تكتسب العلاقات السعودية الصينية زخما متزايدا خلال السنوات الأخيرة، عطفا على العديد من الدوافع وفي مقدمتها النهضة العلمية والتقنية التي تشهدها بكين خلال العقود الأخيرة، والتي وضعتها في المرتبة العالمية الثانية من حيث قوة الاقتصاد وحجم الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى التقدم التكنولوجي المتسارع. وفي المقابل فإن المملكة العربية السعودية تمر بمنعطف تاريخي هام من تاريخها، حيث تعيش أفضل مراحلها وتشهد نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية غير مسبوقة على هدي رؤية المملكة 2030 التي أوجدت واقعا فريدا واشتملت على إنشاء مشاريع عملاقة تسابقت كبريات الشركات العالمية للمشاركة في تنفيذها على أرض الواقع. ويعود تاريخ التعاون التجاري بين الصين والدول العربية عموما إلى عهود بعيدة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين خلال العام الماضي أكثر من 1.6 تريليون ريال سعودي بنسبة نمو وصلت إلى 31% مقارنة بالعام الذي سبقه. هذا الحجم الكبير من التبادل التجاري تشارك فيه المملكة العربية السعودية بنصيب كبير يبلغ حوالي 27% (حوالي 400 مليار ريال)، بنسبة نمو تجاوزت 32% عن العام 2021، وتعدّ الصين هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة حيث تستورد منها معظم احتياجاتها النفطية، مما يؤكد على متانة العلاقة التجارية والاقتصادية بين البلدين. وفي ظل مساعي المملكة لتنويع مصادر دخلها الاقتصادي وفق مستهدفات رؤية 2030، فقد ازدادت علاقاتها مع الصين قوة ومتانة، حيث ترغب الرياض في الاستفادة من التجربة الصينية المدهشة، لا سيما فيما يتعلق بتوطين التقنية، ونقل تجربتها الصناعية المثيرة للإعجاب والتي تجمع بين الجودة العالية والأسعار التنافسية. في المقابل فإن بكين ترغب في تكوين تحالفات اقتصادية متينة وأبدت حرصا كبيرا على ترقية علاقاتها الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص لأنها تمثل لها فرصا استثمارية هائلة في ظل ما تشهده من تطور وازدهار، إضفة إلى أنها بوابة رئيسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي ظل هذه الرغبة المشتركة جاءت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة في شهر ديسمبر الماضي، بدعوةٍ من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- حيث تزامنت الزيارة مع انعقاد القمة السعودية الصينية، وإطلاق أول قمة عربية صينية، وقمة خليجية صينية، والتي أثمرت جميعها عن توقيع اتفاقياتٍ استثماريةٍ بقيمة 50 مليار دولار. لكل تلك المعطيات، فإن مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين الذي سيعقد خلال الفترة من 11 إلى 12 يونيو الجاري سيكون تتويج لتلك الجهود، وتجسيدا للرغبة المشتركة بين الجانبين لتطوير علاقاتهما المشتركة بما يحقق مصالح جميع الأطراف، لا سيما بعد اكتمال كافة عناصر نجاحه. فالمؤتمر الذي يحظى بمشاركة 2000 من القادة ورواد ورجال الأعمال من كافة الدول العربية سيكون فاتحة عهد مزدهر وبداية مرحلة جديدة من التعاون الذي حتما لن يقتصر على مجال التجارة والأعمال، لأن التجربة الصينية الناجحة تظل مصدر إلهام للدول النامية، خصوصا في مجالات ريادة الأعمال، وتنمية الكوادر البشرية، وتعزيز قدرات الشباب، وتخريج أجيال جديدة من العناصر التي تتمتع بالمعرفة والرغبة في الإنجاز.
مشاركة :