عنوان المقال في صيغته الاستفهامية التي تقرؤون يحيل إلى سؤال آخر من وحي ما سوف يفرزه تطور الأحداث السياسية التي تحكم العلاقة بين المملكة العربية السعودية ولبنان مستقبلاً، أي بعد أن حددت الأولى مستوى هذه العلاقة في ضوء مراجعتها لها في أعقاب المواقف التي اتخذتها الدولة اللبنانية من القضايا العربية بالغة الحساسية. وغني عن البيان هنا أن القرار اللبناني أصبح اليوم قرارًا مرهونًا بمصالح حزب الله التي يفرضها على المجتمع والقوى اللبنانية من واقع تفوق عسكري يرهب به المختلفين معه. هذا الحزب الذي لا يخفي أبدا تمثيله للمصالح الإيرانية سياسية كانت أم اقتصادية أم ثقافية أم مذهبية... السؤال هنا مفاده هل نجح حزب الله حتى الآن في اختطاف لبنان واجتثاثه من محيطه العربي وربطه باستراتيجيته المسترابة وجعله أول الدول المنضوية في منظومة ولاية الفقيه، وهي المنظومة التي يتعهد ملالي إيران إنشاءها في الدول العربية؟ وإذا كان لي من إجابة فإني أجزم أن لا التاريخ ولا الجغرافيا ولا الثقافة ولا الديموغرافيا تخدم هذا الحزب لبلوغ مراميه. وأضيف إلى ذلك أن حتى إيران التي تقف من ورائه لا تستطيع إنجاز ذلك. فحزب الله مهما تكلم زعيمه حسن نصر الله عن قوته ونوويته لا يعدو أن يكون غير جسم سياسي هجين متحصن بميليشيا طائفية مذهبية مسلحة داخل دولة فيها جيش نظامي، مستلب اليوم، ولكن غدا بعد أن يعتدل ميزان علاقات الداخل اللبناني سينطفئ بريقه. لقد أعطى الحزب في ذلك مثالا عندما سلب ألباب المواطنين العرب في مواقف قومية كذوبة إدعت محاربة إسرائيل دفاعا عن شرف لبنان والعرب. وقد تبين أن كل الحروب التي خاضها ما هي إلا بدوافع السيطرة على القرار اللبناني وربطه بقرار الولي الفقيه. السجال بين إيران ودول مجلس التعاون بقيادة المملكة العربية السعودية، وفقا لما ترسمه القوى الكبرى في المنطقة وخصوصا بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى بالإضافة إلى المانيا، سيطول، وطول أمده ليس في صالح إيران بحسب المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحاكمة لصراع الوجود في هذه المنطقة من العالم. كتاب لبنانيون كثر يشيرون في كتاباتهم إلى خطأ حزب الله وكارثية سياساته على لبنان وعلى البلدان العربية، كما أن يدركوا أهمية لبنان للمملكة العربية السعودية وأهمية المملكة للبنان. ومن ضمن هذه الكتابات قرأت مقالا بعنوان نفهم الرياض.. افهموا بيروت! للكاتب اللبناني محمد قواص، وفيه استوقفتني هذه الفقرة: تحملت السعودية سهام اللبنانيين منذ عهود. اعتبرت المملكة لبنان مخلوقا استثنائيا يجوز له ما لا يجوز لغيره. قاربت المملكة البلد بروح أبوية تتحمل نزق الأطفال. سواء كان النزق في السابق عروبيا قوميا يساريا ثوريا، أو ممانعا يتبع تقليعات الولي الفقيه هذه الأيام. لعل ما استوقفني في هذه العبارة هو إقرار الكاتب، بصفته لبنانيا، بمدى تحمل السعودية للمواقف المختلفة التي تبديها التيارات السياسية المتصارعة في لبنان. وقد ذكر ذلك بنبرة كلها أسى على تدهور العلاقة شديدة الخصوصية التي ربطت بين البلدين، بلده لبنان والمملكة العربية السعودية على مدى سنوات طويلة تمتد رسميا إلى بدايات الخمسينات من القرن الماضي، ولكنها أبعد من ذلك بكثير. يحيلك التمعن في كلمات هذا الكاتب إلى تاريخ طويل من الرعاية الشاملة التي بها خصت المملكة لبنان حتى الأمس، ولعل أكبر شاهد على ذلك اتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية لينهي حربًا أهلية طاحنة عصفت بلبنان وكادت تذهب به إلى حدود الصوملة. لقد سبق وأن تأثر مساق العلاقات بين البلدين في محطات مختلفة مدًا وجزرًا، وهذا طبيعي في العلاقات الحيوية التي تربط الدول، ولكن شرخًا بهذا العمق لم يسبق وأن شهدته العلاقات بين هذين البلدين في أي وقت من الأوقات. يعود السبب في بلوغ مستوى العلاقات بين الدولتين هذا المستوى إلى تحكم حزب الله في مفاصل الدولة اللبنانية واضطلاعه بدور مناهض للسياسات القومية للسعودية في كافة الملفات المشتعلة بالمنطقة العربية ووقوفه في الصف الآخر، صف إيران. بل بتجرئه على التصريح بأولوية الدفاع عن مصالح رعاته في المنطقة. والسؤال اليوم الذي ينبغي أن يسأل هو: هل تعود العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها؟ في ظني أن الإجابة عن هذا السؤال عند اللبنانيين هذه المرة. واللبنانيون بسبب انقسامهم يتناصفون المسؤولية. فعلى قوى الثامن من آذار، وحزب الله على وجه التحديد أن يكف عن إخضاع لبنان لميزان مصالحه المذهبية التي تحركها إيران. كما يجب على قوى الرابع عشر من آذار أن تضغط في هذا الاتجاه بكل وسائل الضغط المتاحة بما في ذلك ضغوط دول مجلس التعاون على حزب الله، لإعادة بوصلة تفكيره إلى المصلحة الوطنية اللبنانية. وبالعودة إلى الفقرة المستلة من مقال الكاتب محمد قواص نقول تعليقا إن لبنان لم يعد كما كانت تعتبره السعودية مخلوقا استثنائيا يجوز له ما لا يجوز لغيره. ذلك أن طفلاً بين اللبنانيين اليوم قد شب وتمرد على الجميع، هذا المتمرد هو حزب الله الذي عقد العزم على السيطرة التامة على لبنان، والعمل على مساعدة الإيرانيين على حكم لبنان وكل البلدان العربية وتسليمها لقمة سائغة للولي الفقيه. وهو يكفيني شاهدا عليه عنوان الحزب الدال على نزعة إقصائية همها الأوحد إلغاء الآخر والتفرد بالجسد اللبناني، وسياساته التي استهدفت الدولة اللبنانية في كل مكوناتها استهدافا منظما جعل مؤسسات الحزب تحل محل مؤسسات الدولة وتستقطب الناس بدلا عنها، وجعل مفاتيح السياسة اللبنانية جلها إن لم نقل جميعها في يد حسن نصر الله وحزبه. لقد شب لبنان وفي جسمه ورم سرطاني خبيث لابد من استئصاله ليتعافى الجسد وتسلم الروح ويفلت لبنان الكرامة كما تغنت به السيدة فيروز من براثن من يريد لأنفه رغام تبعية لإيران وانفصام عن عروبة ستبقى، كرهت إيران وذراعها المليشياوي حزب الله ذلك أم أحبت، قدر لبنان وعنوانًا بارزًا من عناوين هويتها وماضيها ومستقبلها.
مشاركة :