المكونات الجمالية في القصيدة الشعبية الإماراتية

  • 2/23/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تستند القصيدة الشعبية الإماراتية في مكوناتها الجمالية، على ما قدمته القصيدة الفصيحة في تاريخها الطويل الممتد منذ القصيدة الجاهلية إلى اليوم، إذ تنكشف الرؤية الجمالية للشاعر في السياق ذاته، وتتجلى الصور التشبيهية مماثلة لما يقابلها في الشعر العربي الفصيح، وكأن الشعراء رغم اختلاف مشاربهم ينحدورن من منبع إبداعي واحد. ينكشف ذلك الامتداد التاريخي للقصيدة الشعبية، في أكثر من مستوى، إذ يظهر في الصور الفنية، والموضوعات، واللغة، والشكل البنائي، وحتى الأساليب، وتطور المدارس، فتكاد تكون القصيدة الشعبية الإماراتية، رغم تاريخها الذي يرجح المؤرخون أنه لا يتجاوز قرنين من الزمن، مقابلاً للقصيدة العربية الفصيحة المؤرخ لها بمعلقة امرئ القيس، يؤكد ذلك المعجم اللغوي. فالصورة الجمالية التي يوظفها الشاعر الإماراتي اليوم في قصائده، على الرغم من استخدامه للهجة العامية، لا تختلف كثيراً عما هو في اللغة الشعرية الفصيحة، كما أن جذور الكثير من الألفاظ تؤكد ارتباطها بالفصيحة، إضافة إلى توظيف الصور الفنية والكنايات، والاستعارات، هي ذاتها كما ظهرت في القصيدة الجاهلية، والأموية، والعباسية من تاريخ الشعر العربي الفصيح. يتجلى ذلك كله، عند التوقف عند واحدة من أغراض الشعر، وحين عقد مقارنة تحليلية لنصوص ونماذج من الشعر الشعبي الإماراتي، فالباحث في تمثلات القصيدة الإماراتية الشعبية في أغراض الغزل، يجد مثيله في تلك الصور التي قدمها شعراء سبقوهم بزمن يقدر بأكثر من ألف وثلاثمئة عام، وهذا يثير جملة من التساؤلات التي لم تلقَ حقها من الدراسة في مدونة الشعر الشعبي الإماراتي. أسئلة كثيرة تلح على الباحث وهو يجري مقارنة تحليلية على الشعر الشعبي المحلي، فهل ولدت القصيدة الشعبية من رحم القصيدة الفصيحة وفي سياق المشافهة التي عرفها تاريخ القصيدة العربية ما قبل التدوين؟ أم يشترك فضاء الشعراء الشعبيين الإماراتيين من حيث المحمول الطبيعي، والثقافي، والاجتماعي، مع ما شهده شعراء العصور الثلاثة الأولى للقصيدة العربية الفصيحة؟ وإلى أي حد يمكن الحديث عن تعميم الصورة الفنية في الشعر العربي بكل أشكاله؟، وهل لذلك علاقة في مستويات تحديث الشعر الذي شهد أوجه خلال المئة عام الفائتة في الشعر الفصيح؟ تظل الإجابة على تلك التساؤلات رهن البحث، إلا أنها تؤشر بصورة واضحة على المواضع التي تشترك فيها القصيدة الفصيحة مع القصيدة الشعبية المحلية، ففي غرض الغزل المعروف في الشعر العربي، يجد الباحث أن الشعراء الإماراتيين ظلوا يعيدون الصور ذاتها التي قدمها الشعر الفصيح قبل أكثر من ألف عام، فلم يغب وصف شَعر المرأة بالليل، ولم يغب تشبيه جمال أسنانها باللؤلؤ، ولا حتى تحول وصف الشوق إلى النار التي تكوي القلب، وغيرها الكثير من الصور الغزلية التقليدية في الثقافة الشعرية العربية. يقول الشاعر راشد الخضر في قصيدة غزلية له: وخد حمل ورد أو زيتون وحبات خال يا سلاما وثغر حكى اللؤلؤ المكنون وخشم قلط جنه إماما غالي وبه أهله ايغالون وارواحنا له في المساما يظهر في الأبيات الثلاثة السابقة امتثال الشعر الشعبي المحلي إلى مخيال القصيدة الفصيحة التاريخي، فلا تقدم الصورة الشعرية أي جديد في وصف المحبوبة وإنما تنوع في الوزن والقافية وتعيد كتابة المكتوب باللهجة المحلية، فتشبيه خد المرأة بالورد، والتغني بحبة الخال بوصفها عنصراً جمالياً، ظل قائماً في القصيدة الفصيحة منذ نشأتها حتى اليوم، وكذلك الحال في وصف الثغر باللؤلؤ المكنون، ناهيك عن أن أشهر أبيات الغزل العربي ترسم مثل هذه الصور كما هي على سبيل المثال في شعر أبي تمام الذي قال قبل مئات السنين: وأقْسَمَ الوَرْدُ ايمَاناً مُغَلَّظَةً ألاّ تُفارِقَ خَدّيْهِ عجائِبهُ كَلَّمتُه بِجفُونٍ غيرِ ناطِقَةٍ فكانَ مِنْ رَده ما قالَ حاجِبُه الحُسْنُ مِنهُ على ما كنتُ أعهَدُهُ والشَّعْرُ حِرْزٌ له مِمَّنْ يُطالِبُهُ ويتكرر الشأن ذاته في توصيف حدة الشوق، ولوعة العاشق في صد محبوبته، إذ تحضر صورة اشتعال النار في القلب، والأحشاء، وهي صورة حسية تشكل مقاربة بين ألم الشعور، وواقع ألم الحرق في حقيقته الواقعة، إذ ظل مخيال الشعر العربي ينظر إلى النار بوصفها أعلى مستويات التعذيب، فلم تغب صورة الكي، والاشتعال، والنار، واللهب، والحريق، عن قاموس الشعراء لدى توصيفهم للاشتياق أو الفراق، أو الصد، أو غيرها من حالات العشق. يقول الشاعر أحمد بن علي الكندي: شعلت النار في باطن حشايا تعذبني وقلبك ما يلييني ألا يا عاذليني في هوايا أنا ما أسمع لكم يا عاذليني طريق الحب بالني بلايا ومكتوباً على صفحة جبيني وهذا تماماً ما يقوله الشاعر قيس بن الملوح في توصيف عشقه وهيامه لليلى، إذ تحضر النار في السياق الشعري العربي، وتأخذ أبعد مداها الجمالي ليقول الشاعر مخاطباً نديمه: إن قلبه يشتعل إلى الحد الذي يدعو صاحبه للاحتماء بنار قلبه من برد الشتاء ورياحه، فيقول: يا موقد النار يذكيها ويخمدها قر الشتاء بأرياح وأمطار قم فاصطل النار من قلبي مضرمة فالَّوْرقُ يُضْرِمُهَا يا مُوقِدَ النَّارِ ويا أخا الذود قد طال الظماء بها لم تدر ما الري من جدب وإقتار ويكاد الشاعر سعيد بن أحمد العتيبة يرسم صورة شعر المحبوبة التي عرفها شعراء العصر العباسي والقصائد الأندلسية، ومن قبلها قصائد الشعر الجاهلي، المرهونة في تشبيه الشعر بحلكة الليل لشدة سواده، فهو يعود إلى الصورة التي رسمت في الثقافة العربية لجمال شعرها، فيقول: يا بو يديل ساجي على امتنه مردود اسود وليل داجي امعثكل با ورود خلا دمعي سواجي بو مضمر مجلود ويظهر وصف أبي النواس كشاهد على رسوخ القصيدة التقليدية بكامل محمولها في ذهنية الشاعر الشعبي الإماراتي، إذ سبق أن قال أبو نواس وهو من الشعراء العباسيين، واصفاً جمال جارية كان يراقبها: رَأَت شَخصَ الرَقيبِ عَلى التَداني فَأَسبَلَتِ الظَلامَ عَلى الضِياءِ فَغابَ الصُبحُ مِنها تَحتَ لَيلٍ وَظَلَّ الماءُ يَقطِرُ فَوقَ ماءِ فَسُبحانَ الإِلَهِ وَقَد بَراها كَأَحسَنِ ما يَكونَ مِنَ النِساءِ يمكن قراءة تلك السمات المشتركة في الشعر الشعبي الإماراتي على أكثر من مستوى، وفي تجليات عديدة، لتفرض أسئلة القصيدة الشعبية نفسها على ساحة البحث والنقد بوصفها مكوناً إبداعياً تراثياً لا يقل مكانة وجمالية عن القصيدة الفصيحة.

مشاركة :