رغم فوز الفيلم المصري «19 ب» في الدورة الماضية لمهرجان القاهرة السينمائي بثلاث جوائز وصفت بأنها «مُهمة»، فإنه حقق إيرادات ضعيفة للغاية منذ بدء عرضه في نهاية شهر مايو (آيار) الماضي. ويصف نقاد وخبراء، الموسم السينمائي الحالي، بأنه «ميت»، حيث تتضاءل فيه فرص نجاح الأفلام جماهيرياً، لتزامنه مع امتحانات نهاية العام، ووقوعه بين موسمي عيد الفطر والأضحى. وبدأ قبل أيام في مصر عرض فيلم «19 ب» الذي يلعب بطولته الفنان سيد رجب، وأحمد خالد صالح، وناهد السباعي، وفدوى عابد، ومجدي عطوان، ومن تأليف وإخراج أحمد عبد الله السيد، أحد أبرز صناع السينما المستقلة في مصر، ومن إنتاج «فيلم كلينك» (المنتج محمد حفظي). وحقق الفيلم إيرادات قدرها 124 ألف جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 30.9 جنيه مصري)، خلال الأيام الأربعة الأولى لطرحه مما جعله في ترتيب متأخر مقارنة بالأفلام المعروضة. وفاز الفيلم في مهرجان القاهرة بجائزة «أفضل فيلم عربي» و«أفضل إسهام فني» لمدير التصوير مصطفى الكاشف، و«جائزة الاتحاد الدولي للنقاد» (فيبرسي)، بجانب مشاركته في مهرجانات أخرى، من بينها «مالمو للسينما العربية»، و«هوليوود للفيلم العربي». مشاهد الفيلم الأولى تستعرض ملامح حياة هادئة، ينأى صاحبها العجوز، حارس العقار القديم (يجسد دوره سيد رجب) عن صخب الشارع ويختار العزلة، لا يطلق المخرج على بطله اسماً، إذ تتضاءل هنا أهمية الأسماء، حيث تتقاطع حياته مع كثيرين من أمثاله. عبر راديو تنبعث منه أغنية قديمة موحية «في قلبي غرام» للمطرب محمد عبد المطلب، يقوم البطل بإعداد مشروبه المفضل (شاياً بالنعناع) ويعمل على تجهيز الطعام لأصدقائه من القطط والكلاب التي تسكن الفيلا - الخاوية من الأثاث والآيلة للسقوط، جنباً إلى جنب مع الفئران في تآلف مثير، تقتصر حياة حارس الفيلا على ثلاثة أشخاص فقط؛ ابنته المتزوجة (ناهد السباعي) التي تزوره بين الحين والآخر، ساعية لإقناعه في كل زيارة بأن ينتقل للعيش معها، لكنه يتمسك بحياته والفيلا التي ائتمنه عليها صاحبها قبل وفاته وهجرة أبنائه، وصديقه حارس البرج السكني الذي يجاوره ويحتسي معه الشاي (مجدي عطوان)، وطبيبة تعشق الحيوانات وتتابع تطعيماتها وعلاجها (فدوى عابد)، إلى جانب حيواناته التي تمثل عالمه الأثير. يتداعى عالم الحارس العجوز وتتفاقم أزمته، حين يباغته شاب مفتول العضلات (أحمد خالد صالح) يعمل سائساً للسيارات، وقد خرج لتوه من السجن، ويسعى لاقتحام مساحة الحارس الخاصة، مستغلاً كبر سنه وضعفه، ويجد الحارس نفسه في مواجهة لم يتوقعها، غير أنه يتصدى بقوة للمقتحم الغاشم؛ هذه المواجهة الحتمية تجعله يعيد اكتشاف نفسه من جديد. تعد الحيوانات محوراً رئيسياً بالفيلم، استعان المخرج بـ12 كلباً وقطاً، حيث تدفع بالأحداث إلى ذروتها، حينما يتم وضع السم لأحد الكلاب. وبحسب الناقد أندرو محسن، فإن المخرج أحمد عبد الله السيد قدم فيلماً متماسكاً، محكماً في موضوعه، واضحاً في فكرته، وهو أحد الأفلام المهمة في مسيرته مخرجاً، جمع فيه بين المستوى الفني والفكرة الإنسانية، مدافعاً فيه عن حق كل إنسان في مساحته الخاصة، مشيراً إلى «تميز عناصر فنية عديدة كالتصوير والإضاءة اللذين ساهما في خلق أجواء خاصة بالفيلم». وأشاد محسن بأداء أحمد خالد صالح لشخصية (تقع في المنطقة الرمادية)، فقد يعده البعض «بلطجياً»، وقد يراه البعض الآخر شخصاً يبحث عن رزقه لكنه يتسم بالعنف، ويرى أن صالح قدمها بشكل متوازن محافظاً على شعرة رقيقة تفصل في الأداء بينهما، كما رأى أن الفنان سيد رجب جسد حالة توحد البطل مع الحيوانات، غير أنه يعيبه أنه أدى أدواراً مماثلة لها من قبل. وحول توقيت عرضه ومدى إمكانية أن تشفع الجوائز للفيلم للمنافسة على إيرادات شباك التذاكر، يرى محسن أن الفيلم يعرض في توقيت ليس الأمثل - قبل موسمي عيد الأضحى والصيف، مما يجعل فترة بقائه بدور العرض قصيرة، إلا إذا حقق طفرة في الإيرادات خلال الأيام المقبلة، مؤكداً أن «الجوائز تضفي قدراً من الاهتمام لدى شريحة من الجمهور، كما أن أفلام المخرج أحمد عبد الله السيد تلقى قبولاً جماهيرياً خلافاً لمخرجين آخرين ينتمون للسينما المستقلة»، متوقعاً أن «يحظى الفيلم بقبول كبير مع عرضه بالمنصات فيما بعد».
مشاركة :