قال حمة الهمامي، زعيم تحالف الجبهة الشعبية المعارض، إن الحكومات التي عرفتها تونس بعد الثورة منيت بفشل ذريع في تحقيق أهداف الثورة، وجرد معظمها من الانتماء إلى ثورة 2011، وأكد في المقابل أن «الجبهة الشعبية» قادرة اليوم على حل مشكلات تونس الاجتماعية والاقتصادية، وتخليص الشباب من البطالة، وإنقاذ البلاد من هيمنة القوى الأجنبية المعتمدة على سياسة القروض المجحفة. وبخصوص تقييمه للأوضاع غير المستقرة في تونس بعد مرور أكثر من خمس سنوات من اندلاع ثورة 2011، اعتبر الهمامي أن عدم استقرار الأوضاع الأمنية والاجتماعية في البلاد أمر طبيعي بسبب عقود من الديكتاتورية، وما رافقها من فساد واستبداد، إذ «ليس من السهل إيجاد توازن جديد في البلاد، قوامه الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لأن هذا من شأنه أن يتطلب بعض الوقت» حسب تعبيره، مؤكدا في هذا السياق وجود عدة عوامل لم تساعد على هذا الانتقال الديمقراطي، أهمها «طبيعة الحكومات المتعاقبة على السلطة التي ليست لها علاقة بالثورة، بل لها علاقة باختيارات النظام القديم، خصوصا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي». ونفى الهمامي عن حركة النهضة انتسابها إلى المعارضة بقوله: «إنها كانت في صراع على الحكم مع بن علي، وحزب التجمع المنحل، ولم تكن تحمل مشروعا ثوريا لتونس على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية»، معتبرا أن تجربة الترويكا في الحكم، بزعامة النهضة، أعادت إنتاج نفس الخيارات الاقتصادية السابقة، وبكثير من عدم الكفاءة، وهو ما أدى إلى تفاقم البطالة والفقر والتهميش. كما أكد في هذا السياق أن حركة النهضة «لا ترغب في بناء نظام ديمقراطي عصري، بل كل همهما وضع اليد على أجهزة السلطة واختراقها، وتوظيفها لصالح مشروعها اليميني المحافظ الذي يندرج ضمن مشروع الإخوان المسلمين، ونتيجة لذلك تحرك الشارع التونسي ضد النهضة وضد الترويكا الحاكمة إلى جانبها، وأخرجها من الحكم». ونفى الهمامي أن تكون حركة النهضة قد غادرت الحكم عن طواعية، وقال إن الشعب التونسي بمساعدة بعض الظروف الإقليمية والدولية هو الذي فرض على النهضة مغادرة السلطة، والانصياع لإرادة غالبية المواطنين، وذكر في هذا السياق بتصريحات قادة النهضة بعد فوزهم في انتخابات المجلس التأسيسي(البرلمان) سنة 2011، إذ أكدوا بقاءهم في الحكم لمدة 20 أو 30 سنة. وبسؤاله إن كانت «النهضة» استشعرت تغير الموازين بعد الإطاحة بمحمد مرسي في مصر، قال الهمامي: «لو لم تقبل النهضة بهذا الخيار لخسرت كل شيء»، مضيفا أن تونس «عرفت الاغتيالات السياسية في حكم النهضة، كما طالت الهجمات قوات الأمن والجيش، وهذا ما جعل المواطنين يستشعرون الخطر، فهبوا لمواجهة الترويكا الحاكمة، وحصل تحالف سياسي واسع في نطاق جبهة الإنقاذ، واجتمع تحالف الجبهة الشعبية مع الليبراليين في حركة نداء تونس من أجل إفشال مشروع النهضة والترويكا بوسائل سلمية». وبخصوص التحالف بين الجبهة الشعبية ذات التوجه اليساري مع نداء تونس الليبرالي، أوضح الهمامي أن التحالف مع النداء كان «ظرفيا ومرتبطا بمهمة محددة، فرضتها الأوضاع في تونس وهي تجنب العنف. وكنا ندرك منذ البداية أن الجبهة لن تواصل الطريق مع نداء تونس لما يفصل بينهما من خلافات جوهرية على مستوى الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية». وحول وجود الجبهة في صفوف المعارضة، قال الهمامي إنهم رفضوا المشاركة في الحكومة لأنهم كانوا يدركون مسبقا أنها فاشلة وعاجزة، «فالائتلاف الحاكم لم يتقدم حتى الآن في إصلاح مؤسسات الحكم تكريسا للدستور، كما أنه لم ينجح بشكل جدي في درء الخطر الإرهابي، وسجل نسبة نمو ضعيفة للغاية، وقد تبين أن هذا الائتلاف لا يحمل مشروعا وبرنامجا لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية»، على حد تعبيره. وحول الواقع الاقتصادي المتردي أوضح الهمامي أن تونس في حاجة إلى نموذج تنمية جديد يقطع مع المنوال القديم، ويتوجه إلى الاستثمار في القطاعات المنتجة على غرار الفلاحة والصناعة والبنية التحتية، مضيفا أن «البلاد في حاجة إلى إصلاح جذري للمنظومة الجبائية، ومقاومة الفساد والتهريب والاقتصاد الموازي، وهو ما من شأنه أن يوفر موارد كبرى للدولة لكي تنجز مشاريع كبرى مشغلة ومنتجة للثروة، وتغنيها عن مذلة تسول القروض ذات الشروط المجحفة من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، ونحن لا نتحدث من فراغ، بل قدمنا إلى الحكومة نهاية سنة 2014 مشروعا دقيقا لمواجهة الأزمة، ومجموعة من الإجراءات العاجلة لامتصاص غضب الشباب الغاضب بداية هذه السنة، ولكن الائتلاف الحاكم لم يرد على اقتراحاتنا، ولم يناقشها لأنه لا يريد القطع مع الخيارات القديمة التي تكرس مصالح وأقليات ثرية محلية وشركات ومؤسسات ودول أجنبية»، على حسب تعبيره. وفي معرض دفاعه عن موقف الجبهة الشعبية الداعم للتحركات الاجتماعية التي عرفتها مدينة القصرين، وعدة مدن تونسية أخرى، قال الهمامي إن الجبهة «كانت على حق حينما دعمت مطالب العاطلين عن العمل، وبعد أن جرب الشعب الترويكا بقيادة النهضة، والائتلاف الحاكم الحالي بزعامة النداء والنهضة، ووقف عند فشلهما في تحقيق مطالبه، فان الجبهة الشعبية تعتبر نفسها بديلا جديا قادرا على قيادة البلاد وتحقيق نهضتها الاجتماعية والاقتصادية». وبشأن التحالفات السياسية التي تنوي الجبهة عقدها، وإن كان بإمكانها العمل جنبا إلى جنب مع حركة النهضة، أو مع محسن مرزوق المنشق عن حركة نداء تونس، قال الهمامي: «هذا الأمر ليس مطروحا، ولا يمكننا العمل مع النهضة ولا مع (حراك تونس الإرادة) الذي يقوده المنصف المرزوقي. أما بالنسبة إلى مكونات نداء تونس وغيرها من الأحزاب السياسية فإن الأمر مرتبط ببرامجها وتوجهاتها».
مشاركة :