هناك الكثرة من الناس التي تحب نفسها حباً جماً، فتبالغ في لصق الصفات والسمات عليها، وتعجب بذاتها أشد العجب، تعلو بها وتتباهى، والنفس أن لم تروض، ويكبح جماحها، وتلجم بلجام الأدب والاستقامة والورع، تتمادى في الغي والضلال والسقوط، وتصبح لها خطورة، وتدفع بصاحبها نحو الردايا والرزايا والمهالك. إن اتباع هوى النفس، وتحقيق مبتغياتها وشهواتها دون قيد أو مصد أو حاجز، وتركها تسرح وتمرح، بعيداً عن الضوابط الأخلاقية والسلوكية والقيم النبيلة، ينتج نتائج سلبية غير قويمة تضر بصاحبها أيما ضرر، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}. إن تزكية النفس من الأدران والشوائب، غاية مهمة، وعمل مطلوب، فطوبى لمن حاسب نفسه قبل أن تحاسب. إن الإنسان استطاع أن يتعامل مع كل الأشياء الخطرة، كالنار والريح والطاقة النووية وغيرها، ووجهها لما ينفعه، وأدارها بحكمة، وروّضها لصالحة، لكنه في الغالب يعجز أن يروّض نفسه حتى تذهب به إلى الهلاك، لأنه انقاد إلى شهواته بعجل، بعيداً عن العقل والتعقل، والبصر والبصيرة. إن صاحب العقل السليم، والفطرة النقية، لن يتبع هوى النفس، ولن ينطلق خلفها بعجاله ويركض، بل يروِّضها ويذلِّلها لتكون له ضمانه من الشرور والخزايا، لأنه يدرك تماماً أن اتباع هوى النفس يحدث الفوضى، ويخل بالقيم والموازين، وينتج بلبلة في كنف الهدوء. إن النفس الزكية ترفع صاحبها إلى المراتب العليا، تشرق به، وتحسن تصرفه، وتبعده كثيراً عن الأنواء والأعاصير، تقلِّل رغباته، وتجمح شهواته، وتأخذه إلى فضاءات البياض والنقاء. إن مجاهدة النفس ومحاسبتها، لا تحتاج إلى قوة خارقة، وقدرة رهيبة، ولكنها عملية سهلة وبسيطة وميسرة، وهي غلب هواها، وكبح مبتغاها، وكسر شهوتها، والبعد عن مثيرات هيامها، وتهذيبها بأحسن الصفات والأخلاق، وتعويدها على ممارسة الخير، وتغيير أهدافها، والتعايش معها بأمن وأطمأنانية، والسير في الطرق السليمة الواضحة، بعيداً عن دهاليز العتمة، وممرات السوء والظلمة، قال الشاعر: قلبي الى ما ضرّني داعي يُكثر أتعابي وأوجاعي كيف احتراسي مِنْ عدوي اذا كان عَدّوي بين أضلاعي
مشاركة :