يوافق الأسبوع القادم مرور أكثر من قرن ونصف على صدور أول صحيفة في العراق الشقيق، وتحديداً فقد كان صدورها منذ 154 سنة، وكانت الصحف منذ ذلك الحين رقماً مهماً في توثيق أحداث العراق، منذ الاستعمار البريطاني، مروراً بالحكم الملكي، فحكم عبدالكريم قاسم، ثم عبدالسلام عارف، فعبدالرحمن عارف، ثم أحمد حسن البكر، فصدام حسين، وإلى اليوم. * * هذه الذكرى، لاستعراض كل هذه السنوات من عمر الصحافة العراقية، بكل ما مرت به من الأحداث التاريخية، تستحق أن يُحتفى بها، وأن يُستذكر تاريخها، وأن يُعاد لها أهميتها، وأن تكون فرصة لتخليدها، واستحضار الأفراح والأحزان من جديد، وما مر به العاملون فيها من أمجاد، وما تعرض له بعض من عمل فيها من استهداف وتصفيات جسدية، منعاً لقول كلمة الحق التي لا يعلو عليها كلام آخر. * * تحتفل نقابة الصحافة في العراق، في بغداد والمدن العراقية الأخرى في تظاهرة إعلامية غير مسبوقة، بحضور قادة إعلاميين عرب من وزراء ورؤساء تحرير وقيادات إعلامية أخرى، لإظهار ما خفي من تاريخ الصحافة العراقية، وكشف ما لم يتم تداوله في سنين مضت وانقضت من عمرها، خاصة عن فترات لم يكن للأحياء من الصحفيين معايشة لها، أو ممارسة عمل فيها، أو تفاعل مع ما مرت به من أحداث، وتحديداً عن دورها في إنهاء الاحتلال، وإجبار المستعمر على الرحيل. * * يجمع أغلب المؤرِّخين وبينهم روفائيل بطي والدكتور علي الوردي ورزوق عيسى أن الصحافة العراقية سبقت غيرها في الوطن العربي رغم خضوع العراق للاحتلال العثماني، فصحيفة (جورنال عراق) صدر العدد الأول منها عام 1816م، وكانت تطبع في مطبعة حجرية باللغتين العربية والتركية، وبأربع صفحات، وتوزع على قادة الجيش وكبار الموظفين وأعيان المدينة، وتعلّق نسخ منها على جدران المباني الحكومية، وتنشر الأوامر التي يصدرها الوالي، وأخبار الدولة العثمانية، لكن نظراً لمحدودية توزيعها لم يعتمد تاريخ صدورها كأساس لتاريخ نشأة الصحافة العراقية. * * وخلال الاحتلال البريطاني للعراق أصدرت سلطات الاحتلال أمراً بتأسيس جريدة عامة باسم (جريدة العرب) وصدر العدد الأول منها عام 1917م وكان الغرض منها الترويج للمحتل بلسان عربي، إلى جانب اللغتين الإنجليزية والفارسية، وجاء الاختيار للمحررين من العرب لاستمالة العراقيين، وضمان عدم نفورهم من المحتل البريطاني. * * واستمر العراق حاضناً للصحف والمجلات والدوريات في العهد الملكي، وخلال حكم عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف وعبدالرحمن عارف وأحمد حسن البكر وصدام حسين، كما برز كثير من الصحفيين العراقيين الذين استقطبوا للعمل في الصحافة العربية، وبالصحف التي تصدر خارج المنطقة العربية، سواء ككتَّاب أو شعراء أو صحفيين، ما يجعل من هذا الاحتفال تأكيداً لدور الصحافة العراقية في خدمة العمل الوطني والقومي رغم مرور العراق باستعمارين وبعدد من الانقلابات. * * وهذا الاحتفال الذي تتبناه نقابة الصحفيين العراقيين يذكِّرنا بصدور أول قانون للمطبوعات خلال النظام الملكي عام 1931م والذي يجيز تأسيس نقابة للمطبوعات، ووضعه يومها الملك فيصل الأول ورئيس الحكومة نوري السعيد، إلا أن الشروط الواردة في القانون جعل من الصعب جداً تشكيل مثل هذا التنظيم المهني، لكن خلال حكم عبدالكريم قاسم فتح المجال لتأسيس عدد من النقابات في عدد من المهن وبينها نقابة الصحفيين، وكان الشاعر محمد مهدي الجواهري أول نقيب للصحفيين العراقيين بعد تأسيسها رسمياً، فيما يتولى حالياً وكآخر نقيب لنقابة الصحفيين العراقيين الزميل مؤيد اللامي. * * نبارك للزملاء الصحفيين، وللإعلاميين العراقيين عموماً، ولرئيس وأعضاء نقابة الصحفيين في العراق هذا العرس الجميل، بكل مضامينه وأهدافه والغرض من إقامته.
مشاركة :