أوكرانيا.. من المستفيد من تفجير سد نوفا كاخوفكا؟

  • 6/8/2023
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

سد نوفا كاخوفكا يعد أكبر خزان مياه على نهر دنيبرو ويحمي الأمن المائي والغذائي والطاقوي لجنوب خيرسون وشبه جزيرة القرم ـ الروس من مصلحتهم إرباك الهجوم الأوكراني المضاد عبر الأرض الضحلة ـ تدمير السد تسبب في إغراق الخط الأول من خنادق الجيش الروسي وغمر حقول ألغامهم بالمياه ويهدد بتحويل القرم إلى شبه جزيرة قاحلة تبادل الروس والأوكرانيون تهم تفجير سد "نوفا كاخوفكا" الاستراتيجي، الذي بإمكانه التأثير على مجريات الحرب، ناهيك عن أضراره البيئية، وعلى أمن الطاقة، بل وحتى على الأمن الغذائي العالمي، باعتبار أوكرانيا من كبار مصدري المحاصيل الغذائية. والمربك في محاولة تحديد الجهة المتورطة، أو على الأقل التي لها مصلحة في تفجير سد كاخوفكا، الذي يعد أكبر خزان مائي في البلاد، أن كلا من الروس والأوكرانيين متضررون بدرجات متفاوتة من الانهيار "الجزئي" للسد، وفي نفس الوقت لهم مصلحة ما في استهدافه. فالجيش الروسي يسيطر على المدخل الجنوبي للسد (يسار)، بينما يسيطر الجيش الأوكراني على المدخل الشمالي للسد (يمين)، أي أن كليهما لديه القدرة للوصول إلى السد وتفجيره، سواء عبر قصف صاروخي أو مدفعي أو حتى تلغيمه عبر "الضفادع البشرية" (قوات خاصة). ويمكن التذكر أن أنه سبق لموسكو أن اتهمت الجيش الأوكراني بقصف سد كاخوفكا بالصواريخ، كما أن الجيش الروسي متهم بتفجير جزء سطحي من السد عند انسحابه من مدينة خيرسون، حتى لا يستخدمه الجيش الأوكراني في العبور إلى الضفة الأخرى من النهر. فالطرفان بشكل أو بآخر استهدفا السد بشكل محدود، ليس بهدف تدميره، وإنما سعيا لمنع الطرف الآخر من استغلاله. كما أن الفجوة التي حدثت في السد، في 6 يونيو/حزيران الجاري، أثرت سلبا على ضفتي نهر دنيبرو الذي أقيم عليه سد كاخوفكا، وتسبب في فيضانات أغرقت مدينة صغيرة وعدة قرى، سواء تلك الواقعة تحت سيطرة الجانب الأوكراني أو الخاضعة للجيش الروسي. فتدفق مياه بحيرة السد أدى إلى ارتفاع المياه ما بين 2 إلى 4 متر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجانب الأيسر للسد الواقع تحت سيطرة الجيش الروسي أخفض من الجانب الأيمن، وبالتالي فهو الأكثر تضررا من الفيضان. وتراجع منسوب مياه الفيضان في اليوم التالي، بعدما تسبب في إجلاء نحو 17 ألفا من سكان المناطق المنخفضة على ضفتي النهر. ـ الأمن المائي والغذائي تكمن أهمية سد كاخوفكا، في كونه آخر وأكبر سد من بين السدود الستة المشيدة على نهر دنيبرو، الذي يقسم أوكرانيا إلى شقين، والذي شيد في 1956 في عهد الاتحاد السوفييتي. وبفضل علو السد بنحو 30 مترا، وطوله الذي يصل إلى 3.2 كلم، يمكنه حجز 18 مليون متر مكعب من المياه، ما يشكل بحيرة ضخمة تمتد إلى محافظة زابوروجيا شمالا. هذه الثروة المائية الهائلة جعلت للسد أهمية بالغة في مد شبكة من قنوات الري إلى جنوب خيرسون وشبه جزيرة القرم، سواء للشرب أو لسقي المحاصيل الزراعية. والروس يعلمون جيدا أن شبه جزيرة القرم التي ضموها في 2014، تعتمد بشكل شبه كامل على مياه سد كاخوفكا، بالنظر لافتقادها لمياه جوفية، حيث تم شق قناة مائية تصل بحيرة السد بشبه جزيرة القرم، لتزويدها بالمياه الصالحة للشرب وللري. لذلك كانت سيطرة الجيش الروسي على محافظة خيرسون (جنوب) على رأس أولوية عمليته العسكرية، عندما انطلقت في 24 فبراير/شباط 2022، بهدف تأمين الأمن المائي لشبه جزيرة القرم. وبالنظر إلى صور الأقمار الصناعية، فإن أوكرانيا وقبلها الاتحاد السوفييتي وضعا نظام قنوات ري مبهر، يمتد من بحيرة سد كاخوفكا إلى شبه جزيرة القرم مرورا بجنوب خيرسون، حيث تروى مساحات واسعة من الأراضي الزراعية. وتفجير السد من شأنه ضرب نظام قنوات الري، وبالتالي التأثير سلبا على سقي الأراضي الزراعية، ما ينتج عنه تقلص إنتاج أوكرانيا من المحاصيل الغذائية التي يصدر منها جزء هام إلى الخارج، ما سيكون له انعكاسات على أسعار الغذاء خاصة بالنسبة للدول الأكثر فقرا. والرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، لمح إلى هذا الأمر عندما كتب على شبكات التواصل الاجتماعي "تدمير السد سيؤثر على الأمن الغذائي العالمي". وليس فقط الأمن المائي والغذائي ما سيتضرر من تفجير سد كاخوفكا، بل أيضا الأمن الطاقوي، إذ تقع بالقرب من السد محطة كاخوفكا الكهرومائية، التي تعتمد على السد في توليد الكهرباء. وتفجير السد كان له ضرر مباشر على المحطة الكهرومائية، التي اتهم الروس الجيش الأوكراني بقصفها وتدمير أجزاء منها. كما أن محطة زابوروجيا النووية، الأكبر من نوعها في أوروبا، تستخدم مياه بحيرة السد في تبريد قلب المفاعل النووي، ولكن تقليص مستوى منسوب المياه يثير القلق من تأثير سلبي ولو على المدى المتوسط على المحطة المتوقفة حاليا عن العمل. ـ ماذا تستفيد روسيا من انهيار السد؟ منذ الأشهر الأولى بعد سيطرة الجيش الروسي على محافظة خيرسون وتقدمها شمالا، كان الحديث عن قدرة الجيش الأوكراني على تدمير سد كاخوفكا، لوقف الزحف الروسي على العاصمة كييف من الجنوب. فخطوة من هذا النوع كان بإمكانها عزل مقدمة الجيش الروسي في خيرسون، وقطع خطوك الإمداد عنها، وبالتالي تطويقها وتدميرها بالكامل. ولتجنب هذا السيناريو، لجأ الجيش الروسي إلى حل مؤلم بالانسحاب من مدينة خيرسون، التي تقع إلى الشمال من سد كاخوفكا، واتخاذ وضع دفاعي خلف نهر دنيبرو، بدل الوضع الهجومي الذي كان عليه، لأن سيناريو تفجير السد يخدم الطرف المدافع أكثر من المهاجم. وفي الوضع الحالي، فإن الجيش الأوكراني كان يستعد لهجوم مضاد، بل إنه بدأ فعلا هجومه المضاد، على حسب الرواية الروسية، بعد شنه منذ أيام هجمات على طول ألف كلم من جبهة القتال، خسر فيها نحو 1500 مقاتل و30 دبابة. فمن مصلحة الجيش الروسي تفجير السد لإغراق خط الجبهة الجنوبية، وإجهاض الهجوم المضاد من خيرسون، وتضييق خط المواجهة. لأن الأرض ستكون موحلة بعد فيضان السد، ومن الصعب على الجيش الأوكراني عبور الدبابات الثقيلة والمدرعات نهر دنيبرو والقتال في المنطقة الجنوبية الضحلة من الجبهة، التي تجعل من السهل على القوات الروسية المتمترسة في الخنادق صدها وتدميرها قبل أن تستطيع الانسحاب إلى ما وراء النهر. وحتى وإن كان الروس سيتضررون من انهيار السد بأشكال مختلفة إلا أن ذلك سيكون جزء من تكلفة الحرب، والروس معروفون عبر التاريخ أن خسائرهم في الحروب عادة ما تكون كبيرة، لكنهم غالبا ما ينتصرون في الحروب ذات النفس الطويل. ـ ماذا تستفيد أوكرانيا من تفجير السد؟ كييف لها أسباب كثيرة تدفعها لتفجير سد كاخوفكا، بالنظر إلى الأضرار التي أحدثها الانهيار الجزئي للسد؛ من غمر الخط الأول من خنادق الجيش الروسي بالمياه، وانفجار بعض الألغام التي وضعها لعرقلة أي تقدم للجيش الأوكراني. كما أن الطبيعة المنخفضة للضفة اليسرى من نهر دنيبرو التي يسيطر عليها الجيش الروسي مقارنة بالضفة اليمنى، تجعل الجانب الروسي نظريا المتضرر الأكبر من انهيار السد. ولكن الأهم من ذلك، أن انهيار السد سيجعل من شبه جزيرة القرم أرضا قاحلة، ويفرض على موسكو إيجاد حلول سريعة لمشاكل المياه والكهرباء الطارئة مع انهيار السد، وهذا يضعف الموقف الدفاعي للجيش الروسي، ويستنزف ميزانيته، ويشغله بقضايا جانبية في الوقت الذي يستعد الجيش الأوكراني للهجوم المضاد. وتعطيل محطة زابوروجيا النووية عبر تخفيض منسوب مياه بحيرة السد، يحرم روسيا، التي تسيطر عليها، من استغلالها ولو مؤقتا في إنتاج الطاقة الكهربائية. ناهيك أن الانهيار الجزئي للسد من شأنه أن يعطي مبررا للجيش الأوكراني، أمام حلفائه الغربيين، لتأجيل هجومه المضاد، وأخذ وقت للاستعداد مجددا، خاصة وأن هجماته الأخيرة لم تحقق الأهداف المرجوة باستثناء بعض الاختراقات المحدودة في جبهة باخموت. فلكل من الجيش الروسي والأوكراني دوافعهما الخاص لتفجير سد كاخوفكا، خاصة وأن التفجير لم يدمر كامل السد، ومع مرور الوقت يمكن استيعاب الأضرار الناجمة عنه. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.

مشاركة :