لماذا تستعين الفضائيات الرسمية السورية بمسلسلات قديمة رغم وجود الجديدة؟ هل هو حنين إلى الماضي أم خطة تلفزيونية تسويقية إنتاجية لها غايات سياسية؟ اللافت أنه رغم اقتراب الأزمة في البلاد من الدخول في سنتها السادسة، غير أن الجانب الفني المتمثل بالدراما السورية ظل يقاوم ولا يزال، مع الأخذ بالاعتبار انشطار صُناع هذه الدراما بين معارضة النظام السوري وموالاته، فيما اختارت فئة ثالثة الوقوف على الحياد، الأمر الذي انعكس على الفضائيات الحكومية كالقناة الرئيسية و «سوريا دراما» وشبه الرسمية «سما»، وغيرها. هذه الفضائيات يبدو أنها استعانت بمسلسلات سورية قديمة رغم وجود الجديدة، لتترك العديد من التساؤلات حول ما إذا كان ذلك يتعلق بسياسة الدولة في الهروب من الواقع اليومي، المتمثل في القصف والموت والدمار، أو «تنويم» الجمهور مغناطيسياً. هذه الفرضية في الإعلام الحكومي تبدو جديرة بالبرهان من عدمه، في ظل عدم توقف السوريين عن إنتاج «دراماهم» الخاص رغم الظروف السيئة، وانتقالهم لأماكن تصوير عربية. كثيرة هي المسلسلات الدرامية التي يتفق على مشاهدتها معظم السوريين، بعيداً من مواقفهم السياسية. وهي التي تعرضها الفضائيات في فقراتها اليومية، في خطوة يراها نقاد أكاديميون غير جديدة، بينما يفند آخرون أسباب انتشار هذه الظاهرة. العميد السابق في كلية الإعلام في جامعة دمشق الدكتور كمال الحاج، يرى أن الفضائيات السورية تلجأ للمسلسلات القديمة لأن «ساعات البث هذه مجانية وغير مكلفة للتلفزيون كونها مسلسلات قديمة أصلاً، ولا يستطيع شراء أعمال جديدة، فتأتي هذه الأعمال في وقتها وتغطي ساعات بثها». ويشير الأستاذ الجامعي صاحب كتب «الدراما والسيناريو» و «الكتابة للإذاعة والتلفزيون» وغيرهما، إلى فئات أعمار تضررت من الأزمة السورية و «من حقها أن تحصل على الراحة النفسية بمشاهدة الأعمال القديمة، التي تخفف الاحتقان والضغط النفسي وهذا شيء إيجابي ومؤثر ومريح وأشجعه ويحقق غاية إعلامية كبيرة». ولا يتفق الدكتور كمال مع النظرية القائلة أن هذه المسلسلات تعمل على إلهاء أو تنويم الجمهور، بل يشرح الأمر قائلاً: «سبق أن طلبت الأمر من وزارة الإعلام السورية في حرب العراق والآن نشجع التجربة في الحالة السورية، فالمعلومة مع الترفيه التي تقدمها المسلسلات السورية القديمة ضرورية». ويرى الناقد الدرامي السوري ماهر منصور أن «إعادة عرض المسلسلات السورية القديمة نهج درامي تتبعه كل الفضائيات، لا السورية وحدها، وإن كان يبدو بشكل نسبي من قناة إلى أخرى»، مستشهداً بمجموعات إعلامية وصلت لدرجة تخصيص قناة خاصة لهذه الأعمال مثل «روتانا كلاسيك»، و «دبي زمان». فأعمال مثل «باب الحارة»، و «ليالي الصالحية»، و «الغفران»، ودراما دريد ونهاد، وسلسلة العشوائيات الشامية، و «يوميات مدير عام» وغيرها من المسلسلات، وحّدت السوريين يوماً وراء الشاشة، قبل أن تُعرض مسلسلات تعالج أزمتهم وسط الكثير من الاختلاف والجدل. هذان الكلام والطرح يعللهما منصور، مؤلف «دراما النار والقلق» لـ «الحياة» بوجود أسباب تتعلق بالجمهور العربي نفسه، فـ «كثير من المشاهدين اليوم مصاب بما يمكن أن نسميه «نوستالجيا دراما أيام زمان»، وهو الأمر الذي يشهد عليه الحضور الإعلاني اللافت في عدد من المسلسلات القديمة التي تعرضها القنوات التلفزيونية من فترة إلى أخرى، كما يشهد عليه اختيار عدد من القنوات التلفزيونية عرض مسلسل مثل «صح النوم» عند انطلاقتها رغم تواضع الإمكانات الفنية والإنتاجية لهذا العمل». وتنوه الفنانة والمخرجة السورية واحة الراهب، بـ «الدور الكبير للأعمال القديمة التي شكلت ذاكرة وطن وأثرت في وعي الناس وساهمت في تغيير الواقع بحسب الأعمال الجادة، ويبقى لها من يحن لها، لكن من الواضح أن إعادات الفضائيات الرسمية تتعلق بالأعمال الخفيفة التي لا تطور الوعي أو تعيد تشكيله». وتربط صاحبة «رؤى حالمة» المشكلة بـ «إفلاس» النظام السوري على مستويات، «أقلها الصعيد المادي، لكن القضية الأكبر هي الإفلاس الفكري والذهني والأخلاقي»، مستشهدة بمثال عن مسلسل «باب الحارة» الذي توقف تصويره لعامين بسبب دخول الرقابة إلى أبسط تفاصيل العمل وحذف كلمات مثل «ثورة» و «ثوار». وتضيف الراهب: «ضمن هذه النهاية الذهنية المتوحشة، لا يمكن للتلفزيون الرسمي أن ينتج أعمالاً خلّاقة، بل سيعود إلى الدفاتر القديمة والبالية لتخدير الشعوب أكثر من توجيه رسائل جميلة». وفي هذا الإطار، تعيد شركات إنتاج نسخ درامية حديثة عن مسلسلات قديمة أنتجت في الستينات والسبعينات، ومن هذه الأعمال: «دليلة والزيبق» و «أسعد الوراق» والمسلسلات البدوية «رأس غليص» و «وضحى وابن عجلان» و «نمر بن عدوان».
مشاركة :