعضهم أثرياء فعلاً، حصلوا على مبلغ صغير للخروج، وسبب هذه الشائعة الخبيثة على ما يبدو، يتعلق بحالة الاستغراب أن الآلاف تحلقو على جوانب الطرقات من غير أن يفكر أحدهم في تنغيص الحدث بإلقاء ولو زجاجة مياه من أجل إرباك الموكب أو الحراسات، ثم في أي بلد على الأقل في المنطقة، يمكن لولي العهد أن يستقل سيارة مكشوفة لمدة ثمانية كيلومترات، والمسألة لا تتعلق بنجاح أمني فقط، ولكن لطبيعة الأردن الخاصة التي يحاول البعض النيل منها في هذه المرحلة. نفرح للأردن، هذه الزاوية المختلفة التي يمكن أن نصلها بعد التنظيم الجميل للحدث، فقد تمكن الأردن من تقديم صورة متميزة، ستعبر عن نفسها في مؤشرات سياسية مع الوقت، وأخرى اقتصادية ستتعلق بالسياحة تحديداً. على الجانب السياسي، وفي عجالة، يمكن قراءة خيارات الأردن السياسية من الجانب الرسمي في العرس، وبوضعها إلى جانب مشاركة الأردن في القمة العربية الأخيرة، وما حققه في إعلان جدة بعد القمة العربية الأخيرة، يمكن الوقوف على مهام كثيرة ومحاور متعددة ستستحوذ على تفكير الأردن وتوجهاته في المرحلة المقبلة، فالعرس لم يكن مناسبةً عائليةً خالصة، ولكنه، كأي عرس ملكي، فرصة لقراءات كثيرة. الرأي
مشاركة :