نشرنا خمسة مقالات في الأسابيع الماضية تتحدث عن تقارير عديدة لم تنشر من قبل، كتبها الوكيل السياسي البريطاني في الكويت جيرالد ديغوري، تتحدث عن التطورات التي شاهدها وسمعها وكان طرفاً فيها، وتتعلق بإنشاء مجلس الأمة التشريعي الأول والثاني 1938 - 1939، والتي انتهت بإغلاق المجلس، وهروب العديد من المجلسيين، وسجن بعضهم، ومقتل اثنين من الكويتيين. وكنت أرغب في الاستمرار باستعراض تقارير أخرى جديدة، إلا أن المعلومات التي تتضمنها هذه التقارير يصعب نشرها في ظل الظروف السياسية والاجتماعية الحالية، لذلك أريد أن أختم هذه السلسلة من المقالات بمقال اليوم الذي يعبر عن رأيي الشخصي حول مجمل الأحداث التي كان لها أكبر الأثر على المسيرة الديموقراطية في البلاد. وألخص رأيي في نقاط كما يلي: أثار بعض المهتمين بهذا الموضوع أن المجلسيين كانت نيتهم قلب نظام الحكم، واستبدال أسرة الصباح بنظام ديموقراطي شبيه بالنظام في العراق، ويدللون على ذلك بقولهم إنهم حملوا السلاح وواجهوا الحكم، ولكن لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، وأقول بعد أن قرأت معظم التقارير العربية والإنجليزية الخاصة بهذا الأمر إن من يظن ذلك فهو مخطئ، ولدي بعض الأدلة والبراهين التي تناقض هذه الفكرة. وفي اعتقادي أن المجلسيين كانوا يريدون تطوير النظام السياسي ليكون مشاركة حقيقية بين أسرة الحكم والشعب الكويتي على أساس العدالة والتفاهم والاتفاق مع أمير البلاد. ولكنهم في سعيهم لتحقيق ذلك وقعوا في أخطاء عديدة، كما وقعت السلطة أيضاً في أخطاء، ومنها اتخاذهم بعض المواقف الشخصية، والاستعجال في تحقيق الأهداف، وعدم وزن بعض الأمور بميزان الواقع والحقيقة. وقد ذكر الشيخ يوسف بن عيسى القناعي رحمه الله (وهو الذي شارك في هذه الأحداث وكان له دور كبير فيها) رأيه في ذلك في كتابه «الملتقطات» قائلاً: «هذا وبعد طلب الجماعة من الحاكم الموافقة على تأسيس المجلس وموافقته لهم، سن المجلس القانون التشريعي المحتوي على خمس مواد أساسية، وصادق عليه الحاكم، ثم شرع المجلس في اعماله الاصلاحية بجد واجتهاد، الا انه مع الأسف لم يوفق لطريق النجاح بسبب العجلة وعدم التأني والرفق في مطالبه الإصلاحية، زد على هذا عدم تدبره في عاقبة الامر الذي يقدم عليه، كانه لا يعلم ان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، او انه اغتر بقوته وتهاون في أشياء كثيرة بلا التفات الى العاقبة، فلهذا لم يمكث الا عشية او ضحاها حتى حل او انحل ولسان حاله يقول: أعطيت ملكا ولم أحسن سياسته وكل من لا يسوس الملك يخلعه». ما ورد من أن المجلسيين أرادوا للكويت أن تنضم للعراق وتصبح جزءاً منه غير صحيح على الإطلاق وليس عليه دليل مقنع، والصحيح، في رأيي، هو أن بعضاً من المتعاطفين مع المجلس استغل التوجه القومي في العراق الملكية آنذاك، وحاول استخدام الورقة العراقية للضغط (فقط) على الحاكم وليس للضم الفعلي. وفي الختام أقول إن كلا الطرفين الحاكم والمجلس كانت نواياهما صادقة ومخلصة، وأرادا أن يخدما المصلحة العامة للكويت، ولكن اختلف الفكر والمنهج، ووقعت المواجهة والصدام، وفي النهاية أسدل الستار على حدث سياسي وتاريخي حساس ومهم بشكل مأساوي.
مشاركة :