✍️ ملهي شراحيلي قدّمت المملكة العربية السعودية، أمس الثلاثاء، في باريس، الملف الرسمي لاستضافة الرياض معرض إكسبو 2030، كأول دولة تقدم ملفها رسمياً. وكانت المملكة قد تقدمت سابقاً بطلب للترشُّح لتنظيم معرض إكسبو 2030، وأعلن المكتب الدولي للمعارض ومقره باريس تقديم 4 دول ملفاتها الرسمية لاحتضان هذا الحدث الهام تتقدمها المملكة العربية السعودية (الرياض) بالإضافة لكل من كوريا الجنوبية (بوسان) وإيطاليا (روما) وأوكرانيا (أوديسا). وسيتم التصويت من قبل الدول الأعضاء على المترشحين واختيار الدولة الفائزة بتنظيم إكسبو 2030، في نهاية نوفمبر 2023، خلال الجمعية العامة الـ171 للمكتب الدولي للمعارض. وأقامت المملكة مساء أمس، حفل استقبال رسمياً في باريس لترشح الرياض لاستضافة إكسبو 2030، وقد حضر الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض، جانياً من هذا الحفل، الذي استضاف ممثلي 179 دولة من أعضاء المكتب الدولي للمعارض - المنظمة المسؤولة عن معرض إكسبو الدولي - عشية انعقاد اجتماع الجمعية العمومية 172 للمكتب الذي عُقد الثلاثاء 20 يونيو 2023م في باريس. وقال رئيس الهيئة الملكية للرياض، أن تجهيزات إكسبو 2030 تكتمل بحلول عام 2028. وأضاف في تصريح لوسائل الإعلام اليوم: إننا واثقون من قدرتنا على إنجاز "إكسبو" عالمي غير مسبوق، ونتوقع استضافة نحو 120 مليون شخص في عام 2030. وقال وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، إن الميزانية المخصصة لاستضافة الرياض لمعرض "إكسبو" 2030، تبلغ 7.8 مليار دولار، وهو ما يعادل 29.3 مليار ريال. وحقيقة الأمر أن ما حدث اليوم، جاء بعد مارثون ملكي، قاده ولي العهد حفظه الله، شخصياً، من مقر جناح المملكة في معرض إكسبو 2020 في دبي، حيث بدأت المملكة العربية السعودية في 28 مارس 2022 حملتها الترويجية التي تهدف إلى استضافة معرض "إكسبو الدولي 2030" في مدينة الرياض، وذلك خلال حفل الختام الذي أقيم في مقر جناح المملكة في معرض "إكسبو 2020" دبي. وجاءت تلك الحملة بعد إعلان ولي العهد، بتاريخ 29 أكتوبر 2021، تَقدُّم الرياض بطلبٍ رسمي لاستضافة معرض "إكسبو الدولي 2030" تحت شعار "حقبة التغيير: المضي بكوكبنا نحو استشراف المستقبل". وأكد الأمير محمد بن سلمان، في خطابه، أن هذا الترشُّح يُعدّ تحديّاً مُهماً ورمزياً للمملكة العربية السعودية، مُعرِباً عن ثقته بمقدرة المملكة والتزامها بإقامة نسخة تاريخية من معرض إكسبو الدولي بأعلى مراتب الابتكار، وتقديم تجربة عالمية غير مسبوقة في تاريخ تنظيم هذا المحفل العالمي. وأضاف سُموّه: "نعتقد أن إتاحة الفرصة للبلدان التي تقدم العطاءات لأول مرة لتنظيم (معرض إكسبو العالمي) ستعزز الدور الموقّر للمكتب الدولي للمعارض كمنصة للتفاهم بين الثقافات والتبادل البشري، وتعكس الطبيعة المتغيرة لعالمنا المتطور". وأضاف: تتزامن استضافتنا معرض "إكسبو 2030" في الرياض مع عام نحتفل فيه بتتويج جهودنا الرامية إلى تحقيق مستهدفات "رؤية المملكة 2030". قبل الحديث عن هذا المعرض الدولي، وأهميته، والفوائد المرجوة من إقامته في الرياض، لابد من الإشارة ولو بعجالة، إلى حدَثٍ تاريخي، وقع قبل 6 سنوات، غيّر وجه العالم!!! فما هو هذا الحدث ياترى، وماعلاقته باستعداد المملكة لـــ "إكسبو" 2030 الرياض؟!؟ قبل 6 سنوات، وتحديداً في مثل هذا اليوم، 21 يونيو 2017 م، الموافق ٩/٢٧/ ١٤٣٨هـ، صدر الأمر الملكي الكريم، من لدن، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله، بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، وليّاً للعهد. هذا الحدث لم يغيّر الكثير في السعودية فحسب، بل غيّر الكثير في الوطن العربي، والعالم بأسره، وأعاد تشكيل المحاور العالمية، وتوازنات القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية. فمنذ ذلك اليوم والمملكة العربية السعودية تعيش حِراكاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً غير مسبوقٍ داخلياً وخارجياً، وعلى كافة الأصعدة والمستويات. هذا قطعاً لا يعني أن المملكة العربية السعودية كانت في معزل عن دول العالم المتقدمة، ولم تكن في قائمة الدول المتردية، ولم تكن مجرد دولة متأثِّرة بما يجري حولها، بل كانت ولا تزال وسوف تظل دولة مُؤثّرة إقليمياً وعالمياً، لما لها من مكانة اقتصادية، وهامة سياسية، بيد أن تعيين الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، وليّاً للعهد، خَلق زَخَمَاً سياسياً وحِراكاً اقتصادياً، ومجتمعاً حيوياً، لاسيما عندما أعلن عن رؤية المملكة ٢٠٣٠، التي أصبحت مشروعاً وطنياً وهدفاً قومياً، وبرنامجاً عالمياً. ومما لاشك فيه أن الحديث عن منجزات السعودية خلال السنوات الست الماضية، لا يمكن اختصاره في مقالة، ولا يُمكن حصرِه على عُجالة، والشواهد على ذلك أكثر من أن تُحصى، والأرقام التي سجّلَتها مؤشرات الأمم المتحدة في شتى المجالات، تم تحطيمها خلال الـــ 6 سنوات، ولا أشكّ مطلقاً أن المملكة العربية السعودية، سوف تنج في استضافة معرض إكسبو الدولي 2030 في الرياض، وسوف نحتفل بمشيئة الله تعالى في نهاية نوفمبر ٢٠٢٣، عندما تجتمع الجمعية العامة الــ 171 للمكتب الدولي للمعارض، للتصويت من قبل الأعضاء البالغ عددها ١٧٠دولة على المرشحين واختيار الدولة الفائزة بتنظيم إكسبو 2030. وبالمناسبة فكلمة "إكسبو" أو بالإنجليزية Expo تعني معرض في اللغة العربية، وتُعرّفها الأمم المتحدة بـــ : معرض التنمية القائمة على التعاون فيما بين بلدان العالم. يُعدُّ معرض "إكسبو" حدثاً عالمياً مُكرّسَاً لإيجاد حلول للتحديات الأساسية التي تواجه البشرية، ويكون هذا الحدث العالمي الكبير الذي تنظمه وتسهّله الحكومات ويجمع بين البلدان والمنظمات الدولية (المشاركين الرسميين)، لا مثيل له في قدرته على جمع ملايين الزوار. لقد تقلّصت قائمة الدول المتنافسة على تنظيم "إكسبو 2030" مما يعني زيادة فُرص المملكة، إذ كانت خمس دول قد أعلنت مبدئياً ترشحها لاستضافة هذا الحدث الهام، وهي: المملكة العربية السعودية، كوريا الجنوبية، إيطاليا، أوكرانيا، وروسيا. أعلنت روسيا في شهر مايو الماضي انسحابها من المنافسة، وأكدت أوكرانيا ترشحها رغم ظروف الحرب القائمة حالياً بينها وبين روسيا. وباعتبار أن إيطاليا قد نظمت سابقاً معرض "إكسبو 2015" في ميلانو، ويشترط نظام المكتب الدولي للمعارض عدم تنظيم أي دولة نفس المعرض خلال 15 عاماً، فإنه من المتوقع أن يقتصر التنافس بين المملكة العربية السعودية وكوريا الجنوبية. يبقى القول أن هذا الحدث، (إكسبو) يشكل منصة استثنائية تتيح للمجتمع العالمي التعاون معاً لاكتشاف الحلول المُبتكرة والرائدة للمواضيع الفرعية الثلاثة التي تم تحديدها كعوامل رئيسة للتنمية العالمية وهي : الإستدامة ويُقصد بها المصادر الدائمة للطاقة والمياه: في عالم اليوم الذي تتسارع فيه خُطى النمو، تتزايد أهمية الابتكارات المميزة في مجال إنتاج وتزويد واستهلاك مصادر الطاقة والمياه النظيفة. وتتلخص الأهداف الرئيسية للدول المتقدمة والنامية في تحسين فرص الحصول على هذه المصادر الطبيعية الثمينة، وذلك عبر اتباع أساليب الترشيد المسؤولة والإدارة السليمة والفاعلة، فضلاً عن اعتماد ثقافة الاستدامة. التنقل أنظمة جديدة للنقل والخدمات اللوجستية: تعتبر أنظمة النقل والخدمات اللوجستية المتطورة شريان الحياة الذي يربط الناس والسلع والخدمات في جميع أنحاء العالم، وهي تتمتع بتأثير كبير على المدن، وأنماط السفر وأساليب شحن السلع، ومدى فعالية إيصال المساعدات الإنسانية. وفي الوقت الذي تواصل فيه الأسواق العالمية مسيرة نموها وتفاعلها، تبدو الحاجة ملحة إلى مصادر جديدة للابتكار بغية إيجاد حلول أكثر تكاملاً. الفُرص سبل جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي: في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وبعد جائحة كورونا، ومع انضمام المزيد من الدول الناشئة إلى الاقتصاد العالمي، تبدو الحاجة ملحةً إلى نماذج عالمية جديدة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والاستقرار المالي. سيشكل معرض «إكسبو الدولي 2030» في الرياض منصة مميزة لتكريس نماذج جديدة لتدفق المقدرات المالية والفكرية الكفيلة بتعزيز روح ريادة الأعمال والابتكار. كما سيركز على اكتشاف سبل الترابط وتحديد الشراكات المحتملة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إنتاج إرث من الابتكارات الجديدة. هذه العوامل، بفضل الله، ثم بالجهود الحثيثة لحكومة المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله، ومتابعة مستمرة، وعناية فائقة من لدُن ولي العهد، حفظه الله، قفزت قفزات عالمية، وحققت فيها السعودية أرقاماً خيالية، ثم إنها الآن رصدت لهذا الحدث ميزانية مخصصة تبلغ ٧ مليار و٨٠٠ مليون، كفيلة بإقامة نسخة تاريخية من معرض إكسبو الدولي بأعلى مراتب الابتكار، وتقديم تجربة عالمية غير مسبوقة في تاريخ تنظيم هذا المحفل العالمي. تجدر الإشارة هنا إلى أن إكسبو، يقام كل خمس سنوات، ويستمر لمدة ٦ أشهر، وكان آخرها إكسبو ٢٠٢٠ في دبي، وفي ٢٠٢٥ سوف يقام في منطقة أوساكا _ كانساي اليابانية من ١٣ أبريل إلى ١٣ أكتوبر ٢٠٢٥. ولكن نسخته الأفخم سوف تقام في الرياض. غرَّدَ الطيرُ في الرِّياضِ ونَاحَا وشكا العشقَ والغرَامَ وباحا ونسيمُ الشَّمَالِ أهدى سُحيْراً من شَذَا الزهرِ عَرْفَهُ الفيَّاحَا وسوف تكون وقتها العاصمة غير الرياض الآن، ليس لأنها سوف تحتضن هذا الحدث العظيم فحسب، بل لأنها سوف تكون بإذن الله على موعد مع أحداث أهم، كما قال الشاعر العبّاسي، إبن الرومي: كأن الثريا إذ تجمَّع شملها رياض ربيع فصِّلت بشقيقِ وقد لمعت حتى كأن بريقها قلائد درٍّ فُصِّلت بعقيقِ. أو كما قال الشاعر الأندلسي، أبو حيّان: أَجَلتُ لِحاظي في الرِياضِ الرَمائثِ وَنَزَّهتُ فكري في فُنونِ المَباحثِ وَشاهَدتُ مَجموعاً حَوى العلمَ كُلَّه فَأَولُ مَكتوبٍ وَثانٍ وَثالثِ فَيا حُسنه مِن جامِعٍ لِفَضائلٍ جَليلٍ على نَيلِ المَعارفِ باعثِ. وحتى يأتي ٢٠٣٠، ستبقى الرياض صفحةً ناصعة البياض، تترقب وصول "إكسبو" وتبقى الأفئدة تتوق إليها، والأنظار تصبو نحوها، ولسان حال "إكسبو" 2030، يردد: قلبي تولع بالرياض حب ورثته من الجدود يا صفحة ناصعة البياض زرعتي الصحرا ورود يا نجد يا أرضي وسماي يعجز عن الوصف اللسان الحب مالي فيه رآي وما أظن لي غيرك مكان.
مشاركة :