تعليق: الولايات المتحدة "ملكة العقوبات" في العصر الحديث تضل طريقها

  • 6/10/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بدأ إدمان الولايات المتحدة فرض العقوبات يخرج عن السيطرة. في ضوء عدد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، فإن البلاد تعد "ملكة العقوبات" الأبرز في العالم. منذ بداية العام الجاري، خضع نحو 12 ألف كيان إلى العقوبات الأمريكية، حسبما أفادت صحيفة ((واشنطن بوست)) في مقال رأي نشر يوم الاثنين. استخدم هذا المقال إحصاءات من وزارة الخزانة الأمريكية. في عام 2022، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية 2549 كيانا جديدا في قائمة العقوبات، بينما تشير التقديرات إلى أنها فرضت في أواخر عام 2021 عقوبات على 9421 منظمة وفردا، في زيادة تقدر بنحو 900 بالمئة خلال الـ20 عاما الماضية. تمتلك الولايات المتحدة تاريخا طويلا من القسر الاقتصادي. لقد صممت الولايات المتحدة العقوبات لتكون "أداة قسرية في العالم الحديث"، على النحو الذي طرحه الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون عام 1919، لقمع المنافسين المحتملين والتلاعب ببنية الاقتصاد العالمي. على مدار العقود الماضية، أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لهجوم من قوانينها المحلية وقراراتها التنفيذية لإنفاذ الولاية القضائية خارج الحدود على الكيانات والأفراد في الدول الأخرى. وبتجاوز القواعد والقوانين الدولية، أعطت هذه الممارسة القضائية والتنفيذية التعسفية القوة لأشكال مختلفة من العقوبات الأمريكية تحت تصرف واشنطن، ما يكشف الطبيعة الحقيقية للولاية القضائية طويلة الذراع للولايات المتحدة. وبدءا من قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية وقانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة عن حقوق الإنسان، وحتى قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات، حولت الولايات المتحدة نفسها إلى "الولايات المتحدة للعقوبات". قالت أجاث ديماريه، مديرة قسم التنبوءات العالمية بوحدة الاستخبارات الاقتصادية لمجلة الإيكونوميست، في كتابها الصادر عام 2022 بعنوان ((نتائج عكسية: كيف تعيد العقوبات تشكيل العالم ضد مصالح الولايات المتحدة))، إنه على مدار السنوات القليلة الماضية، أصبحت العديد من الإجراءات الاقتصادية القسرية، من بينها التعريفات التجارية وضوابط التصدير وفحص الاستثمار الأجنبي، هي "ركيزة الدبلوماسية الأمريكية". ومع ذلك، فإن القسر الاقتصادي أثبت عدم فعاليته في عكس الاتجاه التراجعي للهيمنة الأمريكية في العالم. أتت هذه الجهود بنتائج عكسية وأضرت بمصالح الولايات المتحدة نفسها. كتبت ديماريه "الإفراط في استخدام العقوبات يزيد الاستياء من واشنطن في جميع أنحاء العالم، ما يدفع أصدقاء وأعداء الولايات المتحدة على حد سواء إلى إعادة التفكير في علاقاتهم مع الولايات المتحدة وإيجاد سبل بديلة لإقامة الأعمال التجارية". في الفترة من 1970 إلى 1997، حققت العقوبات الأحادية الأمريكية أهدافا للسياسة الخارجية في 13 بالمئة فقط من الحالات التي فُرضت فيها، وفقا لدراسه أجراها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي. وتكلف هذه العقوبات الولايات المتحدة من 15 إلى 19 مليار دولار أمريكي سنويا. وحتى العقوبات الاقتصادية الأوسع نطاقا التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون في التاريخ الحديث كانت فعاليتها محدودة ضد روسيا، وفقا لما كتبه نيكولاس مولدر، أستاذ مساعد في قسم التاريخ الأوروبي الحديث بجامعة كورنيل، في مقال حديث نشرته صحيفة ((نيويورك تايمز)). وعزا مولدر هذه النتيجة إلى استجابة السياسة الروسية والحجم الاقتصادي للبلاد ووضعها التجاري وأهمية الدول غير المنحازة في الاقتصاد العالمي. تعد الثقافة السياسية السامة في واشنطن هي المسؤولة عن إدمان الولايات المتحدة الشديد للعقوبات. لقد أدت السياسة الحزبية إلى تآكل قدرة واشنطن على صياغة إجراءات سياسية مجدية سواء للشؤون الداخلية أو الخارجية. لقد تمسك السياسيون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالعدوانية المتزايدة ضد المنافسين الاستراتيجيين المفترضين للولايات المتحدة من أجل أن يقتنص كل منهم أي ميزة، مهما كانت ضئيلة، على غيره. ولطالما كان هذا تقليدا "سياسيا صحيحا" في هذه الدولة التي تظن نفسها "منارة الأمل". ذكرت مجلة ((ذي إيكونوميست)) في مقال حديث أن دوافع العدوانية العسكرية والدوافع الحمائية قوية في الولايات المتحدة، مضيفة أن السياسة الأمريكية لا مركزية وصاخبة، حيث يعمل مشرعو الولايات على صقل أوراق اعتمادهم من خلال التظاهر بمظهر الصقور. وعلاوة على ذلك، فقد أدى تراجع القوة الوطنية للبلاد على مدار الأعوام القليلة الماضية إلى تنازع الصفوة في واشنطن من أجل تبني المزيد من الاستراتيجيات الجيوسياسية قصيرة المدى وذات المحصلة الصفرية، بما في ذلك نهوج الخدمة الذاتية، مثل العقوبات. لقد وجدت القوة العظمى الوحيدة في العالم نفسها في حالة تأهب وقلق، خوفا من أن تفقد هيمنتها السابقة على العالم. حتى أن الإدارة الأمريكية القلقة أنكرت علانية اقتصاد السوق والعولمة والتجارة الحرة في "توافق واشنطن الجديد،" الذي تحدث عنه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في أبريل. وهذا التحول في السياسة الخارجية الأمريكية يثبت عقلية المحصلة الصفرية، التي تهدف إلى استخدام القسر الاقتصادي لاحتواء المنافسين. ومع ذلك، فإن "ملكة العقوبات" الحديثة تواجه تحديات متزايدة التعقيد عند استخدام هذه الأسلحة. ينبغي على واشنطن أن تتحلى بالحكمة لتعيد التفكير قبل أن تلجأ لاستخدام هذا الأسلوب القسري المعتاد.

مشاركة :