تُعد الموسيقى الأندلسية أحد أبرز الألوان الموسيقية التي يتميز بها المغرب ويُصنفها مُعظم الباحثين ضمن الموسيقى التراثية ذات النفس التاريخي، نظراً إلى الدور الكبير الذي لعبه هذا اللون الموسيقي في تقريب المغاربة من طبيعة الحياة اليومية في الأندلس، لا سيما أنها ترعرعت في ظل الحُكم الإسلامي بالأندلس إبان عهد الدولة الأموية الذي شهد حركة فنية قوامها الإبداع والابتكار. برزت الموسيقى الأندلسية كأحد ألمع الأشكال الموسيقية التي تميز الحضارة العربية بعد أن أصبحت الحياة الأندلسية تتخذ ميسماً جمالياً، وكثر السهر والحفلات والزهو بهذه الموسيقى التي تعتبر اليوم في نظر الباحثين خليطاً من الأنماط الموسيقية التي مزجت شكلها العربي بالإيبيري، والمشرقي بالأمازيغي. وحينما نكتب عن المُلحنين والمؤلفين الموسيقيين وخُبراء في تاريخ الموسيقى الأندلسية والمغربية وفن الفلامينكو فإننا نؤرخ بشكل أو بآخر للموسيقى ودورها في حياة مجتمعاتنا ومساهمتها في الارتقاء بالذائقة الفنية للجماهير العربية الدواقة. فإن الموسيقى عالم يدخل في كل المجالات، بما في ذلك الفيزياء، بدليل أن أنيشتاين كان يعتبرها شريكة في تسهيل حل ما يستغلق على عالم الفيزياء. ومن هنا نجد أن كل الحضارات، منذ العصرين السومري والبابلي وصولاً إلى العصور الإسلامية الأموية والعباسية والاندلسية وعصر النهضة الأوروبية اهتمت بالموسيقى وربطتها بطقوسها، وتعاملت معها على أنها جزء من التكوين الفكري والوجداني والعاطفي والعقلي للإنسان منذ أزمانه الغابرة، بل عملت على تطوير وسائطه وآلاته كما في حالة العود العربي مثلاً الذي كان بطنه جلداً، قبل أن يكتسب إسمه من المادة الخشبية التي يُصنع منها. لقد جرت العادة أن يقوم هواة الفن والموسيقى العرب، إذا ما أرادوا صقل مواهبهم بالدراسة الأكاديمية، بشد الرحال إلى مصر؛ رئة العالم العربي الفنية وبوابة العبور والإنطلاق نحو الشهرة والنجومية، وموطن أرقى وأقدم مدارس الموسيقى على مستوى العالم العربي ممثلة بالمعهد العالي للموسيقى العربية بالقاهرة. وهذا المعهد تمّ افتتاحه ابتداء في عام 1914. فالمظاهر الموسيقية الإسبانية بتطوان على عهد الحماية،ففي يوم 29 أبريل من سنة 1921تمكنت مجموعة مكونة من خمسة أشخاص شغوفة بحب الموسيقى يتقدمها السيد مانويل كرسيا سانودووخيرالدو manuel – garcia_sando y giraldo والسيد ضون رفايل مارتنيس بلتران،Refael martines beltran والسيد ادوارد بلانكو ويرتا educardo blanco huertan والسيد خوسي منا لوبيز jose mena lopes والسيد انطونيو كاطون رميريسantonio gaton ramiresمن عقد اجتماع بالقاعة الكبرى بمجموعة المدارس الإسبانية، لتدارس سبل تأسيس نواة لمعهد موسيقى إسباني بتطوان ليسد الفراغ بالمدينة، وليحقق رغبة العديد من المهتمين بعلم الموسيقى والإيقاع، فتكلفوا بتسيير العمل الموسيقي من خلال إعطاء دروس في الموسيقى للمتعلمين بحصة ثلاثة دروس في اليوم بمشاهرة خمسة عشر بسيطة بقاعة المدارس الأسبانية، لعدم توفرهم على مقر دراسي للموسيقى، أو وجود ترخيص رسمي من طرف الدولة، أو إعتمادات مالية، وركزت الدروس في البداية على إيقاع violenوcontrabajo وما كادت تطل 1925حتى أصبح المعهد الموسيقي الإسباني بتطوان يضم أزيد من ثلاثين تلميذاً كُلهم يؤدون المشاهرة. وانطلاقاً من تاريخ 26 ماي 1930تم وضع نظام للمعهد الموسيقي الإسباني الذي أصبح تحت إشراف المديرية المدنية والشؤون العامة التابعة للمقيمية الإسبانية بالمغرب، يرأسها القنصل المحلي ومفتش التعليم الإسباني بالمنطقة الريفية، إضافة إلى كاتب إداري، و ثلاثة أعضاء معينين من مختلف الأقاليم. وبداية كانت المواد الموسيقية التي كانت تدرس حسب النظام المذكور هي solfeo ونظرية الموسيقى.التاريخ وفلسفة الجمال الموسيقي،ثم-contrabajo armonia-violoncello-violin-conjunto vocal Elnstrumental-piano-flauta-trompa-clarines-trompeta-sacsofono-guitar،بالإضافة الى برمجة الدروس الخاصة للتعليم حسب الاليات المناسبة. وبعد وفاة مؤسس الموسيقى الإسبانية بتطوان السيد انطونيو كاتون بتاريخ 5 غشت 1930والذي كان يُشرف على إدارة المعهد الموسيقي عوض بالسيدة بيلار اكارا رويز pillar agarra ruiz المتخرجة من المدارس الموسيقية بمدريد بتاريخ1927. وبتطوان تم تأسيس هذه الجمعية في وقت متأخر حيث تم عقد أول اجتماع لها بتاريخ 26اكتوبر1952 تحت التنظيمات للنصوص العشرين التي اشتمل عليها القانون الأساسي المنظم لهذه الجمعية، الهادفة إلى تثقيف ودعم ونشر الثقافة الموسيقية الغربية بتطوان، ولإحياء الحفلات وكل المظاهر الفنية، وتدعيم المعهد الموسيقي الإسباني المغربي بما يقوي المجال الفني، وتكثير الأنشطة الفنية. فالمعروف أن الموسيقى أنواع وأصناف، إلا أن الموسيقى الأندلسية هي التي تحتل الصٌَدارة عند أبناء الحمامة البيضاء تطوان الأندلسية الأصيلة، وتُعتبر أعلاها وأفخمها على الإطلاق، وهي التي نقلها المهاجرون الأندلسيون من غرناطة إلى هذه المدينة عند هجرتهم إليها في أواخر القرن التاسع الهجري. ولا يتيسر الحديث عن الموسيقى والإبداع في فن الغناء بتطوان، دون الإشارة إلى إحدى المعالم الفنية الرائدة بالمغرب، وهي معلمة "المعهد الوطني للفنون الجميلة"، والمعروف عند أهل هذه المدينة باسم "المعهد الموسيقي". وهو المعهد الذي تم تأسيسه على يد الفنان الإسباني ماريانو بيرتوتشي السابق الذكر، سنة 1945. والذي تم انتقاله إلى مقره الحالي بالحي المدرسي سنة 1957، أي بعد استقلال المغرب، حيث تم تدشينه من طرف جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، ثم أسندت إدارته إلى الفنان محمد السرغيني. لقد كان هذا المعهد من المعالم الرائدة في فن الرسم والنحت، حيث احتضن بين جوانبه كبار الأساتذة والمتخرجين الذين بلغ صيتهم حد العالمية، بعد أن تخرجوا منه، فتابعوا دراستهم الفنية في الدول الأوربية الكبرى. أما في مجال الموسيقى والغناء، فقد عرفت تطوان رجالاً برعوا في العزف أو في اللحن أو في الأداء، ومن هؤلاء نجد اسم محمد ابن الابار ومحمد الموذن والفنان الشاعر والمُلحن المُبدع الحاج محمد بنونة والفنان الحافظ والعازف البارع محمد العربي التمسماني… وفي هذا الصدد نشير إلى أن ما أبدعه الحاج امحمد بنونة من قصائد وقطع غنائية ممتازة، يعتبر من الألحان التي تصور بدقة، قمة الإبداع الفني الموسيقي لأبناء مدينة تطوان، ومن ذلك مثلا قصيدة "قولوا للي يلومني في هوى ضي الافجار"، وقصيدة "زهيرو" وغيرها من الروائع. ولا يفوتنا هنا أن نقف عند اسم من ألمع الأسماء في هذا المجال بتطوان، وهو اسم عبد الصادق شقارة، هذا العازف الماهر الذي كان يًغازل الكمان فيجعله ناطقاً بسحر اللحن وبعجيب النغم، وهذا المطرب الذي كان يصدح بصوته فيسمو بالآذان إلى قمة الإحساس بالنشوة، وهذا الرمز البارز الذي كان ينتمي أصلاً إلى أسرة المبدعين والفنانين من عائلة الولي الصوفي والأديب الشهير الشريف سيدي محمد الحراق، حيث تربى وتكون في الزاوية الحراقية بتطوان، فرضع من حليبها، وتشبع برحيقها، وارتوى من معينها، بما غذى موهبته الخارقة، وبما أضاف إلى قريحته الخلاقة رصيداً زاخراً، تفجر عن إنتاج أثرى ساحة الغناء والتراث الموسيقي الأندلسي والشعبي ذي الطابع المتميز، لا في تطوان فحسب، بل في المغرب كله، إن لم نقل إنه قد ساهم في خلق تيار موسيقي جديد في ساحة الموسيقى العربية بوجه عام وظاع صيته عالمياً ونذكر طارق البنزي ونادر الخياط والمرحوم محمد الغازي والملف الموسيقي مصطفى عائشة وسهيل السرغيني وآخرين. فلما نتحدث على احد أهرامات الموسيقى ساقي الأرواح ناشر ثقافة السلام والتعايش والتسامح بالموسيقى العريقة الفنان المايسترو سُهيل السرغيني.. المُنغَمِس بين الكُتب ونُوتَات المُوسِيقَى بمدينة غرنَاطَة الأصيلة بالمملكة الإسبانية والذي ينتمي أجداده إلى الأندلس. لقد رأى النور في القرن الماضي بمدينة “الحمامَة البيضاء”.. قنطرة الحضارات وقدّر له أن يغدو، حالياً، فاعلاً مُوسيقِيّاً بإسبانيا وكذا فاعلاً جمعوياً يُسيّر مركزاً ثقافياً، إلى جوار انغماسه اليوميّ وسط الكُتب بمعلمَة أدبيّة من حجم المكتبة العامّة لإقليم الأندلس.. فيما لا يمكن تمييز جذوره وهو شوارع غرنَاطَة إلاّ إذا أرخَى لسانه حديثاً بـالدارجة المغربية. سُهيل السرغيني هو من مواليد سنة 1961 بمدينة تطوان، تلقى تعليمه بعدد من مدارس البلدة قبل أن يتحوّل إلى مدرسة للبعثة الإسبانية، وبحكم علاقة ذات المؤسّسة بجامعة غرناطة تمكّن سهيل من الالتحاق بالديار الإسبانية لأجل استكمال تعليمه العالي والشروع في تأسيس حياة جديدة بالجانب الشمالي من ضفاف البحر الأبيض المتوسّط. وعندما نتحدث على الفنان سُهيل السرغيني عاشق مدينته تطوان مُعتزاً ومُفتخراً بهذه المرحلة الجميلة من حياته، التي قضاها بهذه المدينة الساحرة بجمال ألوانها وفنونها الجميلة،ونحن نُسلط الأضواء على هذا الشامخ والعاشق للموسيقى والمُنغمس في الكتب التاريخية للموسيقى العريقة،كان لبد لنا أن نغوص في تاريخ معشوقته تطوان والمعهد الموسيقي بتطوان لقد حل سُهيل السرغيني بجامعة غرناطة خلال الموسم الدراسي 1979|1980، وقد تنقل وحيداً إلى إسبانيا كي ينال الإجازة في تخصص الترجمة واللغات، مضحيّاً بالتكوين في مجال التطبيب، هذا قبل أن يتدرّج في عدد من المهن وصولاً إلى موقعه الحالي بالمكتبة العامّة لإقليم الأندلس، مكلّفا بمشروع “مكتبات متعدّدة الثقافات” فكرته الأساس هي السهر على تسليم المكتبات العموميَّة لكافة الجهة كتبا بلغات وثقافات غير الإسبانيّة، كالعربية والفرنسية والألمانية والإنجليزيّة، وذلك بمراعاة تركز أصول المهاجرين المتواجدين بالمنطقة. وسبق للفنان سهيل السرغيني أن احترف التدريس لمادّة اللغة الإنجليزية خلال السنوات بعدد من مؤسسات التربية والتكوين، إلاّ أن أوّل التحاق له بوزارة الثقافة الإسبانيَة كان كمنسّق لـ “مؤسسة الإرث الأندلسي”، وكان من أبرز أهداف نشأتها التنسيق بخصوص مشاريع وبرامج تهمّ المغرب والمغاربة.. ودام ذلك لـ10 سنين بالتمام والكمال. يُقرّ الفنان سهيل بأنّ ولعه الشديد بالموسيقى قد أسهم في التسهيل من اندماجه بالديار الإيبيريّة، وهو ولع طاله منذ نعومة أضافره بين أزقّة تطوان العريقة قبل أن يحمله السرغيني نحو غرناطة.. “سبق له أن تلقى تعليماً موسيقياً بكُونسِيرفَاتوَار بمدينة تطوان، وهو مازال يُواظب على الاشتغال في المجال بتركيز على مشاريع ثقافية مستندة على الترانيم والألحان” يقول الفنان سهيل السرغيني: “لقد علّمتني الموسيقى الشأي الكثير، فبفضلها أضبط إيقاعي وبسببها نجحت في تنظيم نفسي وإخراج ما أراه جميلا ًنحو العالم الخارجيّ، وما زلت لحدّ الآن أتذكّر كل من شاركتهم الغناء والعزف بالمغرب كما بإسبانيا وغيرهما من البلدان.. لقد كنت من الأوائل الذين صاحبوا الإيقاعات الغربيّة بغناءات عربيّة في إسبانيَا”. و الفنان المغربي، سهيل السرغيني دارس “السُولْفِيج والقيثارة”، بصم عل ألحان مع فرق إسبانيا قامت بجولات موسيقيّة، وكان يرافقها مغنياً بالعربية والإنجليزيّة.. كما أتقن العزف على العود والساس والبُزق، وأصدر ألبُومين غنائيّين خاصَّين به، الأول بعنوان “جَمِيعاَ” والثاني لم يحمل غير اسمه “سُهيل” عنواناً للأغاني التي ضمّها بمزج للموسيقى المغربيّة والعربيّة والفلامينكُو. وشارك سُهيل السرغيني في مهرجانات دولية زيادة على جولات طالت عددا من البلدان كانت آخرها اليابان والمكسيك، وهو حالياً يشارك بصوته وعزفه بمعيّة عدد من الفنانين، كما له اشتغالات تلحينيّة، ومن بين الأسماء العديدة التي تتواجد بصماته العزفيّة ضمن أعمالها تتواجد الفنانة الشهيرة شَاكِيرَا. و يُشرف المغربيّ سهيل على التسيير الإداري لأول جمعية إسلامية تأسست بغرناطة، وقد رأت النور بأندلسيَا سنوات السبعينيات من القرن الماضي، هي المركز الإسلاميّ بغرناطة، حيث تضمّ أناساً من جنسيات إسلاميّة مختلفَة تمتدّ حتى جنوب شرق آسيا.. ويقول عن ذلك سهيل السرغيني: “هذة واحدة من انشغالاتي الجمعويّة، لقد رغب أصدقاء في جعلي أسهم خيرياً في حسن تدبير هذا التنظيم الذي يجد صعوبات في التمويل.. وحاليا نسير على مساهمات الأعضاء وتبرعات الغيورين، لكن ذلك يفي يالتسيير بنسبة كاملة.. الكل يتساءل عن كيفية تنظيمي لوقتي بين انشغالاتي، لكني أحمد الله على هذا التوفيق”. ويشتغل سهيل حالياً على عدة مشاريع موسيقية ليثبت وجوده في هذا المجال، مؤكّدا أن الأفكار الموسيقيّة التي يتوفر عليها، زيادة على توفر لوجيستيك العمل من استوديو وشركاء في الأداء، يجعل طرح الألبوم الجديد مسألة وقت فقط.. كما يأمل بأن تخف حدّة الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الإسباني حتّى يتمكّن من التحرّر في استغاله بالمكتبة العامّة لإقليم الأندلس بعيداً عن السلوكات الحادّة من العطاء بفعل قلّة الموارد. ويرى الفنان سُهيل السرغيني بأنّ حمل الأحلام يعدّ أمراً بشرياً إيجابياً ينبغي الاستمرار فيه بغضّ النظر عن البيئة القادرة، نظرياً، على المساهمة في تحقيق ما يُطمح إليه.. ويوجّه سهيل كلامه للشباب بقوله: “الراغبون في القدوم إلى أوروبا يمكنهم ذلك من الغد، شريطة أن يكون الحافز سياحياً.. أمّا بالنسبة للاستقرار فأخال أن الأمر صعب ويستوجب التفكير العميق بالنظر إلى الأزمة الحالية التي قلّصت من فرص الشغل.. على شبابنا أن يدرسوا الدول التي يرغبون في قصدها، وأن يدقّقوا في مواضع أقدامهم بالجديّة المطلوبَة لبناء مستقبل يراعي كل المستجدّات والمتغيرات”. فهنيئاً للوطن العربي بهذه الكفاءة الموسيقية الثقافية الفذة الشامخة التي تُحافظ على التراث الموسيقي العربي الإفريقي بالقارة الأوروبية.
مشاركة :