ثورات مُلونة

  • 2/25/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة مقاربة سياسية للألوان، جعلت من اللون الأحمر بالذات لوناً للثورات وللحركات الاحتجاجية للطبقة العاملة والفئات المهمشة إجمالاً، فغالباً ما يطغى لون الرايات والأوشحة الحمراء في الحشود والمسيرات التي تنظمها تلك الفئات. ولأمرٍ ما، بحثتُ عنه فلم أجد تفسيراً بعد، هو أن اللون الأصفر، في السياسة، قرين المحافظة، فيقال عن نمطٍ من النقابات وكذلك من الصحف بأنها صفراء، دلالة ارتباطها بالقوى المحافظة التي تخشى التغيير، أو الممولة من جهات مشبوهة داخلياً أو خارجياً. وحتى أمد ليس ببعيد كان هذا هو التقسيم التقليدي بين لونين حين يجري الحديث عن السياسة، الأحمر لون الثورة والتمرد واليسار، والأصفر لون المحافظة، أو ما يُعرف في الأدب السياسي بالثورة المضادة. لم تمكث الحال على ما هي عليها، فسرعان ما جاء وقت شاع فيه مصطلح الثورات الملونة، وبالذات منها البرتقالية، ويبدو أن اختيار هذا اللون كان مقصوداً، لأنه ينطوي على مزاوجة بين الأحمر والأصفر، أي أن من أطلقوا هذا المصطلح أخذوا من الأحمر دلالات الثورة والتمرد، ومن الأصفر المحتوى المحافظ، والعبرة في كل الأحوال هي في المحتوى، لا في المظهر. ليس غريباً أن مصطلح الثورات البرتقالية نشأ، بالتحديد، في شرقي أوروبا، الاشتراكية سابقاً، التي انعطفت نحو الغرب الرأسمالي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، حيث كانت الأجهزة الغربية مُحرضة على الاحتجاجات داخل هذه البلدان لتقويض الأنظمة السابقة، خاصة في المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة يوم كان العالم قائماً على قطبين. كف العالم عن أن يكون ثنائي القطب، ولكن، يا للمفارقة، فإن الحرب الباردة التي كانت تلك الثنائية سببها، ما زالت مستمرة، مع أن الغرب اعتقد بأنه خرج من تلك الحرب منتصراً، وهو بالفعل كان منتصراً، لكن، لأن التاريخ ماكر، سرعان ما ظهر أن ذلك كان نصراً في جولة واحدة ليس إلا، على أهمية تلك الجولة. وعلى طريقة داوني بالتي كانت هي الداء أشعل الغرب ثورته البرتقالية في أوكرانيا، مستلهماً نموذج حركة تضامن في بولندا، معتقداً أنها ستكون الضربة القاضية في الخاصرة الروسية، لوقف الإحياء البوتيني، نسبة إلى فلاديمير بوتين لقوة بلاده، لكن ما لم يُحسب له جيداً هو أن ضربة بهذا الإيلام قادت إلى ردة فعل تشبه ردة فعل النمر الجريح. وروسيا ليست مشهورة بالنمور، إنما بالدببة، وإذا كان بالوسع توقع ردة فعل النمر، فإنه من العسير التنبؤ بما سيفعله الدب، فهو يختزن كل غموض روسيا عبر التاريخ. madanbahrain@gmail.com

مشاركة :