عباس محمود العقاد يهاجم أحمد شوقي وينعته بالتاجر

  • 6/18/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ما زال اسم أحمد شوقي راسخا في المدونة الشعرية العربية وما زال لقبه أمير الشعراء متناقلا بين جمهور الأدب وكتّابه. لكن صراعا كبيرا دار بين واحد من أعلام الثقافة العربية الأديب عباس محمود العقاد وشوقي، إذ نال شعر الأخير نقدا لاذعا من قبل العقاد. يذكر التاريخ الأدبي موقف مدرسة الديوان من أمير الشعراء أحمد شوقي، والهجوم الذي شنَّه عليه عباس محمود العقاد. وعندما صدر كتاب “الديوان في الأدب والنقد” عام 1950 وجدنا أن العقاد تخصص في الهجوم على شوقي، والمازني تخصص في الهجوم على عبدالرحمن شكري، على الرغم من أنه كان ثالثهما قبل أن يفترق شكري عنهما. يقول العقاد عن شهرة شوقي “كنا نسمع الضجة التي يقيمها شوقي حول اسمه في كل حين، فنمرُّ بها سكوتًا، كما نمرُّ بغيرها من الضجات في البلد لا استضخامًا لشهرته، ولا لمنعة في أدبه عن النقد، فإن أدب شوقي ورصفائه من أتباع المذهب العتيق، هدمُه في اعتقادنا أهون الهينات، ولكن تعفَّفنا عن شهرةٍ يزحف إليها زحف الكسيح، ويضنُّ عليها من قولة الحق ضن الشحيح، وتطوى دقائق أسرارها على الصريح”. ثم يتحدث العقاد عن نفسه، أو عن مبدأه قائلا “ونحن من ذلك الفريق من الناس الذين إذا أرادوا شيئًا بسبب يقنعهم لم يبالوا أن يطبق الملأ الأعلى والملأ الأسفل على تبجيله والتنويه به، فلا يعنينا من شوقي وضجته أن يكون لهما في كل يوم زفة، وعلى كل باب وقفة”. شهرة الشاعر العقاد تخصص في الهجوم على شوقي، يشبّه تصرفاته بالتاجر الذي يعلن عن سلعته في سوق الأدب والفكر يشبه العقاد تصرفات شوقي بالتاجر الذي يعلن عن سلعته في سوق الأدب والفكر، فيقول “إن هذا الرجل يحسب أن لا فرق بين الإعلان عن سلعة في السوق، والارتقاء إلى أعلى مقادم السمعة الأدبية والحياة الفكرية، وكان يعتقد اعتقاد اليقين أن الرفعة، كل الرفعة، والسمعة حق السمعة، أن يشتري ألسنة السفهاء ويكمّ أفواههم، فإذا استطاع أن يقحم اسمه على الناس بالتهليل والتكبير والطبول والزمور في مناسبة وغير مناسبة، وبحق أو بغير حق، فقد تبوأ مقعد المجد، وتسنم ذروة الخلود، وعفاء بعد ذلك على الأفهام والضمائر، وسحقا للمقدرة والإنصاف، وبُعدا للحقائق والظنون، وتبًّا للخجل والحياء، فإن المجد سلعة تُقتنى، ولديه الثمن في الخزانة، وهل للناس عقول؟”. ويحاول العقاد أن يدلل على ذلك فيقول “ومن كان في ريبٍ من ذلك فليتحققه في تتابع المدح لشوقي ممن لا يمدح الناس إلا مأجورا. (فبعض) الصحف الأسبوعية – وهذا شأنها، وتلك أرزاق أصحابها – تكيل المدح جزافا لشوقي في كل عدد من أعدادها، وهي لا تنتظر حتى يظهر للناس بقصيدة تؤثر، أو أثر يذكر، بل تجهد نفسها في تمحل الأسباب، واقتسار الفرص. فإن ظهرت له قصيدة جديدة، وإلا فالقصائد القديمة المنسية في بطون الصحف، وإن لم يكن من شعر حديث ولا قديم، فالكرم والأريحية والفضل واللوذعية. وإن ضاقت أبواب الدعاء والإطراء، فقصيدة أو كلمة ينشرها شاعر آخر، فيستطال عليه بالشتم ويعير بالتقصير عن قدر شوقي والتخلف عن شأوه”. i وفي نظر العقاد فإن شوقي يحتال على الناس، ويواصل هجومه بقوله “وهكذا حتى برح الخلفاء وانتهكت الدسيسة. والعجب أن يتكرر هذا يومًا بعد يوم، ويبقى في غمار الناس من يحتاج إلى أن يفهم كيف يحتال شوقي وزمرته على شهرتهم، ومن أي ريح نفخت هذه الطبول. لقد استخفَّ شوقي بجمهوره، واستخفَّ واستخفَّ حتى لا مزيد، ما كفاه أن يسخّر الصحف سرّا لسوقه إليه، واختلاب حواسه، واختلاس ثقته، حتى يسخرها جهرةً، وحتى يكون الجمهور هو الذي يؤدي بيده أجرة سوقه واختلاسه”. ويُرجع العقاد أسباب تهالك شوقي على الشهرة إلى عمله بالقصر، فيقول “والحقيقة أن تهالك شوقي على الطنطنة الجوفاء قديم عريق ورد به كل مورد، وأذهله عما ليس يذهل عنه بصير أريب، وقد وجد في مركز أمكنه من قضاء هذه اللبانة إذ كان أشبه بملحق أدبي في بلاط أمير مصر السابق، وكانت وظيفته وسيلة لارتباطه بأصحاب المؤيد واللواء والظاهر وغيرها من الصحف المتصلة بالبلاط، فكانت لا تبخل عليه بالتقريظ والتهليل، وتتحاشى أن توسع صفحاتها لنقده كما توسعها لنقد غيره”. ويضيف “وكان في أمانة شوقي وموظفين آخرين بالبلاط هبات محبوسة على أقلام الكتاب والأدباء، فكان شوقي يوظف منها المرتبات على من يتوسم الناس فيهم العلم بالأدب ويعهدون فيهم سلاطة اللسان، ليمدحوه في الصحف ويلغطوا في المجالس بتفضيله وتقديمه. أضف إلى هؤلاء من يمدحونه لمشاركتهم إياه في العادات الخصوصية والمنادمات الليلية، وهم غير قليل. ففي كل قصيدة هو شاعر الشرق والغرب، وشاعر العرب والعجم، وأمير الشعراء، وسيد الأدباء. فإن كان في الأمر موضع للعجب فهو أن تسمع ثناءً متكررًا، ولا تسمع نقدًا”. ويرى العقاد أن شوقي يجهل أطوار النفوس والمعالجة النفسية أو التغلغل في نفس ممدوحه وفي شخصيات مسرحياته الشعرية أيضا، فيقول “ولو شئنا لاتخذنا من كلف شوقي بتواتر المدح دليلا على جهله بأطوار النفوس، فإن الآذان أشد ما تكون استعدادا لقبول الذم إذا شبعت من المدح، وأسرع ما تكون إلى التغير إذا طالت النغمة”. ويضيف “ونحن نكتب.. لنظهر لشوقي، ومن على شاكلته عجز حياتهم، ووهن أسلحتهم ونضطرهم إلى العدول عن أساليبهم المستهجنة يأسا من صلاحها في هذه الأيام”. ويتابع “ونقول لشوقي إن سنة الله لم تجر بأن يقوض الغابر المستقبل، ولكنها قد تجري بأن يقوض الحاضر الغابر والمستقبل والحاضر. وليس قصارى الأمر أن يقول عامة القراء تلك قصيدة جيدة، ونقول نحن إنها قصيدة رديئة، فإن الذوق والتمييز إذا اختلّا لم يكن اختلالهما في الأدب وحده”. المحب للحيلة العقاد ذكر أنه بسبب كتابه "شوقي في الميزان" فكّر شوقي في أن يسلك في حياته مسلكا آخر غير الشعر يعرج العقاد على كتابه “شوقي في الميزان” والذي بسببه فكر شوقي أن يسلك مسلكا آخر في حياته غير الشعر. يقول العقاد عن كتابه “عرضناه لأول مرة فارتجَّ به شوقي ارتجاجًا عنيفًا، وأيقظه من غفلة كان فيها سادرًا، وما هو إلا أن حط به ثم شال حتى تمنى أن يركز به على حال، وذهب يوطن نفسه على جاه غير جاه الشعر، ويقول لخلطائه وسماسرته ‘هبوني لست بالشاعر، أليس لي فخر آخر أدل به؟"”. ويرى العقاد أن العيوب المعنوية التي يكثر وقوع شوقي – وأضرابه – فيها عديدة، مختلفة الشيات والمداخل، ولكن أشهرها وأقربها إلى الظهور وأجمعها لأغلاطهم عيوب أربعة، وهي بالإيجاز: التفكك، والإحالة (وهي فساد المعنى، ومنها الاعتساف والشطط ومخالفة الحقائق)، والتقليد، والولوع بالأعراض دون الجوهر. بالإضافة إلى فكاهة الرثاء، أو رثاء الفكاهة. وهذه العيوب هي التي صيرتهم أبعد عن الشعر الحقيقي الرفيع المترجم عن النفس الإنسانية في أصدق علاقاتها بالطبيعة والحياة والخلود، من الزنجي عن المدينة من صور الأبسطة والسجاجيد كما يقول ماكولي عن نفائس الصور الفنية. إن شوقي – كما يرى العقاد – كان إمام مدرسة يستطيع أن يسميها بمدرسة التقليد المبتكر، أو التقليد المستقل. فلم يكن من المقلدين الآليين الذين يلتزمون حدود المحاكاة الشكلية، ولا يزيدون، ولم يكن من المجددين الذين يعطون من عندهم كل ما أعطوه من معنى وتعبير، ولكنه كان يقلد ويتصرف، وكان تصرفه يخرجه من زمرة الناقلين الناسخين، ولكنه لا يسلكه في عداد المبدعين الخالقين الذين تنطبع لهم “ملامح نفس مميزة” على كل ما صاغوه من منظوم أو منثور. فهو قد قد نشط بالشعر من جمود الصيغ المطروقة والمعاني المكررة، ولكنه لم يستطع أن ينتقل به من شعر القوالب العامة إلى شعر الشخصية الخاصة، التي لا تخفى معالمها، ولا تلبس بغيرها، وخلاصة القول فيه أنه مقلد مبتكر، أو أنه مبتكر مقلد، فلا هو يقتفي آثار الأقدمين، ولا هو ينفرد بملامحه الشخصية في التعبير عن نفسه أو التعبير عن سواه. العقاد يرى أن العيوب المعنوية التي يكثر وقوع شوقي – وأضرابه – فيها عديدة، مختلفة الشيات والمداخل وأستطيع أن أضيف أن أحمد شوقي كان علمًا في جيله، كان علمًا للمدرسة التي انتقلت بالشعر من دور الجمود والمحاكاة الآلية، إلى دور التصرف والابتكار، فاجتمعت له جملة المزايا والخصائص التي تفرقت في شعراء عصره، ولم توجد مزية ولا خاصة فقط في شاعر من شعراء ذلك العصر إلا كان لها نظير في شعر شوقي من بواكيره إلى خواتيمه، وربما تشابهت تلك الخصائص أو اختلفت، وربما تساوت أو تفاوتت، وربما كثرت أو قلت، ولكنها على – أية حال من حالاتها – موجودة على صورة من الصور في كلام شوقي، محسوبة بين غرره وآياته أو بين مآخذه وهفواته، على نحو من الأنحاء. وقد ظهر لشوقي في أخريات أيامه، وازداد ظهوره بعد وفاته، شعر كاد يهمله جامعو الديوان، وهو في اعتقاد العقاد أنه أحق باب فيه بالإثبات، لأنه الباب الوحيد الذي يحسب من شعر الملامح الشخصية بين سائر الأبواب، ذلك هو باب القصائد الفكاهية التي كان ينظمها شوقي ويطويها، ولم يكن يعرض لها في أوائل عهده بالنظم إلا على غير احتفال منه في فلتات بعد فلتات. من هذه القصائد ما نظمه في “المحجوبيات” (نسبة إلى الطبيب الدكتور محجوب ثابت) ومنها ما نظمه قبل ذلك بين فترة وفترة على غير انتظام. وبين أطراف هذه المحجوبيات ما قاله شوقي في سيارة الدكتور محجوب، وبراغيث محجوب، وما قاله شوقي في رحلة غاندي إلى مؤتمر المائدة المستديرة، وقوله في هرب الخليفة عبدالحميد على سفينة إنجليزية، وما قاله في معرض الرياحين بباريس، فهذه الفكاهات وأشباهها هي الباب الوحيد الذي ظهر فيه شوقي بملامحه الشخصية، لأنه أرسل نفسه فيه على سجيته وانطلق من حكم المظهر والصنعة والقوالب العرفية التي تنطوي فيها ملاح الشخصية وراء المراسم والتقاليد. شوقي كان محبًّا للحيلة والعمل الخفي والاستراحة إلى مقالب النكاية التي تنطوي في الدعاية، ويرى كيف يدور وعيه الباطن، ويدور ليتحدث عن حيلة الحاوي واختلاس المستعمر، وابتلاع أمواه البحار وسرقة الكرم والزهر من الفردوس ومكامن البراغيث في حفائر الأسنان (وما إلى ذلك). حقد على العقاد المسرحيات التي نظمها شوقي خلت من الشخصيات والتبست فيها ملامح الأبطال أيّما التباس مع أن أغلبها تاريخية المسرحيات التي نظمها شوقي خلت من الشخصيات والتبست فيها ملامح الأبطال أيّما التباس مع أن أغلبها تاريخية عن الحس الوطني لدى شوقي يوضح العقاد أن شوقي كان يحس الوطنية المصرية كما يحسها التركي المتمصّر من طبقة الحاكمين أو المقربين إلى الحكومة، وكان بمعزل عن الأمة في شعوره، لا يخامرها بعطفه، ولا تخامره بعطفها. وفي كتابه “شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي” يقول العقاد “إنك لو قلبت دواوين شوقي لما وجدت فيها بيتًا واحدًا من شعر طبيعة النفس، وإن كنت تجد الحكمة وتجد الرثاء وتجد الغزل وتجد المديح. فإذا عرفت شوقي في شعره، فإنما تعرفه بعلامة صناعته، وأسلوب تركيبه، كما تعرف المصنع من علامته المرسومة على السلعة المعروضة، ولكنك لا تعرفه بتلك المزية النفسية التي تنطوي وراء الكلام، وتنبثق من أعماق الحياة”. ويضيف “ومراس الشعر أربعين سنة خليق، أن يبلغ بصاحبه الذروة العليا من صنعة لا تقيده بشيء غير التوقيع والتنسيق، ولا تضطره بعد ذلك إلى ‘خصوص’ ولا إلى معنى عام يأبي المناقضة والتبديل، على حسب الجرس وموضع الأداء”. ويؤكد العقاد على هذا التصور، قائلا “على كثرة ما نظم شوقي في مدح الأمير عباس الثاني، لا نعرف من هو الأمير عباس الثاني من تلك المدائح الكثيرة، ولا نستطيع أن نفهم ‘نفس’ ممدوحه الأكبر من أوصافه المفروض فيها أنها ‘تصفه’ وتبينه وتعرفه للنفوس كما تعرفه للتاريخ. وعلى كثرة ما نظم في رثاء الكبراء والوزراء لا نعرف فرقا بين وزير منهم ووزير إلا في عوارض وحواش لم تتجاوز العناوين، وما هو في حكم العناوين. وأيسر ما تمتحن به مراثيه وأن تبدل أسماء المرثيين، فلا يتبدل شيء بعد ذلك من جوهر الصفة، أو جوهر الرثاء”. ويتضح هذا في مسرحيات شوقي الشعرية، ويعلق العقاد أنه غني عن الإبانة أن الروايات التي نظمها شوقي قد خلت من “الشخصيات” والتبست فيها ملامح الأبطال أيما التباس، مع أنها كلها أو بعضها تاريخية، ليس في تحضيرها وتصويرها فضل كبير بالقياس إلى فضل الإنشاء والإبداع. فإن الشاعر يخلق الأشخاص خلقا، فإذا هي (كائنات) حية تصدر عنها الأعمال والأقوال، كما تصدر عن الأحياء الذين تعاشرهم وتعهد أعمالهم وأقوالهم بالتجربة والألفة الطويلة، وقد سقطت من أجل هذا جميع “شخصياته” التمثيلية إلا ما أقامه منها التاريخ والغرام، ونعني بها المجنون وليلى وأنطونيو وكليوباترا، ولو كان تصويره لشخوص قوم مستمدة من خياله وحسه لا من السمعة التاريخية والغرامية لما انفرد هؤلاء بالظهور والإقبال. فهو لا يمتاز بحس حتى يدرك مزايا الحس وفوارقه في غيره. وأول ما ينجم عن ذاك أن يتماثل الناس عنده كما تتماثل الصور المنسوخة، لأنه لا ينفذ من العلم بنفوسها وملامح ضمائرها إلى ما وراء الظواهر والعناوين. ويرى العقاد أن بيتًا واحدًا كبيت البحتري الذي قاله في الربيع: أَتاكَ الرَبيعُ الطَلقُ يَختالُ ضاحِكاً ** مِنَ الحُسنِ حَتّى كادَ أَن يَتَكَلَّما ليساوي كل ما نظم شوقي في ربيعياته وريحانياته ومناظر النيل أو مناظر البحور. ويختم بقوله “إن معظم ما تقرأ من ثناء على شوقي، إنما هو في باطنه حقد على العقاد وليس بحب لشوقي، ولا تشيع لشخصه أو كلامه. لو قلت يوما: إن شوقي أشعر شعراء الإنس والجن لكان أول من يتصدى لي هؤلاء الأبرار الأطهار الذين ينشقون اليوم من الغيظ لأنني أقول غير ما يقولون”.

مشاركة :