لفت نظرنا البيان الصادر عن هيئة أسواق المال بعنوان «هيئة الأسواق تستغرب القصور الشديد في فهم اللائحة التنفيذية من خبراء القانون»، والذي يردّ على المقال الذي تم نشره من قِبلِنا، وهو لا يخرج عن نقد قانوني موضوعي ليس بغرض التقليل من الهيئة التي نكنّ لها كل تقدير واحترام، ولذا فإن تعقيبنا لن يخرج عن نطاق المحتوى القانوني. وأشارت الهيئة، ضمن بيانها صراحةً، الى التيسير في إجراءات الانسحاب، وتأكيد أن الأمر يرجع الى الجمعية العامة، على اعتبار أن الجمعية العامة للشركة هي مصدر السلطات، ولها الكلمة العليا، وتقوم الإدارة بتنفيذ قراراتها مادامت لا تخالف أحكام القانون. ولكن ماذا لو قررت الجمعية العامة بأغلبية 75 بالمئة من الحضور الانسحاب من البورصة لأسباب تراها تحقق مصالح الشركة، وكان هناك اعتراض من أقلية للمساهمين، أو عدم موافقة من الهيئة؟ وبالرجوع إلى اللائحة التنفيذية لقانون هيئة أسواق المال، الكتاب الثاني عشر (قواعد الإدراج)، يتضح أن من شروط الانسحاب الاختياري الحصول على موافقة هيئة أسواق المال، فضلاً عن أحقية المساهمين الذين يملكون نسبة لا تقل عن 5 بالمئة، ولا تزيد على 30 بالمئة في الاعتراض أمام الهيئة على قرارات الجمعية العامة العادية أو غير العادية. ومن هنا يتضح أن الانسحاب الاختياري من البورصة ليس قرار الجمعية العامة فقط، بل قرار مشترك بين الجمعية وهيئة أسواق المال. وقد تضمنت اللائحة أحقية الهيئة في رفض طلب الانسحاب من دون أن تحدد ما هي الحالات التي يحق للهيئة، في حال توافرها، رفض طلب الانسحاب، هذا فضلاً عن أحقية الهيئة برفض طلب الانسحاب في حال اعترض عليه مساهمون يملكون نسبة لا تقل عن 5 بالمئة ولا تزيد على 30 بالمئة على اعتبار أنهم أقلية، وتفرض الهيئة لهم المزيد من الحماية في حال رأت ان قرار الانسحاب يمس بحقوقهم. فمن الواجب أن تكون هناك قواعد موضوعية تتضمن تحديداً دقيقا للحالات التي يجوز للهيئة رفض منح الموافقة على طلب الانسحاب الاختياري من البورصة لحماية حقوق الأقلية، إذ إن مصطلح حماية حقوق الأقلية يحتمل عدة أوجه، ويمكن لكل طرف أن يدّعي بأن قراره يحقق تلك الحماية للأقلية. وحقيقة الأمر أن تدخّل الهيئة في قرارات الجمعية العامة بحجة حماية الأقلية على النحو السالف الذكر ينتج عنه العديد من الإشكاليات في الواقع العملي، ومنها ما يلي: 1) أن اللائحة التنفيذية اشترطت موافقة الهيئة على طلب الانسحاب من البورصة من دون وضع قيود على الهيئة لتحديد أسباب رفض طلب الانسحاب، وهو ما يجعل للهيئة سلطة مطلقة في رفض طلب الانسحاب أو قبوله. 2) كثير من الشركات قررت الانسحاب من البورصة للتخلص من الخضوع لضوابط الهيئة، والتي أصحبت تمثّل عبئاً ثقيلاً عليها، فحقيقة الأمر أن الهيئة أصبحت هي الخصم والحكم في تقرير أحقية الشركة في الانسحاب من البورصة. 3) تداخل الاختصاصات بين هيئة أسواق المال والمحكمة المختصة بنظر الطعون على قرارات الجمعية العامة، وفقاً لأحكام قانون الشركات، الذي منح للمساهمين - الذين يملكون نسبة أقل من 15 بالمئة من رأسمال الشركة - الحق في الطعن على قرارات الجمعية العامة، ويجوز للمحكمة في هذه الحالة إلغاء قرارات الجمعية أو تأييدها، أو إرجاء تنفيذها لحين الوصول إلى تسوية مناسبة لشراء أسهم المعترضين. حيث يحق للمساهمين سالفي الذكر الطعن على قرار الجمعية العامة أمام المحكمة، وكذلك يحق لهم التقدم بتظلم من قرار الجمعية العامة أمام الهيئة، وفي حال رفض الهيئة للتظلم يحق للمساهم الطعن على قرار الهيئة بالرفض أمام المحكمة. 4) التعارض في تحديد النسبة التي تمثّل أقلية المساهمين بين قانون الشركات، والذي اعتبر المساهمون الذين يملكون أقل من 15 بالمئة هم الأقلية، وبين اللائحة التنفيذية لقانون هيئة أسواق المال التي اعتبرت المساهمين الذي يملكون نسبة لا تزيد على 30 بالمئة هم الأقلية. وما سبق عرضه يتطلب تدخلاً من الهيئة بتعديل اللائحة التنفيذية لقانون هيئة أسواق المال، لوضع آليات تتناسب مع صلاحيات الجمعية العامة للشركة في تقرير مصيرها عن طريق تحديد ضوابط وأسباب وحالات واضحة لرفض قرار الجمعية العامة بالانسحاب من البورصة، وذلك من دون اللجوء إلى الأسباب الفضفاضة غير الواضحة المعالم، مثل حماية حقوق الأقلية أو حماية السوق، وغيرها من الأسباب التي تمنح الهيئة صلاحية مطلقة في هذا الشأن، من دون جود معيار موضوعي دقيق لها.
مشاركة :