السعوديون لديهم طبع وتقليد قديم مورث من العادات العربية في عدم الحديث عن الدعم والإشارة إليه بتفاصيله حتى لا ينظر إليها كمَنه منهم على الآخرين. ولكن المعايير السياسية في العلاقات الدولية فرضت عليهم التغيير. ولهذا حينما اضطرت السعودية أثناء حرب تحرير الكويت إلى كشف أرقام الدعم الذي قدمته للعراق فوجئ كثيرون بضخامة الأرقام المهولة التي أعلنتها السعودية.. وطرحت استفسارات في بغداد أكثر منها في الرياض. والسعودية من أكبر الدول الداعمة هي ودولة الإمارات للأشقاء من الدول العربية والإسلامية. وما يميز مساعدات دول الخليج للآخرين أنها غير مشروطة ولا تتعلق بالابتزاز السياسي أو فرض أجندة معينة. بل أكثر ما تحرص عليه هو أن تصل المساعدات إلى الناس وأن تحقق الأهداف التي أرسلت من أجلها. وللاستشهاد، حينما تعرض الشعب العراقي إلى ظروف صعبة في ٢٠١٤ تبرعت السعودية بنصف مليار دولار للعراق، وجاء في الأمر الملكي أنها مساعدة إنسانية للشعب العراقي المتضرر من الأحداث المؤلمة، بمن فيهم النازحون بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية؛ وأنه سيتم تقديمها عبر مؤسسات الأمم المتحدة للشعب العراقي فقط لضمان وصولها لكل أطياف الشعب العراقي. وهذه صورة من مواقف كثيرة كانت السعودية الداعمة وشرطها الوحيد أن تصل لمستحقيها. وسجل السعودية حافل بالمساعدات لدول كثيرة؛ ففي اليمن كانت السعودية تدعم اليمن بشماله وجنوبه وتبني المدارس والمستشفيات والطرق؛ ويدرك كثير من اليمنيين المواقف السعودية، ولذلك حينما تظهر أصوات تشكك في المواقف السعودية يكون ذلك من الظلم الجائر، فالسعودية في موقفها مع اليمن ليس لديها أطماع توسعية، بل بالعكس عملت تنازلات مهمة من أجل إقرار اتفاق الحدود في عام ٢٠٠٠.. وبناء علاقات ثقة بين البلدين، وموقفها الآن هي وشقيقاتها دول الخليج في الوقوف إلى جانب الشرعية اليمنية هو في حقيقته وقوف إلى جانب الإنسان اليمني التي كادت أن تتعرض دولته وحضارته إلى اختطاف من قبل قوى إقليمية تريد زرع الشر في كل مكان وتستغل كل شيء من أجل أجندتها التوسعية. وفي لبنان كانت السعودية الدولة الأقرب دائماً إلى لبنان تاريخياً وحاضراً، وهي التي ساهمت وعلى أرضها تم توقيع اتفاق الطائف الذي أوقف نزيف دم الحرب الأهلية في لبنان... وفي دعمها لإعادة تعمير لبنان؛ ومساعداتها الاقتصادية والإنمائية، وحينما تبرعت السعودية بثلاثة مليارات لتسليح الجيش اللبناني ومليار لقوى الأمن الداخلي أرسلت رسالة مهمة وهي أنها تدعم سيادة دولة لبنان وليس طوائفه وأحزابه؛ وهذه السياسة أصيلة في منهج الفكر السياسي السعودي... وإلا لو كانت السعودية تريد أن تدخل كطرف فكان يمكن لها أن تدعم تسليح الأحزاب القريبة منها سياسياً ولكنها كانت حاسمة وواضحة في هذا الشأن، فالجيش وقوى الأمن الداخلي يفترض أن تمثل لبنان الدولة ولا أن تتعرض هذه المؤسسات المهمة للاختطاف من قبل أحزاب هدفها الاستيلاء على السلطة في لبنان. وكان كثير من السعوديين مستائين من المواقف اللبنانية المناهضة للسعودية حتى في قضايا محسومة تماماً مثل شجب الاعتداء على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، وهو أمر حتى الإيرانيين أنفسهم اعتذروا واعترفوا أنه خطأ جسيم... ورغم ذلك كان الموقف اللبناني مخيباً للآمال في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ليس ذلك وحسب بل وهجوم يقوده حزب الله ضد السعودية بشكل سافر، ويحسب لدولة الإمارات الكبيرة بمواقفها السياسية والبحرين وبقية دول مجلس التعاون تضامنهم لدعم الموقف السعودي. والذي يحز في نفس السعوديين أن التعامل معهم وكأنهم أمر مضمون، ففي أي منطق دولة تقدم دعماً سياسياً كبيراً ومعونات بمليارات الدولارات وفي الوقت نفسه تتخذ الدولة المستفيدة من هذه المعونات مواقف سياسية عدائية، إنها حماقة وكأنها تصور السعوديين كساذجين يمتلكون الدولارات ويوزعونها، ويخطئ من يعتقد أن السياسة السعودية تمارس السياسة الطوباوية، فهي حينما تميل إلى الحكمة والتروي والاعتدال فليس معنى هذا أنها سوف تقف ساكنة وكأن شيئاً لم يكن. هناك حدود للصبر فقد بلغ السيل الزبى، وكان من الواجب اتخاذ موقف صارم وقوي؛ وهناك عتب شعبي سعودي وأسئلة تطرح لماذا نكون الطرف الأكثر عطاءً للآخر، وهل علينا أن نتقبل الجحود؟! من يراقب أحاديث السعوديين سواء في مجالسهم أو في المقالات التي كتبت أو على شبكات التواصل الاجتماعي يدرك أن هناك شعوراً بالمرارة لدى السعوديين من هذه المواقف؛ وأي حكومة ذكية هي التي تتحسس مواقف شعبها وتوجهاتهم؛ ومن الخطأ أن يعتقد الآخرون أن مسألة بعض الكلام المعسول واستثارة النخوة العربية والأصالة ستكون مبرر أن تعود الأمور كما كانت.. وربما لا يفهم بعض العرب أن التأني في اتخاذ القرار هو طبع سعودي لكنه حينما يستدعي الأمر اتخاذ قرارات مهمة تقف القيادة الموقف القوي، وأقوى مثال على ذلك عاصفة الحزم التي فاجأت كثيرين، وتوقع الإيرانيون أن رد الفعل السعودي سيقف عند الاحتجاج والاستنكار. وهذه كانت قراءة ساذجة للسياسة السعودية الحازمة التي أربكت كثيرين لم يتوقعوا القدرة على السرية والمهارة في تنظيم تحالف عربي ضخم بأهداف واضحة. والسعودية حينما اتخذت قرارها بوقف المساعدات أكدت استمرارها في مؤازرة الشعب اللبناني بكل طوائفه، وهذه هي الرياض كبيرة حتى في عتبها؛ فهي تقول إن هذه المواقف لا تمثل الشعب اللبناني، وهو بالتأكيد لا يمثل الشعب اللبناني لكن سياسة طرف يرضي وطرف يغضب لا تنجح في العلاقات السياسية خاصة إذا ارتبطت بمواقف في المحافل الدولية. السعوديون أصبحوا يطرحون أسئلة أكثر عن مساعداتهم التي تذهب للدول الأخرى ولسانهم يقول إذا لم ترد أن تقل شكراً فعلى الأقل لا تطعن من الخلف.
مشاركة :