لا يستخف بانتشال الصين ملايين الأشخاص من الفقر المدقع وتحوّلها الى قوة بارزة. ولا يستخف كذلك، باستقبال أميركا بروز الصين على أنه فرصة أكثر مما هو مصدر خطر. لكن في بحر الصين الجنوبي، وهو ممر 30 في المئة من التجارة العالمية، تغامر الصين بتهديد النظام هذا. فإجراءاتها تستخف بالقوانين الدولية، وسياساتها تبثّ الخوف في أوصال دول الجوار وتفاقم أخطار اندلاع نزاع بينها وبين شطر من هذه الدول وبينها وبين أميركا. وحريّ بها التزام ما ترفع لواءه من سلام واستقرار، والعدول عن انتهاكاتها. والحلقة الأخيرة من حلقات الاستفزاز، نشرها منصات إطلاق صواريخ أرض - جو في جزيرة وودي بأرخبيل باراسيل، جنوب هاينان. ولم تنفِ الصين، من غير لبس، التصعيد العسكري هذا، ودار كلامها على حقها في «إجراءات دفاع عن النفس». وجزر الأرخبيل متنازع عليها، وتطالب فيتنام وتايوان بالسيادة على بعضها. لكن الصين تزعم أن بحر الصين الجنوبي يعود إليها، وتتذرع بفبركات تاريخية لا سند لها. وتشيّد الصين من غير كلل في جوار جزر سبراتلي، جزراً صناعية على صخور وسلسلة صخور قرب سطح المياه تطالب الفيليبين وتايوان وفيتنام بالسيادة عليها. ويخالف نشر الصواريخ وتشييد الجزر هذه توقيع الصين على اتفاق دول آسيان (في جنوب شرقي آسيا). والصين رفضت الاحتكام الى محكمة دولية في لاهاي تنظر في دعوة قدمتها الفيليبين ضدها بالاستناد الى اتفاق قانون البحار الأممي. ويبدو أن ثمة عاملين وراء نشر الصين الصواريخ: 1) استضافة باراك أوباما في كاليفورنيا قمة رؤساء عشر دول آسيوية منضوية في آسيان، وأربع منها على خلاف مع الصين في بحر الصين الجنوبي. والقمة رمت الى إظهار التضامن الأميركي مع هذه الدول. لكن الصين ترى أنها خديعة تحفز دول الجوار على مواجهتها ومقارعتها. وتعتقد بكين أن القمة هذه هي حلقة من حلقات استراتيجية أميركية لاحتوائها وتطويقها. 2) استئناف أميركا في نهاية العام المنصرم، عملياتها في بحر الصين الجنوبي رافعة لواء «حرية الملاحة»، وعبورها مرتين حيزاً مائياً تزعم الصين السيادة عليه. ورمت واشنطن الى إثبات أن السيادة على الأرض والصخور في البحر لا تسوغ سيطرة أي بلد على المياه الدولية وتقييد حرية الملاحة على أنواعها. لكن بكين ترى أن المناورات الأميركية استفزاز يترتب عليه السعي الى ردع أميركا عن تكرارها. وربما ترى الصين أن الوقت موات، في الأشهر الأخيرة من ولاية رئيس تعتبره ضعيفاً ويتجنّب المواجهة، لترسي أمراً واقعاً في بحر الصين الجنوبي، يرجح غلبتها عليه. وليس من مصلحة أميركا ولا الدول المجاورة للصين، أن يتحول بحر الصين الجنوبي وممراته الملاحية الحيوية الى بحيرة صينية. * افتتاحية، عن «إيكونوميست» البريطانية، 20/2/2016، إعداد منال نحاس.
مشاركة :