حكومة لبنان تتمسك بالإجماع العربي وتقرّ جولة خليجية لإزالة الشوائب

  • 2/23/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أكد مجلس الوزراء اللبناني في جلسة استثنائية استمرت نحو سبع ساعات وبالإجماع «وقوف لبنان الدائم إلى جانب إخواننا العرب وتمسكنا بالإجماع العربي». بعد انتهاء الجلسة التي استمرت من العاشرة صباحاً إلى الخامسة عصراً، في غياب وزير العدل المستقيل أشرف ريفي، تلا رئيس الحكومة تمام سلام البيان الختامي وفيه: «عقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية لمناقشة الموقف بعد قرار المملكة العربية السعودية القاضي بإيقاف المساعدات المخصصة لتسليح وتجهيز الجيش والقوى الأمنية والمواقف المؤيدة الصادرة عن دول مجلس التعاون الخليجي. وخلص إلى ما يأتي: أولاً: «انطلاقاً من نص الدستور القائل إنّ لبنان عربي الهويّة والانتماء، وعضو مؤسّس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزمٌ مواثيقها، وانطلاقاً من العلاقات الأخويّة التاريخيّة التي تربطه بالإخوة العرب ومن الحرص على المصلحة العليا للجمهورية اللبنانية بما يصون الوحدة الوطنية اللبنانية؛ فإنّنا نؤكد وقوفنا الدائم إلى جانب إخواننا العرب، وتمسّكنا بالإجماع العربيّ في القضايا المشتركة الذي حرص عليه لبنان دائماً. ثانياً: إنّ مجلس الوزراء يجدّد تمسكه بما ورد في البيان الوزاري لحكومة «المصلحة الوطنية» من أن علينا، في هذه الأوقات العصيبة التي تمرّ بها منطقتنا، أن نسعى إلى تقليل خسائرنا قدر المستطاع، فنلتزم سياسة النأي بالنفس ونحصّن بلدنا تجاه الأزمات المجاورة ولا نعرّض سِلمَه الأهلي وأمانَهُ ولقمة عيش أبنائه للخطر. ثالثاً: إنّ لبنان لن ينسى للمملكة رعاية مؤتمر الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان، ومساهمتَها الكبيرة في عملية إعمار ما هدمته الحرب، ودعمَها الدائم في أوقات السلم لمؤسساته النقديّة والاقتصادية والعسكرية والأمنية. كما لن ينسى أنّ المملكة، وباقي دول الخليج العربي والدول الشقيقة والصديقة، احتضنت ولا تزال مئات الآلاف من اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب، الذين يساهمون بجهودهم في نهضة هذه المنطقة العزيزة من عالمنا العربي وينعمون بالأمان والاستقرار في ربوعها. رابعاً: إنّ مجلس الوزراء يعتبر أنه من الضروري تصويب العلاقة بين لبنان وأشقائه وإزالة أي شوائب قد تكون ظهرت في الآونة الأخيرة. خامساً: تمنّى مجلس الوزراء على رئيسه إجراء الاتصالات اللازمة مع قادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تمهيداً للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزاري لبناني لهذه الغاية». وقال سلام رداً على سؤال عن إدانة الاعتداء على السفارة السعودية في إيران: «موضوع الإدانة حصل في مناسبات عدة من قبل كل المسؤولين من دون استثناء. واليوم كما حصل في الماضي ندين أشد الإدانة ما تعرضت له سفارة المملكة في إيران وكل ما يتعارض مع المواثيق الدولية. وهذا الموقف من صلب موقفنا الدائم». وعما إذا كانت المملكة أول محطة في جولته العربية أجاب: «طبعاً المملكة أم الجميع وهي كبيرة الجميع وكنا دائماً على حرص أن يكون التواصل معها ومن الطبيعي أن يكون أي تحرك بالمملكة العربية السعودية». وعندما قيل له أن هناك من يقول أنه عندما صنفت المملكة حزب الله كمنظمة إرهابية لم تستنكر الحكومة اللبنانية، أجاب: «لو لم نستنكر لما أخذنا الموقف الذي أخذناه». وعن الضمانات كي لا يكرر حزب الله مواقفه من المملكة أجاب: «قلنا بوضوح أن همنا توطيد وتوثيق علاقات الإخوة مع إخواننا العرب وخصوصاً مع المملكة». وكيف سيترجم الإجماع العربي في قضايا خلافية كسورية واليمن؟ أجاب: «لا أريد أن أدخل في التفاصيل، الموقف واضح، حرصنا واضح ونسعى إليه بتعاون الجميع وهذا البيان صادر بإجماع مجلس الوزراء».   مداخلة سلام وعلمت «الحياة» أن سلام استهل الجلسة بمداخلة اعتبر فيها أن «القرار السعودي بوقف المساعدات العسكرية للبنان لا شك في أنه خطير وقاس، لكني لا يمكن إلا أن أتفهم ما قاموا به، فالمملكة تتعرض منذ مدة لحملة سياسية وإعلامية من أطراف في لبنان تخطت الحدود وبتنا نسمع كلاماً غير مسبوق وعبارات مقذعة وغير لائقة وشعارات متمادية ضد المسؤولين السعوديين، لا سيما في الضاحية الجنوبية». وأضاف: «كل هذا في وقت لم تقصر السعودية معنا، ولم تتردد في مساعدتنا والتضامن معنا. فهي ساعدتنا على إعادة إعمار ما تهدم بعد الحرب ثم بعد العدوان الإسرائيلي عام 2006 ولم تفرق بين اللبنانيين ودعمت اقتصادنا في كثير من المحطات التي كنا فيها نعاني من المشكلات، وسبق لها أن احتضنت اللبنانيين كي يتوصلوا الى اتفاق الطائف ووقف الاقتتال الداخلي... والآن ماذا علينا أن نفعل بعد الذي حصل؟ الأكيد أن لا مصلحة لنا بهذا الوضع الذي وصلنا إليه». وتابع: «إذا كان من خلل حصل في الموقف مما تعرضت له المملكة من اعتداء على سفارتها وقنصليتها، فإننا في هذا الاجتماع يفترض بنا أن نصحح هذا الخلل على أساس أننا جزء عضوي من المنظومة العربية والإجماع العربي في إدانة ما تعرضت له». وشدد سلام على «أننا نأينا بأنفسنا عن الأزمة السورية، لكن لا يمكن أن ننأى بأنفسنا عن الإجماع العربي. وهذا في صلب سياستنا الخارجية تاريخياً». ودعا سلام الوزراء إلى «نقاش شفاف وهادئ للخروج بموقف يأخذ في الاعتبار الحفاظ على وحدتنا الداخلية من جهة، وتأكيد أننا جزء من الإجماع العربي والمنظومة العربية». وأوضح مصدر وزاري آخر لـ«الحياة» أنه أعقب مداخلة سلام نقاش هادئ، أدلى خلاله وزير الصناعة حسين الحاج حسن بمداخلة مطولة عن الوضع الإقليمي، أشار فيها الى أن التضامن العربي يجب أن يطبق على الأزمة السورية والتضامن مع سورية، وشعب اليمن. وقال المصدر إن الحاج حسن تابع قائلاً إن المملكة العربية السعودية تدخلت في اليمن وفي سورية وفي البحرين «ضد الأكثرية فيه»، وأضاف المصدر أن مداخلتي الحاج حسن ووزير الدولة محمد فنيش «اتسمتا بالقسوة ضد المملكة وسياستها في المنطقة، لكنها اتسمت باللين في ختامهما، إذ أشار الحاج حسن الى أنه إذا كان المطلوب أن نؤمن مصلحة لبنان بعد الموقف السعودي فلا بد أن نبحث في ذلك». وعلمت «الحياة» أن مداخلات وزيري «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والياس بوصعب تميزتا بالهدوء، إذ قال باسيل: «أنا أخذت موقفاً في الجامعة العربية وفي مؤتمر وزراء منظمة التعاون الإسلامي يدين الاعتداءات على سفارة المملكة، وإذا كان النأي بالنفس عن البيان الذي تناول «حزب الله» أسيء فهمه فأنا أكرر أننا متضامنون مع المملكة ضد التدخل في شؤونها، وأنا لا مانع عندي من أن يصدر البيان عن مجلس الوزراء لتصحيح الموقف». وتحدث وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس قائلاً للحاج حسن: «إن مداخلتك بليغة لكن لا تعتقد أنك وحدك البليغ، فالوزير نهاد المشنوق (الداخلية) قد يدلي الآن بمداخلة بليغة أيضاً ويرد عليك. هل نحن أمام استماع للمطالعات أم أننا في ورطة علينا أن نبحث كيف نخرج منها؟». وأضاف: «السياسة هي فن المحافظة على مصالح الدولة، لا سيما مصالحها الاقتصادية مع دول الخليج العربي»، وقال: «مشكلتنا في البلد أن السجال خارج الجدران الأربعة يأتي أقوى بكثير مما يجري داخلها، والصدى يأتي أعلى بكثير من الصوت الأصلي. وعليكم أن تخفضوا اللهجة بمستوى ما يحكى خلال الحوار بين المستقبل وحزب الله». وأشار المصدر إلى أن الوزير المشنوق في رده على الحاج حسن قال: «إن هناك محاولة استباحة إيرانية لعدد من الدول العربية، وفي المقابل هناك من يدافع عن نفسه، أي المملكة، لكنكم أنتم بانخراطكم في هذا الصراع تقحمون معكم البلد، وهذا يؤدي الى خراب بيتنا». كما رد وزير الصحة وائل أبو فاعور على كلام وزيري «حزب الله» قائلاً: «إيران هي التي تدخلت في اليمن والبحرين وأينما كان، أما السعودية فهي تدافع عن نفسها إزاء التدخل الإيراني. أنا أستغرب أن يكون قلبك على الأكثرية في البحرين ولا تلتفت إلى الأكثرية في سورية». وأفاد المصدر بأن النقاش حول صيغة البيان الذي كان سلام أعده لإذاعته تشعب، وأدى الى اتصالات وجلسات جانبية على هامش الجلسة، لا سيما بين وزير المال علي حسن خليل وبين وزير الدولة محمد فنيش (حزب الله). وعلمت «الحياة» أنه بعد نقاش مطوّل طرح سلام صيغة البيان التي أدخلت عليها تعديلات نتيجة المداولات، فتمت الموافقة عليها من «حزب الله»، إلا أن الوزير نهاد المشنوق اعترض على ربط التزام التضامن العربي مع عبارة ضمان الوحدة الوطنية، حتى لا تكون حجة لمن يرفض التضامن مع الدول العربية أو الخليجية في موقف ما بأن يحول دون إصدار هذا الموقف، ما أدى الى إعادة السجال لمدة أخّرت إصدار البيان. وقالت مصادر وزارية لـ «الحياة» إن اتصالات مكثفة جرت ليل أول من أمس بين سلام وزعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط مهدت لجلسة اليوم. وأوضحت المصادر أن بري كان متفهماً لدعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع واتخاذ موقف يعالج الأزمة مع المملكة العربية السعودية، وأنه وافق سلام على التأكيد على مبدأ انسجام لبنان مع الإجماع العربي والتضامن مع سائر الدول العربية، وعلى التمييز بينه وبين النأي بالنفس عن الأزمة السورية. وذكرت المصادر أن بري أجرى اتصالات مع قيادة «حزب الله»، داعياً إياها الى تسهيل صدور موقف يجمع بين النأي بالنفس عن سورية وتأكيد التضامن مع الدول العربية. وكان سلام تسلّم من وزير العدل أشرف ريفي كتاب استقالته خطياً.

مشاركة :