بريطانيا تتفادى الركود بشق الأنفس لتواجه ضائقة أخرى

  • 6/20/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

المناطق_متابعات يعاني اقتصاد المملكة المتحدة نوبة خطيرة من ركود تضخمي ويبدو أن الآفاق سيئة. هذا هو الاستنتاج الذي استشفته الأسواق المالية الأسبوع الماضي من مزيد من البيانات المخيبة للآمال، التي تؤكد ضعف اقتصاد بعد كوفيد، واستمرار التضخم المرتفع. مع غياب النمو في الناتج منذ تموز (يوليو) الماضي واشتداد الضغوط التضخمية مع زيادات نمو الأجور، لا أحد تقريبا راض عن الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد. أطلق أندرو بايلي، محافظ بنك إنجلترا، مراجعة لأدائه بعد التسليم بأن التضخم “يستغرق وقتا أطول بكثير مما نتوقعه” كي يتراجع. تجنب المتداولون في الأسواق المالية ديون الحكومة البريطانية، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض لأجل عامين فوق المستويات التي وصلت إليها في أسوأ لحظات ولاية ليز تراس القصيرة في منصب رئيسة الوزراء. والأسر، التي تواجه متوسط أجر حقيقي ليس أعلى من متوسط 2005 وتكاليف الرهن العقاري المرتفعة، لم تلق إلا مواساة ضئيلة من الوزراء الذين أخبروهم بأن الاقتصاد قد تجنب الركود. كل هذا يحدث قبل الانتخابات العامة المنتظرة العام المقبل. يقول اللورد نيك ماكفيرسون، مسؤول كبير سابق في وزارة الخزانة، “إن هذا يعني أن الحكومة ستواجه الناخبين في وقت أسعار الفائدة فيه ترتفع ومعاناة اقتصادية ضرورية لانتزاع التضخم من النظام”. ويضيف “لا يمكنني أن أتذكر أي انتخابات حيث، بعد 18 شهرا من التصويت، كانت أسعار الفائدة لا تزال ترتفع بحدة”. يذهب آدم بوسن، رئيس مؤسسة بيترسون البحثية في واشنطن، إلى أبعد من ذلك، قائلا “إنه مقارنة بالولايات المتحدة ومنطقة اليورو، تعاني المملكة المتحدة المشكلات الإضافية المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفقدان مصداقية الحوكمة الاقتصادية، وعاقبة قلة الاستثمار في خدمات الصحة العامة والنقل”. ويضيف بوسن “هذا ليس جيدا”، مركزا على ما يقول “إنه علامات على أن التضخم سيظل مرتفعا فترة أطول في المملكة المتحدة مقارنة بمعظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى على جانبي الأطلسي. اللغز لي لا يكمن في أن أداء الاقتصاد البريطاني أسوأ من أداء منطقة اليورو أو الولايات المتحدة، لكن لم لا يكون أسوأ من ذلك، ولماذا يظل الجنيه الاسترليني قويا كما هو”. مشكلات مشتركة رفض جيريمي هانت وزير الخزانة هذا الكلام ووصفه بأنه “متشائم” يوم الإثنين الماضي. لكن في وقت لاحق من ذلك الأسبوع، أجبر مرة أخرى على التحدث عن الضغوط التضخمية، قائلا “إن الحكومة على دراية بالألم الذي لحق بميزانيات العائلات، وإن أفضل ما يمكنه فعله هو دعم بنك إنجلترا في التغلب على التضخم”. قد يشعر المستشار بأن لديه سببا يجعله يتضايق من رد فعل السوق ووسائل الإعلام. حيث تظهر الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو الأسبوع الماضي أن المملكة المتحدة ليست وحدها. بعد تثبيت أسعار الفائدة بين 5 و5.25 في المائة، سلم جاي باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأربعاء بأنه لم يتم التغلب على التضخم الأمريكي، لأنه أشار إلى أن البنك المركزي سيحتاج إلى رفع أسعار الفائدة مرتين أخريين. قال باول “إن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال بحاجة إلى رؤية دليل موثوق على أن التضخم يصل إلى أعلى مستوياته ثم يبدأ في الانخفاض”. حذرت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، من أن التضخم سيبقى “مرتفعا جدا فترة طويلة جدا” عبر منطقة اليورو حيث رفعت أسعار الفائدة للمرة الثامنة على التوالي وقدمت توقعات جديدة تظهر تضخما أعلى ونموا أبطأ مما كان متوقعا في السابق. لذا فإن المشكلات الاقتصادية العامة مشتركة، لكن الأسواق المالية أفردت المملكة المتحدة لأن معظم الناس يظنون أن المشكلات أصعب في المملكة المتحدة من أي مكان آخر. أظهرت البيانات طيلة الشهر الماضي ارتفاع التضخم الأساسي من 6.2 في المائة في آذار (مارس) إلى 6.8 في المائة في نيسان (أبريل)، على عكس أسعار الفائدة الأكثر استقرارا في منطقة اليورو والولايات المتحدة. أظهرت أرقام الأجور المنشورة الأسبوع الماضي أن متوسط الدخل نما بوتيرة شبه قياسية بلغت 7.2 في المائة على أساس سنوي بين شباط (فبراير) وأبريل. أقنعت هذه الأرقام المتداولين بأن بنك إنجلترا سيحتاج إلى تشديد الخناق أكثر لأن ارتفاع الأجور السريع لم يكن متوافقا مع المعدل المستهدف للتضخم البالغ 2 في المائة. بحلول يوم الجمعة، ارتفعت التوقعات بشأن أسعار الفائدة الرسمية في المملكة المتحدة إلى ذروة تقترب من 6 في المائة، بعد أن كانت منخفضة عند 4.5 في المائة في أوائل أيار (مايو). تختلف الآراء حول ما يجعل وضع المملكة المتحدة أسوأ وردود فعل السوق المالية أكبر من معظم الاقتصادات الأخرى عند وجود كثير من المشكلات المشتركة. تقول إحدى النظريات “إنها عانت الأسوأ من بين الدول على جانبي الأطلسي”. كان لديها نوع الطلب القوي الذي شوهد في الولايات المتحدة الذي أدى إلى نقص في اليد العاملة مع مكابدتها أيضا الضرر بسبب ارتفاع أسعار الطاقة الذي واجهته بقية أوروبا من الحرب في أوكرانيا. تعتقد الأسواق المالية واقتصاديون كثر أن الأمر يتطلب أكثر من هذا لتفسير استمرار النمو السريع للأجور والتوقعات المتشائمة حتى مع بدء صدمة أسعار الطاقة في التبدد. يقول الاقتصاديون “إن رد فعل السوق الضخم على بيانات الأسبوع الماضي يرجع جزئيا إلى الشكوك المتزايدة بشأن عملية تحديد الأجور، وتعامل بنك إنجلترا مع التضخم، وغياب استراتيجية حكومية مقنعة لتعزيز النمو والإنتاجية على المدى الطويل”. لقد اضطر بايلي إلى الاعتراف، في شهادته الأخيرة أمام النواب، بأن نماذج تنبؤ بنك إنجلترا كانت غير موفقة في الآونة الأخيرة، ما أرغم أعضاء لجنة السياسة النقدية على “ارتكاب الأخطاء” في تحديد أسعار الفائدة. تحت ضغوط لتفسير هذه الأخطاء، سارع بنك إنجلترا الأسبوع الماضي إلى تقديم بيان عن شروعه في مراجعة واسعة النطاق لعمليات التنبؤ التي يجريها، معترفا بالمخاوف الكبيرة إزاء طريقة توصله إلى قرارات السياسة. يقول سايمون فرينش، كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار بانمور جوردون “لقد نجح بنك إنجلترا في تلطيخ سمعة يستحقها عن جدارة لكفاءته في هذا المجال خلال الأرباع الأخيرة”. نشأت إحدى المشكلات من بروتوكول بنك إنجلترا في بناء التنبؤات على سياسة الحكومة المعلنة، حسب قوله، في الأوقات التي كان “من المقبول خلالها على نطاق واسع أن يفتقر موقف السياسة إلى المصداقية”، وكان من المرجح أن تنفق الحكومة فيها أكثر أو تقلل الضرائب. خطورة التحديات هناك مشكلتان عميقتان. الأولى، يشير النمو السريع للأجور إلى أن الناس يعتقدون أن التضخم سيبقى مرتفعا فترة طويلة ويسعون إلى الدفاع عن مصالحهم. والثانية، مع أن حكومة ريشي سوناك تمكنت من إعادة بناء مصداقيتها مع الأسواق بعد اضطرابات الخريف، إلا أنها لم تقنع المستثمرين بإمكانية انتشال الاقتصاد من حالة الركود طويلة الأمد. وما كانت الدراما السياسية المتجددة داخل حزب المحافظين الأسبوع الماضي لتساعد. أظهرت البيانات الأسبوع الماضي أنه رغم أن المملكة المتحدة تجنبت الركود حتى الآن، فإن الناتج ليس أعلى حاليا مما كان عليه في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، في حين ظلت دخول الأسر ثابتة منذ 2005. مع وجود عدد أكبر من الأشخاص على رأس العمل، قال جيمس سميث، مدير الأبحاث في مؤسسة ريزوليوشن فاونديشين البحثية، “إن هذا جعل معظم الاقتصاد ثابتا والإنتاجية منخفضة”. أكد هانت للجمهور في حدث أقيم في لندن قبل أسبوعين التزام الحكومة بتعزيز الإنتاجية في كل من القطاعين العام والخاص لتجنب “فخ النمو المنخفض”. لكن تقريرا عن التجارة نشرته مؤسسة ريزوليوشن فاونديشين الخميس أكد خطورة التحديات التي تواجهها المملكة المتحدة. جادل بأن الأجزاء الأكثر إنتاجية في قطاع التصنيع في الدولة سيكون مصيرها التدهور ما لم يتقبل الوزراء الحاجة إلى إعادة نظر جذرية في الترتيبات التجارية مع الاتحاد الأوروبي. يقول أندرو جودوين، من شركة أكسفورد إيكونوميكس الاستشارية، “إنه رغم التدابير المعلنة في ميزانية هانت لشهر مارس -بما فيها التوسع في رعاية الأطفال الممولة من الدولة لمساعدة مزيد من الآباء على العمل- لا يزال المستثمرون ينتظرون استراتيجية ذات مصداقية في جانب العرض”. ويضيف “إنه في ظل غيابها -كما تظهر البيانات الأخيرة- فإن أي نمو على الإطلاق (…) نمو تضخمي تماما”. إن الآثار المترتبة على هذا شديدة. إذا استطاع الاقتصاد البريطاني أن ينمو دون أن يشهد نشاطا محموما، فسيضطر بنك إنجلترا إلى فرض مزيد من المعاناة على الأسر -في شكل خسائر في الوظائف وارتفاع تكاليف الرهن العقاري- من أجل السيطرة على التضخم. ستأتي أول إشارة تدل على تفكير بنك إنجلترا يوم الخميس، عندما يحدد أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ شعرت الأسواق المالية بالذعر. يتوقع جميع الاقتصاديين تقريبا أن يرفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة 0.25 نقطة مئوية لتصل إلى 4.75 في المائة لأنهم لا يرون شكا في أن البيانات الاقتصادية قد أزالت عقبة البنك المركزي المتمثلة في الرغبة في رؤية “مزيد من الضغوط المستمرة” على الأسعار قبل أن يرفع أسعار الفائدة. قال اقتصاديون في بنك بي إن بي باريبا “إنه في حين ربما كان واضعو أسعار الفائدة قلقين في السابق بشأن رفع أسعار الفائدة فوق 5 في المائة، بسبب التأثير الضخم في مالكي المنازل، نرى الآن أن لجنة السياسة النقدية ستكون أكثر استعدادا لاتخاذ قرار لا رجعة فيه”. هناك اقتصاديون يرفضون الحجة القائلة، إن المملكة المتحدة بطبيعتها أكثر تضخمية، ويعتقدون أن تراجع التضخم فيها قد تأخر ليس إلا. جادلت سواتي دينجرا، أحد أعضاء لجنة السياسة النقدية التي عارضت بالفعل أي تشديد إضافي في السياسة، الأسبوع الماضي بأن آثار زيادات أسعار الفائدة قد تستغرق وقتا أطول لتظهر مما كانت عليه في الماضي، لأن الرهون العقارية ذات الفائدة الثابتة كانت أكثر شيوعا. مع هذا، بدأت المعدلات المرتفعة “بالفعل مضاعفة الضغوط المستمرة للعائلات التي تستأجر أو تتفاوض في سوق الرهن العقاري”، على حد قولها، ومن المتوقع أيضا أن يتباطأ نمو الأجور قريبا. لكن الأصوات التحذيرية مثل هذه أصبحت أندر خلال الشهر الماضي مع ازدياد الأدلة على مشكلات الركود التضخمي في المملكة المتحدة. مع أن البيانات قد تتحسن تلقائيا، مظهرة مشكلات المملكة المتحدة تبدو أقل حدة، إلا أن معظم أعضاء لجنة السياسة النقدية مستعدون لتوصيل رسالة صعبة الخميس، إنهم بحاجة إلى مواصلة الدوس بقوة على المكابح لأنه لا يمكنهم السماح للأجور والأسعار بدفع بعضها بعضا إلى الأعلى. مثلما قال جوناثان هاسكل، عضو لجنة السياسة النقدية، أخيرا “مهما كانت صعوبة ظروفنا الحالية، فإن تضخما ضمنيا سيكون أسوأ”.

مشاركة :